المؤتمر التاسع للأدباء اليمنيين.. تحديات ومواقف

> د. هشام محسن السقاف :

>
د. هشام محسن السقاف
د. هشام محسن السقاف
سيرورةٌ واعتيادٌ على إيقاع العادة حين تنعقد مؤتمرات اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، أم خروجُ على المألوف ورقصٌ على حبال الموت وتقحمٌ لمخاضات الغد، ليأتي الوليد نقياً على السليقة، يمتّ بصلات الرحم لإرث الاتحاد المقاوم زمن التشطير والتكفير والتنفير حيث لا صوت يعلو على صوت الجاثمين فوق رقاب الشعب شمالاً وجنوباً، فكان التحدي الأكبر.. اتحاداً يصنعه خيرة الرجال ممن أنجبت الأرض اليمنية .. عمر الجاوي، عبدالله البردوني، عبدالله فاضل فارع، القرشي عبدالرحيم سلام، عقيل الأرياني، الربادي، عبدالرحمن عبدالله إبراهيم، يوسف الشحاري، دماج والشرفي .. إلخ هؤلاء وهؤلاء استطاعوا في زمن عفاريت الإنس صنع التحدي الأكبر وتطويع الصعب وضرب المستحيل ضربة معلم ليظهر على نواصي الوطن وفي متنه وهوامشه اتحادهم غير الخاضع لمشيئة الحكام التشطيرين هنا وهناك، والمتمرد على معطياتهم المراهقة يساراً في الجنوب والموغلة يميناً في الشمال، وليكون الاتحاد مثال الالتزام الوطني، وإن حاول هؤلاء وأولئك دس بعض مأجوريهم من الكتبة لإحراز سبق في اقتحام القلعة من داخلها لكنهم يفشلون عند أول مواجهة حقيقية مع أسد الاتحاد وحامي عرينه عمر عبدالله الجاوي.

فشلت جميع الفئران من داخل العرين وخارجه أن تعلق الجرس في عنق عمر، واستطاع هذا الرجل بقوته المستمدة من قوة الاتحاد وقوة زملائه ومحبيه أن يحرك المياه الآسنة ويدفع بخطى الحاكمين دفعاً نحو متطلبات الوطن واحتياجاته، بعيداً عن نزق النفخ في طبول الحرب، التي كلما أوقدوا لها ناراً سارع (عمر/ الاتحاد) في إطفاء أوارها، ليثوب الجميع إلى أولويات السلم الاجتماعي والحوار العقلاني، الذي أفضى بعد جهد وتعب ومعاناة إلى إعادة تحقيق وحدة الوطن بصورة سليمة وعلى أسس ديمقراطية.

كان الاتحاد قبل الوحدة يحمل مشاعل النور في مسالك الوطن المشطر، يناضل سياسياً من منطلقاته المعروفة، التي تضع خيار الوحدة اليمنية مهمة تهون أمامها التضحيات. وعلى مشقة أن يقارع الأدباء مجردين من كل الأسلحة إلا إرادتهم وأقلامهم بله وألسنتهم ورصيدهم الوطني النقي، نظامين سياسيين من أنظمة الاستبداد، وإحرازهم نجاحات جمة تكللت بدفع النظامين القائمين إلى اختيار طريق الوحدة اليمنية، إلا أن الاتحاد وعلى طول عقدين من الزمن لم ينس مهامه في رعاية وتشجيع المبدعين، وكانت مجلة «الحكمة» حاضنا لتفتح ملكات الموهوبين شعراً ونثراً، بل كانت الفترة من أخصب فترات التجلي الإبداعي بشهادة بروز كوكبة من أدباء السبعينيات والثمانينات، قبل أن ينبهر (الاتحاديون) بفعل التوحد الكبير في مطلع التسعينيات، وتصاب القيادة الجديدة للاتحاد بعد ترك الكبار المجربين المجال للجيل الآخر لكي يضطلع بواجباته الأدبية والوطنية، بعد أن قاد سفينة الاتحاد المؤسسون في لجج متلاطمة حتى وصلت إلى بر الأمان بلحظة التوحد الوطني في مايو 1990م.

واذا كانت المعاودة على صيغ أخرى تنبع من حقائق الوضع اليمني الجديد بعد الوحدة والأوضاع العالمية المتغيرة، سمة للاتحاد بناشئة تكونه الجديد بعد الوحدة، تدور بين البروز والخفوت والخروج من مأزق القيادة التاريخية للاتحاد، فإن المقروء - ورغم الإقرار ببعض مظاهر التجلي الحسن إبداعياً- تراجع في الدور الذي كان ينبغي أن يتعاطاه الاتحاد وطنياً على دروب الديمقراطة والدفاع عن حق المبدعين إجمالا وأعضائه على وجه التحديد، وانتزاع هذه الحقوق من الأفواه المفترسة دون وجل بدلاً من أن يتحول دوره إلى هيئة تبث برقيات التعازي كلما حلت المنية بأحد أعضاء الاتحاد.

إن إرث الاتحاد مشفوعاً بعمل جديد مواز يشبه ذلك الدور التأسيسي الذي أرساه الاتحاديون الأوائل في حياتنا رغم صعوبة الحياة السياسية في لحظات التكوين وإلى اليوم الذي توحدت فيه البلاد، كفيل بوضع الاتحاد اليوم في مكانته الأسمى والأمثل، أما دون ذلك فإن هناك من التعابير الثقافية والأدبية العدد الكبير الذي أفرزته مناخات السماح الديمقراطي بعد الوحدة، وسوف تأخذ هذه أو تلك شيئاً أو كل ألق الاتحاد السابق، إلا أن يكون المؤتمر التاسع منعطفاً جذرياً يحدد بشجاعة معطيات التألق المأمول من خلال قيادات شابة قادرة على العطاء واتخاذ القرارات الكفيلة بترجيح كفة الاتحاد إبداعياً ووطنياً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى