الانسجام

> «الأيام» أبوبكر السقاف:

> الانسجام تعني الأرمونيا في الأصل اليوناني: الرابطة، والتناسب، نظام متناسق. وهو توحيد أجزاء بنسب يجعلها كلاً واحداً، وبالدلالة العامة يفترض الانسجام قبل كل شيء وإمكان الوحدة في المتعدد. والمفهوم منذ نشأته قائم على أن العلاقات أو النسب المتباينة التي تكون الكل، أو الوظائف المختلفة للكائن أو النسق، تساعد على إنجاز الهدف نفسه.

ويستخدم المفهوم في مجالات كثيرة، وفي غير سياق، ولكنه رغم ذلك يظل في الأغلب مصطلحاً موسيقياً، ويجري الحديث عن الانسجام في الفنون الأخرى قياساً على الموسيقا، وعندئد يعني هذا توازناً استاطيقياً بين مكونات مختلفة، كاللوح الفني مثلاً.

ظهر المصطلح في الفكر الغربي في اليونان القديم، حيث يعد الانسجام الصفة الأساسية في الطبيعة، وعنى به الفيثاغوريون النظام الصوتي في مقام واحد. ويكون الانسجام مع التناظر، والنسق والمعيار أساس الجميل، وهو صفة المضمون داخلي (باطني، جواني) في بنية العمل الفني، أكثر من كونه دالاً على الصورة الخارجية (البرانية) فيه. إن الأنموذج المستخدم للحكم على العمل الفني، هو الانسجام في الكوزموس، والطبيعة، وكذلك الانسجام في العلاقات الاجتماعية في المدينة - الدولة، الذي ينشأ من المساواة في الحقوق بين جميع المواطنين.

تختلف فكرة الانسجام في الكوزموس عن المذهب الذي يقول بالانسجام في الأفلاك، عند أفلاطون وبطليموس، فالأجرام السماوية وهي تتحرك في الكوزموس، وفقاً لفترات هرمونية، تصدر أصواتاً تفعل فعلها في الناس بانتظام، وأما الفيثاغوريون فإنهم يعتبرون الانسجام في الأفلاك دليلاً على صحة قولهم بأن الكون نغم وعدد، وحملوا هذا القول دلالة أخلاقية عميقة، فالنفس مثل الانسجام، لتشابه صورتيهما. وغلب التصور الرياضي (الحسابي ) في القرون الوسطى على مفهوم الانسجام، لتقرير النسب الرياضية في الموضوع قيد البحث سواء أكان الكوزموس أم النفس أم الإنسان. ولعل ذلك يمكن عزوه إلى إحياء وتطوير الفكرة القديمة التي تتحدث عن العالم الأصغر (الإنسان) والعالم الأكبر (الكون)، التي كان المتصوفة من بين القائلين بها، في العالمين الإسلامي والمسيحي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى