أهمسا

> «الأيام» أبوبكر السقاف:

>
أبوبكر السقاف
أبوبكر السقاف
أهمسا كلمة سنسكريتية، تعني عدم إلحاق الضرر بالكائنات الحية، وهو مبدأ أخلاقي في الفلسفة الهندية، وفي الديانة الهندوسية. وأوضح ذكر لهذا المبدأ ورد في الأوبانيشاد، ويتأسس هذا المبدأ على ضرورة أن الإنسان الذي يجد في نفسه بداية إلهية هي الائتمان، عليه أن يرى هذه البداية في الآخرين.. وقد حظر معلمو البوذية، والجانية، والبراهمانيون تدمير الحياة بأية وسيلة من الوسائل، ويشمل هذا الحظر كل المستويات: الفكر، والكلمة، والفعل. ولموقف الجانيين في هذا الشأن سمة خاصة، فوفقاً لعقيدتهم، فإن الضرر الذي يلحقه الإنسان بالآخر، يحرم نفسه من بلوغ النقاء المطلق، ثم يرتد إليه. إن الجانيين العلمانيين وبصفة خاصة رجال الدين، يحرمون الصيد في البر والبحر، وحتى حراثة الأرض، التي ترتبط بإزهاق النفوس وكذلك تربية الماشية التي تترتب عليها النتائج نفسها، والجانيون ليسوا نباتيين بل إنهم يفضلون ألا يأكلوا تلك الأعشاب، التي يكون تدميرها شرطاً لاستهلاكها. والغذاء المثالي (الأمثل) هو ما يتساقط من الفواكه بصورة طبيعية. ولا يشربون الماء إلاّ بعد تنقيته عبر أداة تضمن حجز الكائنات الحية الدقيقة. ويغطي الراهب الجاني فمه بكمامة حتى لا تدخله أية حشرة طائرة، ويلبس خلخالاً يحدث ضجة تبعد الهوام عن طريقه.

عرف العالم هذا المبدأ على يد المهاتما غاندي (الروح العظيم) (1869-1948م) الذي وسع مفهوم أهمسا، فأضاف إليه ضبط النفس، والمقاومة السلمية، والوعي بوحدة الإنسان والأحياء كافة، وتطهير النفس. وكان يرى في اتباع مبدأ أهمسا شرطاً لبلوغ الحقيقة، وهي الله، وضماناً لحل المشاكل الاجتماعية - السياسية. فنقل مركز القوة من الفعل في الخارج إلى الفعل في الداخل، فشرط مقاومة المحتل، هو تحرير الذات الواعية، فالذي يتصدى لمهمة تحرير نفسه والمشاركة في تحرير الآخرين، والوطن، عليه أولاً أن يتحرر داخلياً حتى يكون ذاتاً أخلاقية. وقد لخص آرثر كويستلر تجربة الهند والصين بالقوميسار (ماو دزي دون) واليوجي
(غاندي)، الذي يشبه زهرة لوتس تتفتح من داخلها. ولم نفطن نحن، في غمرة «الترحال الثقافي» المستمر، والابتسار الثقافي الذي يحول بيننا وبين معرفة أنفسنا والآخرين، إلى ما في الأنموذجين الهندي والصيني من دلالات تتجاوز القومي إلى الإنساني، حتى نستفيد منها في معركة البقاء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى