أيــام الأيــام...عضو في مجلس النواب يساوي درجة وزير مدى الحياة

> محمد عبدالله باشراحيل:

>
محمد عبدالله باشراحيل
محمد عبدالله باشراحيل
اقشعرّ بدني وتبللت ملابسي من العرق الذي أفرزته خلايا جسمي، ليس بسبب ارتفاع درجة حرارة الصيف في مدينة عدن الجميلة، ولكن من الصدمة الأولى التي صُعقتُ بها عند قراءتي المادة (34) من مشروع قانون الوظائف والأجور والمرتبات، التي نصت على «تصنف وظيفة عضو مجلس النواب بمستوى عضو مجلس الوزراء، ويمنح عضو مجلس النواب بعد انتهاء عضويته بالمجلس راتب وبدلات ومزايا الوزير الذي ترك الوزارة، وتصرف هذه المستحقات ابتداءً من الشهر التالي لنهاية عضويته»، ودارت في ذاكرتي عدة استفسارات كمواطن له اهتمامات بالشأن الاقتصادي في بلده، ومن تلك الاستفسارات هل سيسري مفعول هذه المادة بأثر رجعي على أعضاء مجلس النواب كافة منذ قيام الوحدة وحتى يومنا هذا؟.. وكم سيكون مجموعهم؟ وماذا سيترتب على ذلك؟

وبعملية حسابية بسيطة، نجد أن عدد من كانوا أعضاء في مجلس النواب والمجلس الاستشاري عند قيام الوحدة، وحتى 27/4/1993م بلغ حوالي (300)، تلا ذلك ثلاثة انتخابات لمجلس النواب المكون من (301) نائب، فيكون مجموع عدد أعضاء مجلس النواب والمجلس الاستشاري حتى وقتنا الراهن حوالي (1200) بدرجة وزير ونائب لرئيس الوزراء، وحتى إذا استثنينا الأسماء المكررة، فإن عدد من هم بدرجة وزير من النواب فقط، سوف لن يقل عن (1000) نائب. وفي هذه الحالة سوف تتحمل ميزانية الدولة سنوياً مرتباتهم وبدلاتهم ومزايا الوزراء الأخرى زائد مستحقات النواب السابقين، التي تبدأ من الشهر التالي لانتهاء عضويتهم في المجلس، كما نصت عليه آخر فقرة من المادة المشار لها أعلاه وهي: «أن تصرف هذه المستحقات من الشهر التالي لنهاية عضويته».. أم أن القانون سيسري مفعوله على أعضاء مجلس النواب الحالي والمجالس القادمة فقط؟.. وفي هذه الحالة سيثير أعضاء مجلس النواب السابقون أو معظمهم استفسارات، منها: لماذا اقتصر تطبيق نص هذه المادة على أعضاء مجلس النواب الحالي فقط؟

والبعض منهم قد يضيف سؤالاً آخر.. ألأن معظم الأعضاء من الحزب الحاكم، وهي فرصة سانحة لمنح أعضاء الحزب الحاكم درجة وزير؟.. وأسئلة كثيرة وغريبة ومستهجنة ستطرح. وأياً كان الرد، دعونا نتصور كم سيكون مجمل عدد من هم بدرجة وزير في أي من الحالات المذكورة، إذا أدرجت هذه المادة ضمن القانون بعد الموافقة عليه، فلدينا عدد أعضاء مجلس النواب وأعضاء المجلس الاستشاري زائداً عدد الوزراء الحاليين والسابقين ومن في حكمهم، فمن المؤكد سيصل العدد إلى رقم لا تتحمله اقتصاديات دولة تعتبر من أفقر الدول في غرب آسيا وأفقر دولة في الجزيرة العربية، هذه الدولة التي تعاني عجزاً في ميزانيتها، وعجزاً في الميزان التجاري، وعجزاً في ميزان المدفوعات، وعجزاً في تخفيف حالة الفقر لا القضاء عليه، وعجزاً في تحسين معيشة المواطن، وعجزاً في كبح التضخم أو ارتفاع الأسعار، وعجزاً في تخفيض معدل البطالة، وعجزاً في القضاء على الفساد، وعجزاً .. وعجزاً. فنحن في دولة العجز، ومع كل ذلك يتم تبني سياسات خاطئة تزيد الحالة الاقتصادية والاجتماعية تردياً ومعاناةً وفقراً، ممثلة في الإنفاق الحكومي الكبير على المظاهر والترف وزيادة الوزارات والوزراء، بدلاً من تبني سياسات صائبة للقضاء على الفساد، وإنقاذ البلاد من الأوضاع السيئة التي تعيشها وترشيد الإنفاق. وقد طالبنا مجلس النواب يوم الثلاثاء الماضي، ومن على منبر صحيفة «الأيام» في عددها (4513) بإلغاء المادة (34) من مشروع قانون الوظائف والأجور، التي تمنح عضو مجلس النواب درجة وزير مدى الحياة. الجدير بالإشارة أنه في كثير من البلدان التي تضع سياسات لترشيد النفقات الحكومية، تكون في مقدمتها تخفيض عدد الوزارات، ومن ثم تخفيض عدد الوزراء وليس زيادتهم.

وواجهتني الصدمة الثانية عند قراءتي رأي لجنة القوى العاملة والشؤون الاجتماعية في تقريرها المقدم إلى مجلس النواب بشأن مشروعي الاستراتيجية وقانون نظام الوظائف والأجور والمرتبات، والذي يتلخص في توصيتين: أولاهما الطلب من مجلس النواب الموافقة على مشروع القانون، وثانيتهما إلزام الحكومة بإعادة صياغة الاستراتيجية وباعتبارها جزءاً من القانون.

وفي رأينا المتواضع، ما دامت الاستراتيجية اعتبرت جزءاً من القانون، فإن نصها الكامل بعد إعادة صياغته يفترض أن يعرض على مجلس النواب كونه الجهة الوحيدة المشرعة للقوانين، ولا يجوز أن تُعاد صياغة نص الاستراتيجية من قبل الحكومة والعمل به مباشرة دون اطلاع المجلس وموافقته المسبقة عليه، فذلك يعتبر تجاوزاً دستورياً.

أما الصدمة الثالثة فتتمثل فيما طرحه مشروع القانون بشأن المتقاعدين، واقتصار زيادة المعاشات التقاعدية على من هم دون مستوى الحد الأدنى للأجور فقط، أما المتقاعدون الذين تزيد معاشاتهم عن الحد الأدنى للأجور فتجرى دراسة أوضاعهم خلال فترة تنفيذ الاستراتيجية، التي مدتها ست سنوات. وملاحظتنا حول هذا الموضوع أن المعاشات دون الحد الأدنى للأجور غير متساوية، وعليه ستكون الزيادات المبنية على هذا الأساس متباينة وغير متناسبة وغير عادلة، فلو افترضنا مثلاً أن الحد الأدنى للأجور كان 15000 ريال، ولدينا ثلاثة متقاعدين معاشاتهم الحالية 8000 ريال و10000 ريال و14000 ريال على التوالي، فسيصبح معاش كل واحد من الثلاثة 15000 ريال، وهذا ليس من العدل، فالأول حصل على زيادة 7000 ريال، والثاني حصل على زيادة 5000 ريال، بينما الثالث حصل على زيادة 1000 ريال فقط، الأمر الذي يجعلنا نستنتج أن طريقة النسب ربما تكون أكثر فائدة وأقل ضرراً.

ثم لماذا تؤجل زيادة معاشات المتقاعدين لمن هم فوق الحد الأدنى للأجور؟ ألا يعتبر هذا ظلماً فادحاً؟

والخلاصة: إن زيادة عدد الوزراء أو من في درجة الوزراء ليست من أولويات التنمية الوطنية ولا أحد مؤشراتها، ولا تتماشى مع برنامج الإصلاح المطروح بل تتناقض معه، وليس هذا وقتها، وننصح أن يتم الاهتمام والتركيز على القضايا المهمة وذات الأولوية، التي تعنى بحياة الناس وتحسين مستوى معيشتهم، لأن إهمال تلك القضايا سوف يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها.

mabashrahil@ hotmail.com

رئيس قسم الإحصاءات الاقتصادية

وكبير خبراء سابق في منظمة الأسكوا - الأمم المتحدة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى