فضائح الحديد قصة الحاوية المحملة ببقايا قذائف الدبابات والمدفعية القادمة من اليمن التي استنفرت سلطة دبي..شاب يمني يعثر على مدفع أثري نادر كاد أن يشحن (حديد خردة)

> «الأيام» علي محمد يحيى :

>
المدفع الاثري
المدفع الاثري
في صيف عام 2000م كما أتذكر، جلجلت في سماء إمارة دبي بدولة الإمارات فضيحة مروعة لم تكن في حسبان تجار الحديد الخردة في الإمارة، عندما فتح أحدهم حاوية الحديد الخردة القادمة من اليمن فعثر بداخلها على عدد من قذائف الدبابات وذخائر مدفعية مختلفة بين أنواع أخرى من قطع الحديد.. وما هي إلاّ لحظات معدودات من حين بلاغه إلى الجهات المختصة، حتى تحولت المنطقة إلى شيء من الخوف وحالة من الاستنفار، وأفراد من مختلف تلك الجهات لمعالجة تلك الحالة الطارئة التي لم تكن بالحسبان.. قذائف حية وغيرها من وسائل الدمار ضمن (خلطة) من الحديد الخردة المتنوعة المصدرة إلى دبي، مركز تجميع الحديد من شتى دول الجوار والجزيرة العربية ليعاد شحنها إلى مصانع الحديد والصلب في دول العالم الصناعية. ولم تهدأ المسألة إلا بعد أن تأكدوا أن ما كان بين تلك الشحنة من هذه الممنوعات الخطرة للغاية إنما كانت من مخلفات الحرب الأخيرة في اليمن، وأن حشرها في هذه الحاوية إنما كان من قبيل الجشع والطمع في زيادة وزن الخردة من قبل المصدرين اليمنيين، وأن ليس هناك من هدف تآمري على أمن وإستقرار تلك البلاد. ولكن ظل الشك والريبة قائمين في فحص كل ما يصل من حديد الخردة القادم من اليمن بعد ذلك.

وفي السنتين الماضيتين حدثت في معظم مناطق اليمن بعض حوادث وفاة وإصابات للمارة كما هو الحال في تلف بعض السيارات التي كان حظها العاثر يوقعها فوق فوهات البالوعات، بعد أن سرق العابثون أغطيتها الحديدية الثقيلة لصالح تجار الخردة، الذين دون وازع من ضمير، يتلفونها بتقطيعها إلى أجزاء ثم يصدرونها ضمن حديد الخردة إلى خارج البلاد، فكانت أزمة حقيقية على سلامة المواطن وأعباء جديدة غير متوقعة تضاف إلى معاناة البلديات في استيراد أغطية جديدة رغم كلفتها الباهظة، فنتج عن تلك الحالة أن أوقفت الحكومة تصدير حديد الخردة حتى إشعار آخر.

وقبل أشهر ثلاثة تقريباً وبمحض الصدفة التي لم تكن تخطر على البال ولا على الخاطر، اكتشف أحد الشباب النابهين والغيورين بين أكوام من الحديد الخردة في مديرية خورمكسر بجانب مكتب الصحة العامة والسكان.. مدفعاً أثرياً ضخماً ونادراً، وقد بدت عليه آثار واضحة في محاولة لتقطيعه.. وليس هناك من تأويل لذلك سوى محاولة محو آثاره بخلطه بأنواع الحديد الخردة الأخرى، وبذلك ينتهي فصل (مدفع أثري كان هنا أو هناك)، وقد تفحص هذا الشاب الوطني ما على هذا المدفع من نقوش وكتابات محفورة فأدرك أنه من مخلفات الجيش التركي العثماني الذي احتل هذه المنطقة في عهد مضى.

هذه الحادثة الكارثة التي اكتشفها الشاب سهيم سعيد عبدالرحمن الميني، نجل الفقيد الوطني سعيد الميني، ايقظت عند الناس حالة من الألم والنقمة وأعادت إلى الأذهان رنين تلك التساؤلات القلقة التي كانت تطرحها الزاهرة «الأيام» في أكثر من عدد وعلى لسان كتابها عن اختفاء عدد من تلك المدافع الأثرية، سواء ما كان منها على سفوح تل قلعة صيرة أو في مواقع أخرى، فعُرف السبب وبطل العجب، كما يقولون في الأمثال.. والسبب هو أن التجارة الجشعة لحديد الخردة وانعدام الضمائر عند أصحابها أوصلتهم إلى التهاون ومحو تاريخهم وحضارتهم وطمسهما، خاصة في هذه المدينة العريقة المتعددة الحضارات والتاريخ والجغرافيا والمكانة العالمية.. أوصلتهم تجارتهم الجشعة إلى سرقة تاريخهم وآثارهم وحضارتهم التي ليست ملكهم لوحدهم بل للشعب اليمني كله، فيحاولون بيعها بثمن بخس بقدر بخس أنفسهم وضمائرهم .. بئس الضمائر تلك.

حاولت لقاء هذا الشاب الذي بدوره لم يتوان في تلبية رغبتي في لقائه.. عرض علي خلال ذلك اللقاء القصير تفاصيل الصدفة في اكتشاف هذا المدفع الأثري النادر، ممتناً لكل الجهات المحلية التي لم تتأخر لحظة واحدة في معالجة الأمر لاستعادة المدفع بدءاً بالأخ د. الخضر لصور، مدير عام مكتب الصحة العامة والسكان ود. غازي محمد محفوظ، مدير عام مديرية خورمكسر في ضوء توجيهات راعي عدن ومحافظها د. يحيى محمد الشعيبي العاجلة، حتى تلقفتها دائرة التوجيه المعنوي بوزارة الدفاع المعنية بالشأن.

في ضوء ما ذكر يتبادر إلى الذهن السؤال: من وراء جلب المدفع من موقعه الأثري إلى المكان الذي عثر عليه فيه؟ ألا يعطينا هذا الحدث مؤشراً يساعد على فضح سر اختفاء المدافع السابقة إذا كانت قد اختفت بالفعل، والتي أشارت إلى بعضها صحيفة «الأيام»؟ أين كان القائمون على حراسة تلك المواقع عند اختفاء تلك المدافع الاثرية؟ ولمصلحة من عندما لم تجر تحقيقات ومتابعات عن سر اختفائها وإعلانها على المواطن؟

ألف تحية للشاب سهيم الميني وبنفس القدر للأخ لمحافظ ومدير مديرية خورمكسر ومدير عام مكتب الصحة العامة والسكان .. كما لا ننسى العميد الركن علي حسن الشاطر، مدير دائرة التوجيه المعنوي بوزارة الدفاع ومدير المتحف الحربي اللذين تابعا شخصياً استعادة ذلك المدفع.

ختاماً سيبقى في الحديث أن نذكر أولي الأمر في هذا الشأن أن لا ينسوا تكريم الشاب سهيم سعيد الميني كي يكون مثالاً لأقرانه في الوطنية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى