ملامح من حصاد السنين للشاعر محمد عوض باوزير

> «الأيام» عمر عوض خريص:

> تلقفت الأوساط الأدبية والثقافية في بلادنا صدور ديوان الشاعر محمد عوض باوزير (حصاد السنين) الأعمال الكاملة، الصادر عن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بشيء من الترحيب والتوجس، فأما الترحيب فهو للإضافة الجميلة التي يضيفها هذا الديوان لديوان الشعر اليمني بشقيه الحكمي والحميني، وبما يرصده من تحولات واتجاهات في تاريخنا المعاصر الذي عايشه وخبره وسكب في بوتقة إبداعه تجاربه ومشاهداته، وأما التوجس فهو من كبر حجم الديوان والتجربة وانثيال الشاعر الفطري في كتابة وصياغة قصائده ونظم شعره.

ومهما كان الأمر، فقد ترتب هذا الديوان واستقام في مكتبة الشعر العربي ليضيف ألواناً زاهية وصوراً معبرة عن مجتمعنا في مرحلة من مراحل أطواره المعاصرة.

وقد أفادنا الأستاذ أحمد صالح رابضة في تقديمه للديوان الموسومة بـ (دراسة تحليلية لديوان الشاعر محمد عوض باوزير) بالكثير من كشف غوامض الأحداث التي تطرق إليها الشاعر والتجارب التي خاض غمارها وعبر عنها، وهي القنطرة الحقيقة للولوج إلى الديوان ومعرفة عوالم الإبداع فيه، ومفتاح تلك الرؤية يخبرنا عنها الأستاذ أحمد صالح رابضة في أول مقدمته بقوله:

«إن قراءة فاحصة لقصائد ديوان الشاعر محمد عوض باوزير، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن الشاعر باوزير يعد من الشعراء المعاصرين القلائل، الذين رصدوا حركة الواقع المعايش في عدن خاصة، رصداً دقيقاً في العهد الشمولي البائد».

إن انصهار الشاعر بالمجتمع العدني جعله يحمل همومه وهموم مدينته، انطلاقاً من أن هذه المدينة تمثل الوجه المشرق لبلاده، فمن حق هذه المدينة عليه أن يناضل من أجلها حتى تستقيم فيه مصالح الحياة الكريمة في كل جوانبها، ومن عدن انطلق كالطائر المحلق في سماء الحب والإيمان والإبداع يجوب آفاق الوطن اليمني الذي حمله بين جوانحه أملا وواقعا يعايشه ويشاهده، بل امتد تحليقه إلى أرجاء الوطن العربي الكبير في لفتات إنسانية قومية تحسب له مواقفه وثباته.

ومن حق عدن أن ينافح عنها عاشقها وأن يبادلها حباً بحب، وعطاءً بعطاء، وهذه العاطفة التي تجلت في وجدان الشاعر يخبرنا عنها في بعض قصائده وقد فار التنور عما بداخله فطفا الخوف والقلق والجزع من المصير الذي عبر عنه قائلاً في قصيدته: (في الإنذار المبكر الأول: قالت عدن):

يا قوم إن الوضع جد خطير

فتنبهوا لمصيركم ومصيري

أنا إن عجزت عن الكلام فإن

حالي بينكم أقوى من التعبير

كل الذين يرونني يرثونني

بالشعر أو بالرسم والتصوير

وكأنني قد متّ قبل ولادتي

في خطة الإصلاح والتطوير

وإلى آخر ما تحمله هذه القصيدة من معاناة حقيقية عايشتها عدن، وكل مظاهر الحياة في عدن تأخذ الحجز المميز والمتقدم في إبداع الشاعر، فهو لا يغفل عنها بل يرصدها ويحاول تقويتها وإبداء نصحه فيما يراه حرياً بأن يتبع وأن يكون كذلك، فتقلقه مثلاً قضية الأكشاك العشوائية المنتشرة، فيتناولها في قصيدته (الأكشاك في مدينة «كريتر» عدن) قائلاً:

هي الأكشاك تنبت كالنبات

بعاصمتي تزيد على المئات

فتلقاها وقد أخذت مكانا

على الطرقات في كل الجهات

ولم تترك فراغاً للتنفس

أو للسير فوق (الفوتبات)

ومثلما يتوجع من هذه الأحوال وتلك الممارسات، نراه يئن أيضاً من بعض الحالات والمظاهر التي خلفت وراءها مشكلات عويصة، كان الفرد اليمني فيها هو أس المحنة والابتلاء، ومن أكبر هذه المشكلات مشكلة تعاطي (القات) وما يحمل وراءه من أحزان ومآس، ففي قصيدته (من وحي مشاكل القات) يقول:

لأم بلقيس آهاتي وصيحاتي

مما جرى لي وأبنائي من القات

إذ أن أوراقه الخضراء قد جعلت

مني أسير ملذاتي وشهواتي

وحطمتني فلا أدري أنا رجل

في البيت أم حيوان فيه كالشاة

وستبقى مشكلة تعاطي القات مشكلة اليمن الأولى والكبرى، وربما لن تحل إلا ببزوغ جيل كافر بهذه الشجرة، نابذاً لها محطماً لأسطورتها وصنمها العتيق.

ونطوف مع الشاعر بين مدن رؤاه الحالمة في هذه العجالة التي لا تسعفنا في قول المزيد، ونتذوق معه الشهد الحلال الذي يسكبه لنا في قوارير من بلاغة وفن، كقوله في (فنانة الشعب):

يا أم كلثوم يامن كنت معجزة

من السماء إلى الأجيال ترويها

ما مات والله من أدى رسالته

وبلّغ الناس في صدق معانيها

خمسون عاماً من الأنغام ترسلها

إلى القلوب التي باتت تناجيها

في (أنت عمري) وفي (الأطلال) باقية

وكلما (دارت الأيام) تبقيها

و(هذه ليلتي) من (ألف ليلتها)

قد فكرتني (حديث الروح) من فيها

(عودت عيني على رؤياك) يا أملي

و(سيرة الحب) في الظلماء تهديها

وإلى آخر هذه القصيدة الجميلة الفضفاضة التي لا تطلقنا من أسرها إلا بعض قصائده الغزلية، التي نرى فيها خفقان قلبه يعلو إلى أعلى مستواه، فنردد معه أبياته العذبة:

أي طير محلق في الفضاء

أي صوت مغرد في السماء

أي وجه ملائكي المحيا

صب في هالة من الأضواء

فإذا الليل كله كصباح

مشرق والمساء غير مساء

وإذا نحن كلنا أذن تصغي

وعين ترى بلا إصغاء

وفؤاد أحب دون سلام

وكلام وموعد ولقاء

ولن أستطيع أن اتقصى كل الملامح في هذا السفر الشعري الكبير.. ولكن حسبي الإشارة والإفادة وليتمتع كل محب للشعر ومتذوقه بما فيها من درر، وليزف لشاعره تحية الحب والود والإعجاب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى