ماذا تبقى؟

> سالم العبد :

> هل يأتي على الكاتب زمن تغلب عليه فيه الكآبة والحزن المغمس بالمرارة، واليأس من حدوث أي تغيير يحمل في طياته ولو نزراً يسيراً من النصاعة والصدق والجمال السلوكي الذي يتوخى الغايات الإنسانية النبيلة؟ هل تتمرد الحروف والكلمات وتحرر الأفكار وينكفئ المرء على نفسه، لأن طوفان الفساد صار أطغى وأعمّ يكتسح في طريقه المعمّد بالتشريع غير المكتوب والفاعل البديل للنظامي والقانوني كل من يقف أمام اجتياحه البربري الغاشم؟

فعلاً يكاد الإنسان المسكون بهم الكتابة أن يصل إلى هذه النتيجة - الحالة - السلبية المقيتة، ولكن حينما يثوب الحصيف إلى رشده - المستهدف - ويعرف أن هذا هو مبتغى وغاية رعاة الفساد وسدنته المبطنين بالقطران الكثيف مهما لمعوا ظاهرهم المزيف، حينها لا يجد مناصاً من التشبث بقلمه لكشف عوراتهم الشائبة، ارتهاناً لحكمة صحيفة «الأيام» الغراء في عددها ليوم 1 يونيو: «القلم بيد الطالب، كالسيف بيد المحارب»، وعليه فإننا في هذه العجالة سنقدم نموذجاً يعتبر أحد تجليات الفلتان المريع والفساد الجائح دون رقيب أو حسيب، حتى طال أهم مؤسسة من مؤسسات المجتمع وهي المدرسة، ولا سيما التعليم الأساسي.. خصوصاً المدارس الأهلية التي أضحت ظاهرة في مجتمعنا تتم بالاستثمار والربحية على حساب تعليم الأجيال وإعدادها لمهمات المستقبل وتحدياته الصعبة. وحتى لانقع في شرك التعميم فإننا سنقدم بعض المؤشرات والشواهد المعرقلة والمعطلة لأهداف ووظائف المدارس الأهلية التي انتشرت في السنوات الأخيرة استغلالاً لأوضاع المدارس الحكومية المتردية حد الرثاء.. مدارس الفلاح النموذجية مثلاً، وقد تأسست في مدينة المكلا قبل حوالي خمس سنوات في حي بديري في عمارة عادية صممت كشقق سكنية، ثم انتقلت إلى فوه مقابل رئاسة جامعة حضرموت، حيث توسعت إلى عمارتين خصصت إحداهما للبنات شرعاً كما يبررون.

لقد لمس وعايش أولياء أمور الطلبة في هذه المدرسة التي اتخذت لها اسماً محدداً بداية تأسيسها، فيما بعد العديد من الاختلالات والإرباكات التي تفتقد أبسط قواعد الإدارة، وربما غياب الإشراف من الجهات المختصة لا سيما الإدارة العامة للتربية، مما شجعها على التمادي والاستهتار بكل قواعد ونظم ووظائف وأهداف التربية والتعليم، فقد ضاق الأهالي ذرعاً بهذه الاختلالات المريعة التي تنعكس على أبنائهم الذين يدفعون رسوماً باهظة عنهم لهذه المدرسة، وكان حالهم كالمستجير من الرمضاء بالنار، أو كما يقول الحضارمة «صاح من أبوه جاء حامل جده».. عندها تقدم عدد منهم بشكاوى الى النيابة، التي كان ردهما متعقلاً بمعنى أننا يجب أن لانتعجل في الحكم والإضرار بسمعة المدرسة التي كان مديرها يروج بمناسبة وغير مناسبة بأنها مدرسة خيرية وكافلة للأيتام، بمنح هذه الصفات والنعوت الرفيعة ولكن المجافية للواقع.. وكشاهد حي نورده على ذلك أن مدير المدرسة وعد أسرة فقيرة تسكن في الأربعين شقة، جدودهم من آل عُبّد، باستعارة ملابس جديدة ليقوم بتصويرهم وإرسال الصور إلى أهل الخير ليحصلوا على ملابس عيد جديدة، بناءً على هبات أهل الخير في الخارج. ومر العيد وتلته أعياد دون يشاهدوا المدير بذقنه الورعة وقميصه الأبيض الذي لا يتجاوز أسفل ركبتيه، ثم توالت الأحداث ساخنة، عندما أعلن أصحاب الحافلات التي تقل الطلبة من أحياء المدينة المتناثرة والبعيدة إضرابهم، لأن المدير حجب عنهم مستحقاتهم كأجور، مع أن أولياء الأمور استوفوا دفع الرسوم كاملة، بما فيها أجور نقل أبنائهم. ثم لحق بهم المدرسون الذين لم يستلموا رواتبهم لأشهر. عندها وبعد أن توقفت الدراسة دون إكمال المنهج، تدخلت إدارة التربية ممثلة برئيس قسم التعليم الأهلي والخاص بمديرية المكلا الاستاذ القدير طالب حميد بن طالب، الذي توصل إلى وضع محضر اتفاق، اتضح فيه أن هناك مديراً آخر غير المدير المعروف للمدرسة، الذي بدوره عين زوجته مديرة لمدرسة البنات!! وأن هذا المدير عبارة عن مستثمر لوحده أو مشاركة مع غيره، على خلاف ما يروج في الخطابات المرفقة التي تقدم المدرسة بموجبها تحت عناوين متباينة منها:

1- كما ورد في محضر ممثل التربية والتعليم «مدارس الفلاح الأهلية».

2- كما هو مطبوع في اكليشة أوراق مراسلة المدرسة «مدارس الفلاح النموذجية الأهلية».

3- كما ورد في رسالة من أوراق مراسلة المدرسة - اكليشة- موجهة الى المحافظ تطلب منه دعماً مالياً لكفالة الأيتام، وهذه المرة اسمها مضاف إليه الخيرية، بحسب ما تتطلبه الحال «مدارس الفلاح النموذجية الخيرية» وبحسب الرسالة هناك طلب إلى المحافظ بكفالة 200 مائتي طالب، علماً أن كفالة الطالب اليتيم تبلغ 45000 خمسة وأربعين ألف ريال، وتشمل حسب ادعائه، رسوم تسجيل+ الرسوم الدراسية+ المواصلات + العلاج+ الرحلات + هدايا + مصروف جيب+ أضحية عيد + إفطار صائم + كسوة عيد وحقيبة مدرسية.

وبعد.. إذا وصل الفساد حد الاستهتار بقيم التعليم وتربية النشء، ماذا تبقى للمجتمع حتى يواصل صمته وسلبيته اللذين لا يقرهما لاشرع ودين ولا أخلاق ولا اعتبارات المسؤولية الاجتماعية، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات؟ ماذا تبقى من دم الحياة في عروق الناس؟ لنتمسك بالأمل وندحر اليأس، ونزدد التصاقاً بالحرف الصادق والمسؤول، لنشنها حرباً شعواء على بؤر الفساد؟ ماذا بالله عليكم أغلى من أبنائنا ومن حملة المسؤوليات في مستقبلنا الذي نريده وضيئاًَ وجميلاً وخالياً من مثل هذه الآفات؟ ماذا تبقى؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى