شـــارح (مــا بقــى)

> محمد عبدالله الموس :

> الشارح، هو ذاك الذي يتولى حماية المحصول حتى موعد الحصاد، ويواجه الشارح بصورة أساسية (الطيور على أشكالها) والمواشي المتطفلة وبعض حيوانات البرية، و(شارح ما بقى) هو ذاك الذي لا يحتاط حين يرى الطيور تحوم في سماء محصوله أو المواشي المتطفلة تتربص في الأحراش المجاورة، فحين تبدأ في الاندفاع باتجاه المحصول تكون ردات فعله (بلهاء)، حجر هنا وصوت هناك، لكنها لا تمنع هذه ولا تلك من تحقيق مآربها في اختطاف ما تيسر من المحصول.

للشارح نصيب في تراثنا الغنائي، وغالباً انه في هذا التراث (رمز) للمسؤولية وكفاءته تنعكس في وفرة المحصول:

شراحي سمعوا الأوظاف(1)

با أعطي (شراحه)(2) لا توكنوني

وإلا تركتوا الطين باجيب شراح
ويقول القمندان أيضاً:

طرح شارح وعادة زاد عفّى(3)

ومن أقدم على ذا الغصن ويله

ويستعطف الشاعر الفنان محمد محسن عطروش الشارح:

بالله اعطني من دهلك سبولة يا شارح

ليّه سنة ما ذقت الجهوش

ليه سنة ما شفت الحبايب

وانا في الرميلة وخلي في الفيوش

على أن الشاعر الاسطورة حسين المحضار (رحمة الله عليه) لا يرى حاجة للشارح عندما يشبع كل من ينتمي إلى الوطن في (حوله) الذي (سومه الجبل):

لا تلقي لها سوم(4)

قدها سومها الجبل

لا ما هي من اليوم

تلقي من زمن عمل

من جاء منها أكل

الشيبان والسقل(5)

الغربان والعول

لا قد قال يا حول

ونحن نحتفل بالذكرى الـ 15 للوحدة فجعنا بأخبار انتشار شلل الأطفال، وخروج حمى الضنك عن نقطة انطلاقها، ونزوح للسكان في بعض مناطق الوطن بسبب الجفاف، وليس كثيراً على ذكرى (22) مايو الاحتفال، فهي محطة في حياتنا جديرة بالاحتفاء، لكن أن نعالج مريضاً أو نسقي عطشان أو نطعم جائعاً أسبق على الحج، ناهيك عن الاحتفال، ولا نقلل من شأن ما شهدته المكلا كجزء أصيل وعزيز من هذا الوطن، فكل لبنة تبنى في أي ركن من وطننا هي ملك لنا، وكل شمعة تضاء في أي زاوية فيه هي نور لنا، لكن الأهم قبل المهم، وقد نفقد احترام الآخرين لنا ونحن ننفق ببذخ على البهرجة والتلميع، وهناك من لا يجد ماءً يروي عطشه، أو دواءً يشفي مرضـه أو سريراً يرمي جسده العليل عليه.

(شارح ما بقى) وصف (يحاكي) إلى حد بعيد ردود فعل حكومتنا تجاه المصائب التي تحل علينا، فالتاريخ السيء مع اللقاحات في بلادنا غني بما يكفي للاتعاظ والاحتياط بشكل كاف، وحمى الضنك كان ينبغي أن تؤسس آلية لمواجهتها متخصصة ومتكاملة من الطبيب إلى الفني إلى المختبر إلى اللقاح (إن وجد) أو العلاج اللازم، بحيث تحاصر في مهدها قبل الانتشار. يجب أن تكون لنا سياسات ونهج ثابت ومقدس لكل شيء في حياتنا يساعد على إحداث التراكم اللازم للنمو ويمنع العشوائية أو الارتجال، فليس من المعقول أن نواجه الأشياء على طريقة (الإطفائي) الذي يتحرك بعد اشتعال النار أو الشارح الذي يشرح ما بقي من المحصول.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن نتائج الإصلاحات السعرية كانت متوقعة بما فيها تآكل القدرة الشرائية لدخل الناس بسبب التضخم، وكان ينبغي أن تصاحبها معالجات تساعد على تحمل شدة وقع هذا التضخم على دماغ المستهلك، لكن وعلى طريقة (شارح ما بقى) بشّرونا باستراتيجية لإصلاح الأجور تؤدي إلى رفع القدرة الشرائية للناس بزيادة الأجور لمن بقي له أجر، لكننا لا ندري أي جيل يجني ثمار هذه الاستراتيجية، فجيل الغد من الأطفال يعصف بهم الشلل وضنك الحمى، وجيل اليوم تعصف بهم البطالة وضنك العيش.

نردد نحن في اليمن المثل العامي (حمار مات بكراه) ويقول إخوتنا أهل مصر (موت يا حمار).

1- الأوظاف: جمع وظف وهو (المقلاع).

2- شراحه: أجرة الشارح.

3- عفّى: مسح الأرض بصورة تكشف آثار أقدام المتسلل.

4- سوم: حاجز ترابي يحيط الحقل.

5- السقل: الصغار من بني الإنسان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى