قصة قصيرة بعنوان (سارق النور)

> «الأيام» عبدالعزيز عباس:

> بدلاً من الإهداء: «قد لا تعني شيئاً عند البعض، وقد تعني الكثير، ولكن ماذا تعني لإدارة الكهرباء؟!! هذا هو السؤال..» لا يدري ذلك الرجل لماذا كان يفعل ذلك، فكلما انقطع التيار الكهربائي، كان يلبس عدته الحربية ويخرج إلى الشارع ملوحاً بسيفه ودرعه في الهواء صارخاً بأعلى صوته مهدداً متوعداً: أين أنت أيها القميء؟!.. هيا، أظهر نفسك لو كنت رجلاً .. لا تختبئ كما الجبناء.. تعال ونازلني نزال الرجال، فإما صرعتك وإما صرعتني.

ويبقى كذلك يرعد ويزبد حتى يعود التيار الكهربائي مرة أخرى، فيدخل منزله ويخلع عدته ويجلس أمام التلفاز يواصل مشاهدة الأفلام الغربية المفتون بها حداً لا يوصف.

كان جيرانه يعرفونه جيداً.. يعرفون أنه أعقل رجل في الحارة، ويعرفونه أطيب إنسان فيها، ويعرفونه أشجع رجل فيهم، يعرفون فضائله وأخلاقياته كلها، ولكنهم وإن كانوا يستغربون تصرفه ذاك، لم يكن ليتجرأ أحد منهم ليسأله عنها وبالقدر نفسه كانوا يبتسمون لذلك الموقف ويشعرون بسعادة غامرة لا يدركون كنهها. أحاط به أطفال الحارة كما يفعلون عادة في مثل هذا الموقف فتجرأ أحدهم وهو يقف قبالته بينما كان يلوح بسيفه ورمحه مزمجراً فسأله قائلاً:

- لماذا تفعل ذلك أيها العم؟! ومن ذا الذي تريد أن تصرعه أو يصرعك؟!!

سكت الرجل متفرساً بوجه ذلك الطفل المبتسم والشقاوة تتنطط على وجهه، ثم مسح بعينيه الغاضبتين الكابيتين وجوه الأطفال من حوله.. وحبات العرق تعكس أضواء السيارات على جباههم ووجوههم وعيونهم تتطلع إليه بشغف الأطفال المشاكسين.. احتار كثيراً بماذا يرد.. تردد .. عرقه ازداد نزفاً من وجهه .. لوح بسيفه ورمحه في الهواء .. حينها، عاد التيار الكهربائي مرة أخرى، كأنما كان ذلك مخرجاً له من ذلك الموقف المحرج.

صرخ وهو يتصبب عرقاً بغزارة في وجه الطفل أمامه:

- أرأيت ؟! ذلك هو.. لقد ارتعد خوفاً مني و....

قطع حديثه ملوحاً بسيفه ورمحه في الهواء بغضب ممزوج بشيء من السعادة، وقفل عائداً إلى منزله يحمل غيظه ويسحب عدته ليتابع مشاهدة أفلامه المحببة.. تاركاً ذلك الطفل وبقية الأطفال غارقين بحيرتهم وعرقهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى