رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> 1- عبدالرحمن محمد عمر العبسي: بعد نضال طويل ومرير حفر قبره بجانب بيته...الولادة والنشأة...عبدالرحمن محمد عمر العبسي، من مواليد قرية «حارات» بمنطقة الأعبوس في 15 رمضان 1351هـ (الموافق 1932م) وفيها قضى سنوات طفولته الأولى مع أشقائه الصغار: عبدالودود وعبدالوارث وعبدالكافي وسعيد، وشاء القدر أن يجعل مهنة التصوير قاسماً مشتركاً بين العم أحمد عمر العبسي (والد المناضل الوطني سلطان أحمد عمر) وابن شقيقه عبدالرحمن ومن بعده ابن شقيقه عبدالودود.

بدأت الريادة في مجال التصوير على يد العم أحمد عمر الذي غادر قريته وهو طري العود إلى عدن، وفي العام 1922م التحق باستديو صغير يملكه مصور هندي مسيحي اسمه «كتي نو» وكان الأستديو مجاوراً لمستودع «تاكسي فري شوب» بالتواهي.

كان الصبي أحمد عمر العبسي ذكياً وأسعفه ذكاؤه بأن التقطت عيناه سر المهنة وكان الزبائن يضجون من عدم وفاء الهندي بمواعيده فبادر الصبي أحمد عمر وأنجز مهام المصور بنفسه، وذهل الهندي لدقة عمل الصبي، وكلفه بإنجاز مهام عمله أثناء غيابه وأصبح الصبي أحمد ملماًً بفنون التصوير في فترة وجيزة.

أحمد عمر العبسي وعقيل عباس
طرأ تغير على صاحب العمل وموقع العمل، فشاءت الظروف أن يفتح السيد حسين الدباغ الحسيني مدرسة الفلاح الأسلامية العربية الهاشمية في شارع الزعفران أمام منزل آل الصافي عام 1936م، وقد سبق للسيد الدباغ أن فتح مدرسة الفلاح في المكلا، عاصمة الدولة القعيطية.

استقدم السيد الدباغ، القادم من الحجاز الأستاذ عقيل عباس ليدرب الطلبة في المدرسة التدريب العسكري كنواة لفرقة كشفية منظمة، واستطاع عقيل عباس استدراج أحمد عمر العبسي إلى مشروعه بفتح استديو جديد على أساس الشراكة، وعمل أحمد عمر العبسي في استديو عباس في منطقة الميدان بكريتر واستوعب ابن شقيقه الصغير عبدالرحمن للعمل معه، وكان العم وابن اخيه يعملان بالأجر الشهري وظل أحمد عمر يذكر عقيل عباس بقضية الشراكة، وكان عقيل عباس يماطل في العمل بها بحسب الاتفاق، وقرر أحمد عمر ترك استديو عقيل عباس وشق طريقه في مشروع آخر.

أحمد عمر مع عنتر والعللف
انتقل العم أحمد عمر العبسي مع ابن اخيه عبدالرحمن الى الشيخ عثمان عام 1948م وهناك أقنعه عبدالله غالب عنتر (وهو من الأعبوس أيضاً) ومحمد علي الجريك (العللف) بإقامة استديو في مساحة مقتطعة من مقهى الجريك المعروف في الشيخ عثمان، إلا أن الشراكة فشلت مع المذكورين وقرر أحمد عمر الانتقال مع عبدالرحمن وعبدالودود، ابني شقيقه إلى تعز وفتح «استديو أحمد عمر» وتوسعت علاقات أحمد عمر حداً مكنه من أن يصبح المصور الخاص لجلالة الإمام أحمد.

عبدالرحمن محمد عمر والكفاح المبكر
في العام 1952م بلغ عبدالرحمن محمد عمر العشرين عاماً من العمر، وهو تاريخ بدء التفكير بشق طريقه الخاص، فشد الرحال إلى جيبوتي، حيث عمل مصوراً مع أحد الفرنسيين، وبعد ستة أشهر تعرض عبدالرحمن لمضايقات من إدارة الهجرة فقرر العودة إلى تعز ومنها إلى عدن.

نضج الوعي السياسي والوطني مبكراً عند عبدالرحمن محمد عمر، وتحول الوعي إلى ممارسة عام 1952م عندما شارك مع محمد علي الأسودي ومحمد أحمد نعمان (نجل الشيخ النعمان) وعبدالرحمن الحكيمي (نجل الشيخ عبدالله علي الحكيمي) والأستاذ قائد الأصبحي (والد فؤاد وعلي) وعبدالحبيب صالح القرشي ومحمد عبدالواسع حميد (السفير لاحقاً) في تأسيس فرع للاتحاد اليمني، وكانت بداية اطلاع عبدالرحمن السياسية على كتب حزب البعث، وكان التيار الحزبي القومي جديداً على المنطقة.

عبدالرحمن في صفوف حركة القوميين العرب
نشأت الخلايا الأولى لحركة القوميين العرب للقطر اليمني في القاهرة عام 1956م، وأول من أسسها هناك فيصل عبداللطيف، الذي أسس ايضاً الخلايا الأولى في عدن عام 1959م، فيما أسس سلطان أحمد عمر الخلايا الأولى في شمال اليمن، ومن مؤسسي فرع الحركة في اليمن: فيصل عبداللطيف الشعبي وسلطان احمد عمر وعبدالكريم الإرياني وعبدالملك اسماعيل وعبدالحافظ قائد، إلا أن عبدالكريم الارياني سرعان ما فك ارتباطه بالحركة نظراً لسفره الى الولايات المتحدة الأمريكية، وانتسب يحيى عبدالرحمن الإرياني للحركة.

كان فيصل وسلطان يدرسان في القاهرة وأنيط بعبدالرحمن محمد عمر مهمة تأسيس المجموعة الأولى للحركة في عدن، وكان معه آنذاك ضمن تلك المجموعة عبدالعزيز عبدالله سلام وعلي أحمد السلامي وسعيد أحمد الجناحي وعبدالحبيب صالح القرشي، إلاّ أن الأخ المناضل عبدالودود محمد عمر العبسي أخبرني: أن الأخ علي السلامي كان قارئاً جيداً لمجريات الأمور السياسية.

عبدالرحمن في صفوف الجبهة القومية
فتح عبدالرحمن محمد عمر العبسي أول استديو للتصوير في مدينة الشيخ عثمان في «حافة الهاشمي» عام 1953م في مبنى احتل دوره الأرضي «نادي الهلال الرياضي» واحتل دوره الأول «استديو التحرير» لصاحبه عبدالرحمن العبسي.

وفي العام 1956م انتقل الى المقر الجديد وهو «استديو عبدالرحمن» الذي لا يزال يشغله حالياً، وفي هذا الأستديو التقى عبدالرحمن بالعشرات والعشرات من الوطنيين وكان عبدالرحمن يعتبر الوطني وطنياً وإن اختلف انتماؤه الحزبي، ولذلك حظى باحترام الجميع.

تحمل عبدالرحمن مسؤوليته بكل تفان وإخلاص، واستغل مقر الاستديو وبيوتاً أخرى للاجتماعات وخزن الأسلحة وأموال الجبهة القومية، التي شهد مراحل تأسيسها في المحافظات الشمالية، وارتبط عبدالرحمن بعلاقات ودية وكفاحية بعدد من المناضلين ذكر منهم سالم ربيع علي وقال عنه: كان قائداًَ عسكرياً شجاعاً، والشهيد عبود وعبدالفتاح إسماعيل وفيصل الشعبي إضافة الى علي السلامي الذي بدأ معه مشوار العمل السياسي والوطني وضمن أول تكوين لحركة القوميين العرب في الجنوب، إضافة الى ابن عمه سلطان أحمد عمر ومحمد صالح مطيع وعبدالعزيز عبدالولي وغيرهم.

عندما قطعت القيادة المصرية المساعدات عن الجبهة القومية كان عبدالرحمن يملك منزلاً كبيراً في تعز (بجانب بنك الإنشاء والتعمير) فباعه بـ (55) ألف ريال لتغطية الحاجات الضرورية للجبهة.

عبدالرحمن وثورة 26 سبتمبر والحزب الديمقراطي الثوري
كان عبدالرحمن محمد عمر في قيادة نادي الاتحاد العبسي (جمعية الأعبوس حالياً) فسخّر النادي موارده والتبرعات التي كان يجمعها في أعمال اجتماعية منها بناء مدارس في منطقتهم كمدرسة حارات ومدرسة مشاوز في الأعبوس، واعترفت السلطات المحلية بدوره الاجتماعي الكبير في ذلك الاتجاه، ومنحته شهادتين تقديريتين.

قررت قيادة النادي تشكيل لجنة لتقديم المساعدة لثورة 26 سبتمبر وشكلت من: 1- عبدالرحمن محمد عمر، 2- محمد عبدالجبار راشد، 3- عبدالحافظ محمد، 4- طاهر الهتاري، والتقى اعضاء اللجنة وقدموا (42) ألف شلن للرئيس السلال، وعقب الرئيس السلال صارخاً: «ابصروا الناس تدّي الثورة وانتم تطلبوا منها . ابصروا»

وفي فترة حصار السبعين على صنعاء رأس عبدالرحمن محمد عمر لجنة ضمت سالم صالح محمد ومحمد أحمد البيشي وقدمت دعماً مالياً للقيادة السياسية في المحافظات الشمالية.

تحمل الوالد محمد عمر العبسي والوالدة أم عبدالرحمن وزوجته «أم نصيب» استضافة عشرات المناضلين في بيتهم في قرية «حارات» في مناسبات هامة ومنها عقد المؤتمر التأسيسي الأول في يونيو 1968م في منزلهم.

عبدالرحمن المبدع والصانع
سيسجل التاريخ لعبدالرحمن محمد عمر إبداعاته الكبيرة في مجال التصوير ومنها اختراعه ماكينة تحميض ورتوش آلية تعمل بشكل متكامل ودقيق وعرض اختراعه في مصر، إلا أنهم عرضوا عليه ثمناً دون ذكر اسمه فاعتذر، ومنها اختراع ماكينة سحب البصائر واختراع المداد الأسود واختراع مادة الموثلين المستخدم في النيجاتيف بلاك آند وايت لكي يمسك الرتوش على النيجاتيف.

عبدالرحمن في ذاكرة علي ناصر محمد
أفادني الأخ علي ناصر محمد، الرئيس اليمني الأسبق، بأن الفقيد المناضل الوطني عبدالرحمن محمد عمر العبسي عمل معه مأموراً لمديرية طور الباحة عندما كان (أي علي ناصر محمد) محافظاً للمحافظة الثانية (لحج) بعد نيل المحافظات الجنوبية والشرقية استقلالها عن الحكم البريطاني في 30 نوفمبر 1967م، وقال: لقد كان الفقيد المناضل عبدالرحمن يتحرك بكاميرته في كل مكان وكان، رحمه الله، خدوماً ومتعاوناً وكان بحق من المناضلين الشرفاء.

عبدالرحمن محمد عمر في رحاب الخالدين
بعد عيد الأضحى عام 2003م بدأت صحة عبدالرحمن في التدهور، وقبل وفاته رحل إلى صنعاء لعل تاريخه وعطاءه سيشفعان له بمنحه الرعاية المطلوبة، باعت الأسرة ما يمكن بيعه إلا أن الدور الأكبر في علاجه ورعايته قام به د. محمد أحمد عمر (شقيق سلطان) نيابة عن الثورة والوحدة، اللتين عجزتا عن تقديم الرعاية المطلوبة. وفاضت روحه الطاهرة في صنعاء ونقل جثمانه الى قريته حارات ودفن في القبر الذي حفره بنفسه قبل (12) عاما حسب وصيته لأنه كان قد غسل يديه من عدن وصنعاء.

خلف عبدالرحمن محمد عمر وراءه سجلاً وطنياً واجتماعياً مميزاً، وخلف وراءه أرملة و(6) أبناء هم: 1- نصيب، 2- شكيب، 3- لبيب، 4- رهيب، 5- ربيب، 6- عسيب و(4) بنات.

2- احمد عبدالله باجنيد: مبدع التصوير في حضرموت في رواية بايعشوت الولادة والنشأة...الشيخ أحمد عبدالله أبوبكر باجنيد من مواليد مدينة المكلا، حاضرة السلطنة القعيطية عام 1918م، وفيها نشأ وترعرع وأصبحت المكلا معشوقته التي لم تبارح وجدانه حتى لقي ربه.

باجنيد في رواية سند بايعشوت
قدم الزميل سند بايعشوت عرضاً تاريخياً موجزاً عن سيرة الشيخ أحمد عبدالله باجنيد في عدد «الأيام» الصادر في 21 يونيو 2005م، وتناوله من زاوية فن التصوير، ووجدتها مناسبة لإدراج تلك الشخصية في حلقة «رجال في ذاكرة التاريخ» كثنائي للشخصية الأخرى الواردة في نفس الحلقة وهي شخصية المناضل الوطني المعروف عبدالرحمن محمد العبسي.

الشيخ أحمد باجنيد ليس واحداً من رموز فن التصوير الخالدين وحسب، بل ومن رموز العمل الوطني والسياسي في حضرموت القعيطية وأدى دوره الوطني من خلال «الحزب الوطني» الحضرمي.

باجنيد مرافقاً لبعثة مجلة «العربي»
وصلت بعثة مجلة «العربي» إلى المكلا عام 1965م والمكونة من المحرر سليم زبال والمصور أوسكار ووجدت ضالتها في الشيخ أحمد باجنيد الذي رافقها في أرجاء المكلا، باعتبارها عاصمة السلطنة، وحدد لها الشيخ باجنيد معالم المهمة بأن أرشدها إلى أجمل المواقع، ارضاً وسكاناً فخرجت البعثة بحصيلة لا يستهان بها ووجدت قيمتها أثناء نشرها في «العربي» في قيمة رجل المهمات الصعبة، الشيخ أحمد باجنيد.

باجنيد رائداً في كتابة التاريخ (البصري)
يعتبر الشيخ أحمد باجنيد رائداً في مجال تدوين التاريخ البصري بكتابة التاريخ البصري لمدينة المكلا المحروسة، وقد حمل آلة تصويره وعمامته اللتين لا تفارقانه وراح يفتش في خبايا مدينة المكلا حارة حارة، ورصد حياة البادية والمرأة والصيادين والمزارعين والزيارات الدينية والألعاب.. دخلت كاميرا الشيخ باجنيد ميادين الكرة، حين كانت الرياضة في تلك الفترة تزهو بأحلى حللها، والتقط صوراً نادرة لمباريات نادرة، كما رصدت كاميرا الشيخ باجنيد «حكاوي القهاوي وأحاديث السياسة البريئة في مقهى سالمين خبيرة حين يذاع بيان من (صوت العرب)» إنه تاريخ الوعي الوطني والسياسي للسكان في حضرموت، لأن مواقف اليوم عند الحضارم لم تأت من فراغ وأمامكم الصور التي التقتطتها كاميرا الشيخ باجنيد وصحبة الكرام: عاشور والأخوان غانم ومجاهد.

غامر بحياته من أجل تاريخه
تعرض الشيخ أحمد باجنيد لإجراءات تعسفية بعد الاستقلال، فزجوا به في السجن وأخفى باجنيد تشكيلته الكبيرة من الصورة التي تتحدث عن تاريخ الدولة القعيطية عن عيون زوار الفجر، وشذ عن القاعدة الشائعة وسط الناس الذين أحرقوا كل ما بحوزتهم خشية الاستئصال.

لقد خاطر الشيخ باجنيد بحياته لينعم ارشيف التاريخ والأجيال القادمة والباحثون التاريخيون، عرباً وأجانب، بقيمة تلك الصور الخالدة التي التقطتها كاميرا الشيخ باجنيد.

مركز بلفقيه واقتراح د. عبدالعزيز بن عقيل
تجلت وتألقت فعاليات الذكرى (15) للوحدة عندما عرض مركز بلفقيه الثقافي عشية احتفالات الوحدة صوراً رائعة ونادرة التقطتها كاميرا الشيخ أحمد باجنيد، التي غطت مناح مختلفة من حياة السكان وربط الزوار بماضيهم وتاريخهم وما قدمه السلف الصالح لمجتمعهم.

اقترح د. عبدالعزيز جعفر بن عقيل المدير العام للهيئة العامة للآثار والمتاحف «تسمية جائزة في فن التصوير البصري تدعى جائزة باجنيد، تخليداً ووفاء لحامي حمى الصور الشيخ أحمد عبدالله باجنيد».

باجنيد في رحاب الخالدين
انتقل الشيخ أحمد عبدالله أبوبكر باجنيد إلى جوار ربه عام 2002م عن عمر ناهز الـ (84) عاماً، وخلف وراءه إرثاً ومواقف دخل بهما التاريخ من أوسع أبوابه وما أحوجنا الى تخليده بمتحف تعرض فيه الصور التي التقطها مع شروحات تعرف المشاهد بمضمون كل صورة، وتخليده أيضاً بالجائزة التي اقترحها مدير عام هيئة الآثار.

استدراك
ورد في حلقة العدد الماضي من «رجال في ذاكرة التاريخ» ما يلي: «أحمد محسن أحمد مشدلي، يافعي الجذور معلاوي الهوية.

والصحيح: «أحمد محسن أحمد مشدلي، بيضاني الجذور معلاوي الهوى».

سقط سهواً اسماء ثلاثة من زملاء أحمد محسن أحمد في فريق نادي الجزيرة الرياضي وهم: معتوق خوباني ومحمد أحمد الصبيحي وأحمد عوض.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى