د. أبوبكر السقاف والوحدة اليمنية

> احمد صالح غالب الفقيه:

> جاء في الحكمة القديمة «تلاوة نص واحد جميل مليء أفضل من تلاوة ألف نص فارغ»، وقليلة هي النصوص التي بجمال وامتلاء نصوص د . أبوبكر السقاف,ومنذ أن أسعدتني الظروف بالقراءة للدكتور السقاف وأنا أبحث عن إنتاجه، وأسعى إلى المتعة الفكرية التي تصاحب دائماً تجربة الغوص فيها. والدكتور السقاف مفكر عظيم بالمقياس العالمي، وهو ما لمسته لمس اليد منذ قرأت كتابه (كتابات) لأول مرة.

وإني لأخشى أن يصرفه اهتمامه العميق والمشروع بالسياسة عن إنجاز آثار فكرية عظيمة، تؤهله لإنجازها ثقافته الموسوعية، ولغته الأدبية الرائعة، التي تتجاوز التكثيف الشعري إلى الحكمة التي لا توجد إلا لدى كبار الفلاسفة وعظماء الصوفية، وحتى في مقالاته السياسية تجد في عباراته أفكاراً عميقة لا تصدر إلا عن مفكر عظيم، وهي تحتشد فيما يكتب بصورة تنبئ عن صدورها عن طبع لا عن تكلف، وكثيراً ما ذكرني أسلوبه بأسلوبي يعقوب بوهمه واسبينوزا، ولا يملك أي منصف إلا أن يعجب بأدبه الرائع حتى وإن اختلف معه.

والدكتور السقاف- إلى ذلك كله- مفكر وإنسان بكل معنى الكلمة، ويتمتع بشجاعة نادرة، وهو يدافع عما يعتقد، غير آبه بما يصيب شخصه من أذى، وقد ضرب في ذلك أروع الأمثلة، وأشاع في أنفسنا الأمل بكفاحه وصلابته. وقد كان ما تعرض له من اعتداء وسيظل وصمة عار في سجل الوطن.

قضية الوحدة اليمنية
منذ أن كانت الوحدة اليمنية فكرة في عالم الإمكان، وقبل أن تتحول إلى حقيقة في عالم الفعل، حمل لواءها مفكرون شجعان، كان في مقدمتهم الدكتور أبوبكر السقاف والأستاد عمر الجاوي. وتكفي جولة سريعة في مؤلفه (كتابات) لإثبات ما أقول، فهو الذي كتب قائلاً: «إن الطائفية والمذهبية والإقليمية التي تعجز عن احتضان مفهومات الوطن والأمة والحداثة والتقدم وعي زائف، يحاول جاهداً أن يفرض على العصر مخلفات القرون الغابرة» (كتابات) ص 301.

وكتب أيضاً:« إن التاريخ الواعي لليمانيين المتحضرين، قد تغلب على عوامل الحتمية الجغرافية منذ قرون متطاولة قبل الميلاد.

فحضارة سبأ نفسها تدل على وجود تاريخ طويل وراءها، هو الذي صاغ حتى الوحدة الجغرافية، لأن الوحدة هنا تفهم على أنها تلك العلاقات التي ترتبط بها سكان السهول والجبال والنجود الوسطى، فالطبيعة في حد ذاتها تقدم التحدي، والإنسان هو الذي يصنع تاريخه بالاستجابة للتحدي والتغلب عليه. فما هو عائق في حد ذاته كالبيئة الجغرافية يصبح عامل وحدة». ص 70.

وكما هو واضح من فكر الدكتور، فإن مفاهيم الوطن والأمة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمفاهيم الحداثة والتقدم والوحدة الوطنية، لا يمكن أن تثبت وتقوى إلا بين أنداد متساوين، يربطهم رباط قوي من المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات . لقد حذر الدكتور السقاف دائماً من الذهنية القبلية وآثارها المدمرة على الدولة والوحدة الوطنية، وانطلاقاً من وعيه للإنقسام القبلي الحاد في اليمن، دعا إلى إبعاد القبيلة عن الدولة، فكتب يقول :«إن تكييف الدولة لمنطق القبيلة، وهو ما يحدث في الشمال منذ نوفمبر 67، هو مقتل الدولة،لأن منطق التطور يقضي بتكييف القبيلة لمنطق الدولة .. إنها أولوية حاسمة». صـحيفة «الشـورى» - الـعدد 255.

وهي أولوية حاسمة حقاً.. ذلك أن الذهنية القبلية تقول بالعداء العنيف للآخر المختلف، وهي تقول بحثها في إبادته واستبعاده أو استتباعه لتحقيق ذاتها وخدمة مصالحها الأنانية الضيقة، وهي التي جعلت من قضية يفترض أنها مفروغ منها وأعني بها، المواطنة المتساوية، قضية الساعة.

إن دور المفكر هو تحليل الواقع واستشراف المستقبل، وإنه لأمر مقلق جداً أن يرى الدكتور أن النظام السياسي العربي يعاني أزمة وجود بكل ما يتضمنه ذلك من معان.

وقد كان طرحه للفيدرالية كحل منقذ منطلقاً، فيما أرى، من رؤيته للأخطار التي يحملها استشراء الذهنية القبلية وما رافق ذلك من استعلاء واستئثار بالسلطة والثروة، فالفيدرالية بما تحمله من مضامين الحكم الذاتي الواسع الصلاحيات قد تكون حلاً منقذاً إذا تعذر الإصلاح.

لا للمزايدات والمكايدات
لا يستطيع أحد أن يزايد على الدكتور أبوبكر السقاف في قضية الوحدة اليمنية، فهي بامتياز من منجزاته.

كما هي منجز لكل يمني حلم بالوحدة ودعا إليها وناضل من أجلها. لقد كتب الدكتور ومنذ وقت طويل حول الوحدة اليمنية، وبشر بها وحولها إلى عزم وكفاح في نفوس طلابه ومريديه، وهو الذي كتب يقول: «إن ظروف اليمن الطبيعية تشكل تحدياً دائماً، فهي بـلا شـك تسـاعد علــى تفـتيت الوحـدة السياسيـة والاجـتماعية في حـال ضعف الدولة المركزية.

وما أجدرنا أن نتذكر في ظروفنا الراهنة هذه الحقيقة، فالدولة المركزية الواحدة ليست ضرورة ملحة، بل مسألة حياة أو موت.

والوحدة ليست أبداً في مصلحة الأقيال القدامي والجدد، فأبناء الشعب هم الذين يحملونها هماً وأحلاماً وعزماً في نفوسهم.

والوحدة ككل إنجاز سياسي واجتماعي ليست معجزة تنتظرنا في آخر الطريق، بل هي طريق وغاية» (كتابات) ص 71.

وختاماً أقول للمزايدين: وفروا لهاثكم SAVE YOUR BREATHS واستمتعوا بالكتابات الرائعة لهذه القامة السامقة، واحمدوا الله على الفرص التي أتيحت لكم لقراءة ما يكتب .

أطال الله في عمره وحفظه من كل سوء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى