الكيلومتر الذهبي .. ومن يحاسب من؟

> أحمد عمر بن فريد :

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
تعرّف عليّ عامل بسيط، يسوق عربة بيع مأكولات خفيفة في إحدى الساحات العامة، فأخرج لي شريطاً (كاسيت) لخطبة جمعة بصوت أحد أئمة المساجد في مدينة تعز، وطلب مني أن أستمع إلى الشريط ولسان حاله يقول: لا تعتقدوا بأننا عامة الشعب لا نفقه ولا نعلم ما الذي يحدث ويدور من حولنا !

في هذا الشريط الذي سمعته، كان الخطيب يتحدث عن الفساد بمفهومه الإسلامي، وتذكرت أنني قرأت خبراً من قبل يفيد بأن هذه الخطبة تحديداً قد أدت إلى اعتقال الإمام فور خروجه من المسجد، وكان هذا الخبر قد نشرته جريدة «الأيام» قبل أشهر قليلة.

اللافت للانتباه في هذا الشريط، يتعلق بحكاية رواها الخطيب، مستشهداً بها على ما بلغه الفساد في بلادنا من (تعملق) وهي حكاية كيلومتر واحد فقط من الإسفلت، قال إن كلفته النهائية بلغت (350) مليون ريال يمني، في حين وطبقا لرواية الخطيب، أن الكيلومتر الواحد لا تتجاوز تكلفته الفعلية (20) مليون ريال، أي أن الفرق بين الرقمين هو (330) مليون ريال، وهو رقم مخيف يبدو أنه قد تسرب بفعل الفساد من خزينة الدولة، التي هي مال الشعب العام، إلى جيوب الفاسدين والمفسدين، أي أنهم بهذه (الخبطة) الكبيرة، سطروا قصة من حقها أن تسجل في كتاب الأرقام القياسية الشهير (غينيس) تحت فصل (أغلى كيلومتر اسفلتي في العالم) .. لأنني لا أعتقد أن هناك كيلومترا واحدا من الإسفلت على وجه الأرض يمكن أن يكون أكثر كلفة من كيلومترنا اليمني هذا.

هذا الكيلومتر، استحق من أحد النواب أن يصفه بأنه الكيلومتر الذي ستهبط عليه مراكب الفضاء مستقبلاً، حينما سيكون لبلادنا في هذا المجال شأن عظيم يسمح لها بهبوط مركبات يمنية قادمة من الفضاء الخارجي، لأن هذا الكيلومتر العجيب يبدو أنه بمواصفات خاصة صممت من أجل هبوط وسير مركبات الفضاء وليس المركبات والسيارات العادية.

لا أدري لماذا تذكرت هذه الحكاية العجيبة وأنا أستمع إلى أحد الأصدقاء الأعزاء وهو يروي لي أنه قد سأل دولة رئيس الوزراء في بلادنا عن حكاية الظلم الذي وقع على أخينا الشيخ أحمد الصريمة.. وأسبابها؟ وما يمكن أن يعكسه هذا الظلم من نتائج سلبية على سمعة الاستثمار في اليمن.

إلاّ أن دولة السيد رئيس الوزراء أخبره أن الصريمة لم يُظلم من أحد! وطلب منه أن يذهب بنفسه ليشاهد ما خلفته الأمطار والسيول من خراب في الطريق الاسفلتي الذي نفذته شركة (خط الصحراء) التابعة للصريمة في محافظة المحويت.. وعليه بعد ذلك - طبقاً لقول باجمال - أن يحكم بنفسه ويقرر من ظلم من !

حسناً.. نود أن نوضح للحقيقة فقط، أن عملية التهرب، أو الامتناع بمعنى أصح، من دفع المستحقات المالية للصريمة، قد حدثت قبل أن تهطل قطرة مطر واحدة على محافظة المحويت والطريق المنفذ فيها، أي أن الظلم قد سبق المطر الذي استُغل ليكون عذراً لتبرير الفعل (المبيت) للابتزاز المالي الواضح والفاضح.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنني أجزم أن الصريمة، حرصاً منه على سمعة شركته ومكانتها، لن يقبل مطلقاً أن ينفذ أي عمل لا تنطبق عليه المواصفات والمقاييس الدولية، ناهيك عن المقاييس اليمنية التي نفذ بها الكيلومتر الذهبي! وأجزم أيضاً أنه سيقبل بتقرير لجنة فنية محايدة (من خارج اليمن) لتقييم عمله المنفذ في المحويت، شريطة أن تقبل الحكومة تنفيذ التزاماتها المالية تجاهه بعد ذلك، التي تتهرب منها تحت ذرائع المطر ونتائجه.

أما الكيلومتر الذهبي، فإننا لا نرجو من أحد أن يقدم لنا لا تقريراً ولا تبريراً عن كلفته الباهظة، ولا عن الشركة التي قامت بتنفيذه مباشرة أو بالباطن، ولا على من تقع المسؤولية الكاملة أو الجزئية في استكمال إنشائه في هذه المرحلة المبكرة التي سبقت دخولنا مجال علوم الفضاء.. مع عدم علمنا حتى اللحظة عن حالته الفنية بعد هطول الأمطار عليه.

نقول هذا .. مع بالغ اعتذارنا لشاعر العراق الكبير المرحوم بدر شاكر السياب، صاحب (أنشودة المطر).. لأننا في زمن استخدم فيه حتى المطر لتبرير الفساد والسكوت عليه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى