مع الأيــام...إكراميات بالمعروف .. ولا رشوة تتبعها اللعنة

> علي ناصر محمد فضل:

> كل الناس تتحدث عن الفساد بأشكاله المختلفة، وكثيرون أيضاً أولئك الذين كتبوا في هذا المجال وما زالوا، لأن هذه الظاهرة السيئة ستظل ملازمة لكل مجتمع، لأن العالم بأسره ومن دون استثناء يعاني من الفساد بأشكال مختلفة تتفاوت حدة خطورتها أو ضعفها من مجتمع لآخر، والبعض قد بدأ بالتصدي لها منذ زمن بعيد واستطاع أن يحقق نجاحات أهمها أن هذه الظاهرة لم تمس التعاملات اليومية المرتبطة بأفراد المجتمع، الأمر الذي يوحي بأنه لا يوجد فساد في هذه المجتمعات والعكس هو الصحيح، فالفساد حصر في مستويات معينة بعيدة عن الشارع أي المواطن المرتبط بعلاقات يومية كثيرة يستغلها ضعفاء النفوس لصالحهم، طالما أن إجراءات هذه المعاملات تمر عبرهم، فهم المسؤولون عن إطلاقها وفقاً للنظام والقانون أو يتعمدون خلق العراقيل لإيقافها بغرض الاستفادة الشخصية، وكما يحلو للبعض القول إننا نراعي النظام والقانون.

في مجتمعنا اليمني تشكل هذه الظاهرة عبئاً ثقيلاً على حياة المواطن وتؤخر عجلة الدفع بتفعيل القوانين التي تحقق للمواطن الاستقرار. فهذه الظاهرة اخترقت كل مجالات الحياة وأصبح السواد الأعظم يعاني الأمرين، فالمواطن لا يستطيع أن يتابع معاملاته إلا إذا اتبع قاعدة السلوك المتعارف عليها (الإكراميات) التي تؤخذ عنوة، وطالما أخذت بهذه الطريقة فهي في الواقع (رشوة)، وبدون أن يتم ذلك فمعاملات هذا المواطن تحفظ في الأدراج وعليه متابعتها إن استطاع إلى ذلك سبيلا، لأن العراقيل كثيرة وربما تبدأ من حراسة البوابة، ومن هنا تبدأ المشكلة، طبيعي سيصاب المواطن بالإحباط وربما الانهيار إذا لم تتوفر لديه إمكانية المقاومة وهي أن يمتلك المفتاح السحري وسيجد من يبسط له القانون طالما قام باتباع ما هو متعارف عليه.

بالرغم أن تفشي هذه الظاهرة مخيف جداً وهي تشكل تحايلاً على القانون، إلا أننا متأكدون أن المجتمع فيه العديد من العناصر الشريفة التي تبذل قصارى جهدها في تطبيق القانون، وتتعرض للمعاناة التي تصل إلى القذف والاتهام كونها عناصر تؤمن بالمسؤولية الملقاة على عاتقها. إن مقاومة الفساد مراحلها عديدة وطويلة، ولن تنتهي إلا باستعداد المجتمع لقهر هذه الظاهرة.

قد يتبادر إلى ذهن القارئ أننا نتحدث عن الظاهرة بصورة عامة ولم نتطرق إلى حالة معينة، وللرد على ذلك نود القول إن الظواهر ماثلة أمامنا ونعايشها يومياً في العديد من نشاطات الحياة اليومية وليست خافية على أحد إلا على من ارتضى لنفسه أن يغمض عينيه. ولكون الظاهرة موجودة فإننا نلاحظ متابعات يومية من قبل جهات مختلفة الغرض منها ظاهريا عدم السماح بمخالفة القوانين من قبل بعض أفراد المجتمع، وذلك أمر جيد، ولكن ما نستغربه هو استمرار هذه المخالفات وكأن المتابعة كانت بغرض تثبيتها.

علينا أن نعي أن الفساد لا يمتلك قاعدة واسعة وممارسيه مجموعات بشرية منتشرة في مواقع مختلفة لا يشكلون إلا نسبة مئوية لا تذكر إذا ما قورنت بعدد المتضررين من شر هذا الفساد في هذا البلد الطيب شعبه، السؤال المهم الذي يفترض الإجابة عنه.. هل نستطيع مقاومة هذه الظاهرة والتغلب عليها أم أن الفساد حمى ضنك أخرى يستعصي علاجها؟

الفساد آفة اجتماعية يعاقب عليها القانون، أما الإكراميات فلا يعاقب عليها إذا سلكت الطريق المتعارف عليه.. وهو أن تقدم مكافأة لمن يقوم بإنجاز عمل معين لا يتعارض مع القانون، ولا نعتقد أن الرجوع للأسلوب الصحيح في الحصول على الإكراميات مقابل القيام بالواجب والمحافظة على القانون سيفقد الإنسان كرامته، وإنما ستظل كرامته محفوظة وستعلو مكانته في نظر الآخرين، لأنه لم يخالف القانون مقابل رشوة تؤخذ بالتهديد.

من النماذج اللافتة للنظر أنني شاهدت جندي مرور يقوم بواجبه في إرشاد سائقي السيارات عبر حركات لطيفة تشد انتباه السائق نالت إعجاب كل من شاهده، ولا أظن أن هذا النموذج لا يستحق التقدير والإعجاب وأيضاً الإكراميات الطوعية السخية.

إن هذا النموذج من الأفراد عندما يوجد في المرافق والمؤسسات ذات الصلة بالمواطنين حتماً سيتبدل الحال وستنجز الأعمال بصورة نظامية وستتحقق مصالح الجميع إذا استطعنا أن نقلل من المضايقات التي يتعرض لها المواطن، فإن ذلك سيقودنا إلى محاولة مواجهة الظواهر الأكثر تعقيداً.

إن المكافآت والإكراميات التي نتحدث عنها ليست دعوة لتشريع جزء من ظاهرة الفساد، وإنما هي محاولة للقضاء على الرشوة التي يعاقب عليها القانون، وإن الله سبحانه وتعالى لعن الراشي والمرتشي. ولا نريد أن نكون ممن تجوز عليهم اللعنة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى