مع الأيــام...سلطة محلية ولكن بمحاربين قدامى

> علي الجبولي :

> كثير من السلوكيات والتصرفات التي تحدث في هذا الوطن تثير حيرة واستغراب العقل البشري السليم، غير أن تفكيرنا يبدو أنه يختلف عن تفكير الأمم الأخرى، حتى جعلنا نقبل ما يأنفه الآخرون رغم علمنا بتعارضه مع العقل والمنطق وخطره على مجمل مناحي حياتنا.

أثناء تسطير هذا المقال تذكرت حكايةً حدثت على الواقع منذ عقود أثارت ضحك الآخرين وتعجبهم من خطل تفكيرنا، فقد نظم موظفو القطاع الحكومي في جنوب الوطن في مطلع سبعينات القرن الماضي مظاهرات حاشدة وهم يرددون (تخفيض الرواتب واجب)، وحينما سأل سفير إحدى الدول الأجنبية بعدن عن مطالب المتظاهرين، قيل له أنهم يطالبون بتخفيض رواتبهم. ضحك السفير من ذلك التصرف المعوج وقال:

«عندنا يتظاهر الموظفون للمطالبة بزيادة رواتبهم، أو إذا خفضت منها فلسات، وعندكم يتظاهرون لعدة أيام مطالبين بتخفيض رواتبهم الضئيلة أصلاً، شيء غريب ومحير للعقل! إما أن يكون هؤلاء مجانين، أو أنا مجنون».

المنطق المعوج لهذه الحكاية لا يختلف عما يحدث اليوم من تصرفات عجيبة ومحيرة للعقل، أغربها تعطيل القانون ومخالفة نصوصه. المشروعون يبذلون جهوداً مضنىة لوضع القوانين المنظمة لحياة المجتمع حتى تصدر في صورة متكاملة، قادرة على تنظيم مختلف جوانب الحياة، بيد أن هناك من يعمل عمداً على تعطيلها بعد صدورها، في حين يدرك الجميع أضرار تعطيل القانون، وما يترتب على ذلك من آثار خطيرة، في مقدمتها توفير مستنقعات توالد وانتشار الفساد، وتعطيل مبدأ العدل والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين. فهذا قانون السلطة المحلية رقم (4) لعام 2000م، قد حدد كثيراً من الشروط والمعايير التي ينبغي توفرها في من يشغل منصب مدير عام مديرية أهمها: الكفاءة، المؤهل الجامعي، وأن يكون عاملاً في الجهار الإداري للدولة، غير أن ما يحدث على أرض الواقع يكشف صورة فاضحة لتعطيل قانون السلطة المحلية، مثله مثل كثير من القوانين الأخري، إذ نجد أن أغلب مديري عموم المديريات (الوحدات الإدارية) ضباط عسكريون يعينون من جيوش وأسلحة مختلفة، يفتقرون لأدنى الشروط والمعايير التي اشترطها القانون.

مدير عام المديرية بحكم منصبه هو رئيس المجلس المحلي، يناط به إدارة كافة شؤون أجهزتها التنفيذية ومجلسها المحلي، وتنفيذ القوانين والسياسة العامة للدولة. مهام كبيرة لمن أراد العمل بصدق للنهوض بأوضاع الوحدة الإدارية تتطلب امتلاكه المقدرات الإدارية والمعارف القانونية والخبرات المالية والاقتصادية .. الخ.

فهل هذه المهام الكبيرة يستطيع أن يقوم بها قدامى المحاربين الذين تعينهم السلطة التنفيذية تحت تصنيفات لا تمت بصلة للإدارة والتنمية وأهداف السلطة المحلية وإنما بمبررات خلط النضال والثورية بالإدارة والتنمية؟ فهذا (قائمقام) من الجيش (البراني) قارع الملكية، وذاك (كولونيل) من (الليوي) حارب الاستعمار، وآخر من حرس الحدود أحبط تسللات المخربين بين شمال الوطن وجنوبه، ورابع ناطح الانفصاليين.

كثيرون غيرهم من المليشيا، المضلات، الاستخبارات، الاستطلاع، أمن الدولة، الأمن الوطني، الحرس الجمهوري، الصاعقة والمغاوير، حشد من الرتب العسكرية تتولى إدارة المديريات، وأكثر ما يبعث على الشفقة والرثاء أن معظم هؤلاء المحاربين القدامى عجزة، قد شاخوا وهرموا وأسلمتهم المنون إلى انقطاع، في حين يزخر الوطن بالكفاءات الشابة ذات المعارف الثقافية والمؤهلات والخبرات الإدارية الحديثة، وبالطاقات الشابة من حملة المؤهلات الأكاديمية العالية، بدءا من البكالوريوس وانتهاءً بالدكتوراه، وفي أحدث تخصصات علوم الكمبيوتر والقانون والهندسة والإدارة.

طاقات شابة تهمش، وكفاءات خلاقة تعطل دون مبرر سوى التمييز الحزبي والمناطقي والقبلي، والغياب الخطير لمبدأ تكافؤ الفرص.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى