المكلا مذهلة تملؤك بالأسئلة هلال العيد في سماء

> «الأيام» عادل الأعسم :

> يسألونك عن حضرموت وهي تنفض عن نفسها غبار الأمس، وترتدي حاضر البهاء، وترفع رأسها بشموخ واثقة الخطى على طريق النماء نحو مستقبل الرخاء.

ويسألونك عن المكلا وهي تلبس حللاً من قناديل الفرح، وتفتح ذراعيها بسخاء لاستقبال عيد الأعياد في يوم التوحيد والأمجاد.. يسألونك عن (سعاد) الشحر و(الغناء) تريم وشبام (العالية).. عن دمون والهجرين .. عن منارات العلم والأدب والحضارة .. عن الأشعار وجلسات السمر والدان.. عن عسل دوعن والوديان وواحات النخيل.. عن البحر والشطآن والغبة العزيرة.

تسألون عن الوحدة والإنسان والأجواء والأحوال والبلدة.. عن (الشيبان) و(الخيبان) والخلق الرزينة.. عن (الخبة) و(السيرة) في المطراق والسدة.. عن الأنوار والإعمار والهمة.

تتخبرون عن هذا وذاك.. فماذا أحدث عن حضرموت؟ وماذا أقول وماذا أترك وللحكي أول بلا آخر.. و«لو حكينا يا حبيبي نبتدي منين الحكاية».


قد قالها المحضار
كلمات البداية قالها المحضار في الديوان، واليوم تتحقق في الميدان نبوءة شاعر عظيم سيبقى دائماً في الأذهان والوجدان.

«اجتمع شملنا مرة وطير السعد غنى لنا والتقى الخل في ساعة هنا بالخليل

كل شيء بالتأني إنما صبر ابن آدم قليل من هنا.. من هنا في الشحر عندك أو من صنعاء هنا المكلا انتشت في ثوب زاهي جميل».

العيد عنوان التنمية
العيد الوطني الخامس عشر في حضرموت عنوان عريض لبناء الأرض والإنسان.. والتوسع العمراني والحركة الاستثمارية والمشاريع الخدماتية كتاب مفتوح لنهضة تنموية شاملة في البحر والبر، وللشجر والحجر، في القاع والسماء والأعماق الغويطة.. واختيار عاصمة حضرموت موقعاً للاحتفاء بالعيد، خط مكتوب بحروف ذهبية بارزة على جدار الزمان والمكان يثبت التقدير والاهتمام بالتاريخ والحضارة.

الحديث عما تراه العين أو ترصده الذاكرة والمفكرة في محافظة حضرموت يجعلك تلهث للحاق بهذا المشروع هنا أو ذاك الطريق هناك .. الطرقات حكاية ورواية بحد ذاتها ومجلد إنجازات مستقل.. فالإسفلت الأسود أضاء قلوب وحياة ودروب ومرابع الناس، ووزع البهجة والسرور في نهار المحافظة المترامية الأطراف، ونشر أضواء الراحة والسكون والطمأنينة في لياليها الحالكات.. شبكة الطرقات تعجز عن أن تحكيها الكلمات .. توزعت في مختلف الاتجاهات وربطت المديريات والمحافظة بالمحافظات وطوت المسافات .. افترشت كبساط أسطورة من الساحل إلى الوادي، وتوغلت في تفاصيل ومفاصل المساحات السحيقة .. انبسطت من شواطئ البحر وعبرت رمال الأحقاف تسابق الفيافي والوديان والسهول والهضاب الفسيحة.. اخترقت خاصرة المرتفعات وقهرت القمم الشاهقة حتى وصلت إلى أماكن لا تصدق وقرى لم تكن في الفكر والحسبان.

خدمات الكهرباء والهاتف والمياة تدفقت كالأماني ودخلت إلى كل بيت في الحضر والأرياف، تسلقت أعلى المناطق وغاصت إلى أعمق وأبعد القرى النائية.. والمستشفيات والوحدات الصحية هطلت كغيث الصحة وهبت كنسيم العافية في كل الأنحاء من الريف والمدينة.

وازدادت المدارس وتكاثرت، وانتشر نور العلم في كل مكان، وغطت خطوط الطباشير البيضاء والملونة سواد لوحات الفصول بأشكال بديعة من المعرفة، ورفرفت العقول بجناحي الكتب والكراريس نحو الأماني الزاهرات بالأمل الدانيات بثمار المستقبل الأحلى لشباب اليوم جيل الغد الأجمل.

إعجاز قبل الإنجاز
ما يحدث في المكلا أقرب إلى الإعجاز قبل الإنجاز.. أعمال البناء والتشييد والشق والرصف والسفلتة والتشجير والتجميل والتجديد تتحدث عن نفسها.. وهمّة الرجال السمر تصنع أيام الربيع في عز الصيف وتزرع زهور الياسمين فوق أوراق الخريف.

هنا كل شيء اختلف وانقلب وتبدلت الصورة القديمة إلى لوحة من أبهى وأزهى وأبدع ما يكون.

المدينة لم تعد تلك المدينة بل شبت عن طوق أحيائها الثلاثة المعروفة (المكلا والشرج والديس)، وقفزت فوق شوارعها الصغيرة.. وتمردت على حصار البحر والجبل لتفرد جدائلها إلى البر الفسيح، وتلف ظفائرها حول الجبال.. امتدت مبانيها وتوسعت شوارعها وشقت الطرقات الدائرية والفرعية ووضعت المخططات الحضرية وأقيمت المجمعات السكنية وأصبحت الأحياء المتناثرة مدينة واحدة كبيرة ممتدة من بروم غرباً إلى الريان شرقاً.

لم تعد المكلا مدينة تتثاءب باسترخاء على ضفاف البحر في أحضان الجبل، بل أضحت عاصمة حقيقية لأكبر محافظة يمنية، وصارت تعج بالنشاط والحيوية والحراك التجاري والاستثماري والتنموي والسياحي، بمرافقها المطلوبة وخدماتها المتوفرة من مصارف واتصالات ومواصلات وفنادق ومطاعم ومتنزهات، وغزتها الحدائق والأشجار الظليلة بعد أن كان من النادر أن ترى شجرة في هذه المدينة ، ناهيك عن المشروعات الاستراتيجية العظيمة.

خور كـ (الدانوب)
(خور المكلا) .. هذا المشروع الهائل تلاحم فيه الجهد الرسمي والشعبي والاستثماري في عمل جبار يشبه الملحمة.

(خور المكلا) كان حلماً في الخيال فأضحى واقعاً يتحدى المحال.. راهن البعض على فشله وحاول آخرون تكسير مجاديف العزيمة وإحباط مناجل الإصرار، لكن (الصماصيم) الذين اقتنعوا بالمشروع مذ كان فكرة لم يفتحوا لليأس طريقاً إلى نفوسهم، بل صمموا وخططوا ونفذوا وقهروا الصعاب والظروف والوقت وعملوا ليل نهار حتى أصبح الحلم حقيقة ماثلة للعيان.

هذا المشروع العظيم كان وراء إنجازه في زمن قياسي، إرادة وهمّة وتصميم وعزيمة الرجال.. تصميم رئيس قائد لا يؤمن بالمستحيل ويقف خلف رجاله بالقرار والتمويل وبالحث والتشجيع والدعم والمتابعة.. وعزيمة محافظ نشط ويقظ ومتحمس لا يكل ولا يمل ويعشق التحدي.. وشركة منفذة كانت في مستوى الثقة والمسؤولية وإثبات الذات.. وعمال أفراد من محافظات مختلفة كل منهم يستحق جائزة ووساماً.

وإذا كانت هدايا القيادة السياسية لمحافظة حضرموت بمناسبة العيد الـ 15 للوحدة كثيرة، فإن (خور المكلا) هو الهدية الكبرى والأجمل التي غيرت وجه المدينة وجعلتها أزهى وأجمل وعروس عيد الأعياد.

اليوم أصبح للمكلا كورنيش وللمحضار فيها كورنيش وطريق دائري ومنصة وساحة عروض للاحتفالات وخور يذكرك بنهر الدانوب الذي يقسم العاصمة المجرية (بودابست) إلى نصفين، كل منهما أجمل من الآخر.

اليوم أصبحت المكلا مذهلة تملؤك بالدهشة والمتعة .. تحرجك بالأسئلة!! وتستحق أن تكون قبلة الزائرين والضيوف وأن تستضيف لوحة (أعراس الجذور) في 22 مايو 2005م والتي جاء فيها: «المكلا شارقة والأهل في صنعاء اليمن بالفرح مستبشرين عادت الفرحة وعمت يوم توحيد الوطن عوّد الله السنين.»

هلال العيد هلّ
ها هي حضرموت الباسلة.. أرض الخير والتاريخ والعلم والحضارة قد أصبحت واحة أمن واطمئنان وسكينة وتنمية واستثمار، وعادت الطيور المهاجرة تبني الأوطان.. وإذا كان الاحتفال في العاصمة المكلا فإن هلال العيد يبدو جلياً بالعين المجردة في سماء حضرموت كلها من الساحل إلى الوادي ومن الجزيرة إلى الصحراء،

وأهلاً بأعيادنا وكثر الله أفراحنا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى