دور الجهاز المصرفي في إنشاء سوق الأوراق المالية في اليمن

> «الأيام»د. عوض محمد باشراحيل :

> تفتقر العديد من الدول النامية، ومن بينها اليمن، إلى ممارسة سياسة نقدية فعّالة بسبب جملة من العوامل، ّمن بينها عدم وجود سوق مالية منظمة فيها، أو بسبب اقتصارها على سوق نقدي ضعيف ذي إطار محدود تعمل فيه عدة بنوك تجارية وطنية، أو بعض الفروع لبنوك أجنبية، فالسوق المالية المتطورة تؤدي دوراً فعالاً في تنشيط السياسة النقدية من جهة، وتنشيط حركة النشاط الاقتصادي في شركات الأعمال من جهة أخرى.

وبما أن اليمن يعتزم إقامة سوق مالية منظمة، فإن هذا السوق بالتأكيد سيشكل الحلقة المحورية في المنظومة المالية، وفي النشاط الاقتصادي في البلاد، الأمر الذي يتطلب أن تسند مهمة الإشراف والتنظيم والرقابة على هذا السوق - لا سيما في مراحله الأولى - إلى أهم مؤسسات الجهاز المصرفي المتمثلة في البنك المركزي اليمني بوصفه جهة محايدة تمارس حق الرقابة والإشراف على السوق النقدية كأحد المكونات الرئيسية للسوق المالية، فضلاً عن ما يمكن أن تقوم به البنوك تجارية كانت أم متخصصة في إنجاح هذا السوق وتطويره.


دور البنك المركزي اليمني في التنظيم والإشراف
من الطبيعي أن تكون المسؤولية المباشرة للبنك المركزي اليمني في التنظيم والإشراف على السوق المالية، وتحديداً منها السوق النقدية، وكذا المحافظة على استقرارها نشاطاً وسيولة وأسعاراً. أما بالنسبة لنشاط هذه السوق يجب أن يستمر دون توقف بمعدل نمو ملائم لحجم الاقتصاد اليمني، كذلك يجب أن تتوفر لهذه السوق سيولة متجددة تساعدها على استمرار نشاطها، كما أن أسعار هذه السوق يجب أن تتسم بالاستقرار هي الأخرى، سواء كان ذلك لأسعار الفائدة أو أسعار الصرف، لا سيما وأن السوق المالية القصيرة الأجل التي تكون مدة استحقاقها أقل من سنة، تتأثر بدرجة كبيرة بمستوى السيولة وبمستوى أسعار الفائدة السائدين، بينما نجد سوق رأس المال، أي السوق المالية ذات الآجال المتوسطة والطويلة الأجل، هي الأخرى تتاثر بالسيولة وبأسعار الفائدة القصيرة الأجل من ناحية، وبأسعار الصرف من ناحية أخرى، علماً بأن استقرار أسعار الصرف رسمياً وواقعياً لا يعد مهماً فقط لجذب رؤوس الأموال الوطنية، بل وحتى لرؤوس الأموال المغتربة والعربية والأجنبية.

وبشكل عام يمكن تحديد أهمية البنك المركزي اليمني في الإشراف على السوق المالية المقترحة، من خلال الأبعاد الرئيسية الآتية التي تشكل في مضمونها هدفاً رئيساً للبنك المركزي اليمني وفقاً ونص المادة (5) فقرة (1) من القانون رقم (14) لسنة 2000م بشأن البنك المركزي اليمني.


1- أهمية السيولة
يسعى البنك المركزي اليمني دائماً إلى المحافظة على حد أدنى من السيولة المصرفية كأصول سائلة، حيث يؤكد البنك المركزي اليمني في هذا الصدد بأنه على كل بنك أن يحتفظ بأصول سائلة وفقاً والتعليمات الصادرة. كما أن على البنوك العاملة في السوق المصرفية اليمنية أن تلتزم بإيداع القدر الزائد من ودائعها لدى البنك المركزي اليمني، ومن خلال هذه الأداة كإحدى أدوات السياسة النقدية يستطيع البنك المركزي اليمني إلى حد ما أن يوفر الحد الأدنى من السيولة اللازمة إلى حجم الاقتصاد، بعيداً عن آثار التضخم، لا سيما وأن التضخم يعد أحد المعوقات والعراقيل التي تقف أمام تطور السوق المالية اليمنية المزمع تأسيسها رسمياً مستقبلاً.

إذن فإن تدخل البنك المركزي اليمني بقصد ضمان التوازن بين المستوى المناسب للسيولة المصرفية والحد الأدنى من التضخم لإنعاش عمليات الاستثمار في القطاعات الاقتصادية المختلفة، يتطلب أن تكون السوق النقدية سنداً داعماً لسوق رأس المال في جميع الظروف، علماً بأن ما يقوم به البنك المركزى اليمني حالياً من بيع لأذونات الخزانة، وبعض السندات الحكومية وشهادات الإيداع على جمهور المستثمرين من أفراد ومؤسسات مالية وغير مالية يمكن اعتبارها الخطوة الأولى والرئيسية في إنشاء السوق المالية المقترحة، وهذا ما أكد عليه برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي الذي تتبناه الحكومة اليمنية منذ العام 1995م.


2- أهمية أسعار الفائدة
انطلاقاً من تأكيد البنك المركزي اليمني على تبني سياسة نقدية تنسجم مع هدفه الرئيس في تحقيق استقرار الأسعار والمحافظة على ذلك الاستقرار، فقد سعى البنك دائماً إلى الحفاظ على استقرار نسبي في أسعار الفائدة، خاصة خلال السنوات 1992-1996م من عمر دولة الوحدة المباركة، إلاّ أن الظروف الاقتصادية الصعبة والمعقدة التي مرت بها البلاد، خلال الفترة نفسها قد جعلت معدلات التضخم تتجاوز مستوى أسعار الفائدة على الائتمان المصرفي، إلاّ أنه مع تطبيق الحكومة لبرنامج الإصلاح في الجهاز المالي والمصرفي فقد ترك للبنوك في العام 1998م حرية تحديد أسعار الفائدة على الاقتراض وفقاً ومقتضيات عملها.

كما أن تحقيق بعض التحسن في عمل الجهاز المصرفي اليمني من جراء تطبيق هذه الإصلاحات المشار إليها سلفاً، فقد ساعد ذلك وخاصة خلال السنوات 1998-2002م على أن تكون أسعار الفائدة موجبة، هذا يعني أن البنك المركزي اليمني عليه أن يحافظ في الأقل على سعر فائدة حقيقي موجب (صفراً أو فوق الصفر) لكي يشجع جمهور المستثمرين أفراداً ومؤسسات على الاستثمار في السوق المالية المقترح إنشاؤها. إلاّ أنه من أجل ضمان استمرار ذلك فإن الأمر يتطلب قيام البنك المركزي اليمني بتحفيز البنوك العاملة في السوق المصرفية اليمنية، وتشجيعها على الاقتراض لغرض الاستثمار المنتج في المجالات الاقتصادية كافة، وذلك في إطار توجهات هذه البنوك لممارسة نشاطات الصيرفة الشاملة.

إذاً هناك علاقة وطيدة بين السوق النقدية وسوق رأس المال، وهذه العلاقة التي تربط بينهما هي حركة انتقال رؤوس الأموال، ويشكل سعر الفائدة العامل الاستراتيجي الذي ينشط حركة انتقال الرساميل بين هذين السوقين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى