في قانون الضريبة العامة على المبيعات...وللمستهلكين بالتعديلات مطلب

> «الأيام» د. محمد عمر باناجه:

> عندما احتدم الجدل حول قانون الضريبة العامة على المبيعات بين قطاع الحكومة ممثلاً بمصلحة الضرائب وقطاع الأعمال ممثلاً بالغرف التجارية، وأضحى القانون بين مفترق طرق، كنت قد أدليت بدلوي في خضم ذلك الجدل بمقال نشر بصحيفة «الأيام» بتاريخ 14 أبريل 2005م، قدمت فيه قراءة (متواضعة) مغايرة لطروحتي الطرفين ضمنتها عدداً من المقترحات - لاقى بعض منها نصيبه في التعديلات التي جرت مؤخراً على القانون - واختتمت خلاصة قراءتي بالقول: «إن المطلوب اليوم من الجميع اللجوء إلى الحوار الموضوعي المسؤول لمقاربة وجهات النظر حول موضوع الضريبة بهدف إيجاد الحل الملائم الذي يستقيم على قاعدة لا ضرر ولا ضرار، بحيث لا يحيق الضرر بالمستهلكين وقطاع الأعمال، وبالوقت ذاته لا يبخس الدولة حقها، والأهم من كل ذلك أن يدفع بالاقتصاد اليمني نحو الانتعاش والنمو».

وبالفعل كان الحوار الموضوعي المسؤول - هذه المرة- هو ديدن طرفي الخلاف، وإن كان قد تم بينهما ليس وجهاً لوجه - كما هو حال الحوار دائماً- ولكنه تم عبر الوسائط المؤسسية المعنية بحسم الخلاف، المحكمة الدستورية من جهة الغرف التجارية، عندما تقدمت بالطعن بعدم دستورية عدد من مواد القانون، ومجلس النواب من جهة الحكومة عند تقدمت بالتعديلات لعدد من مواد القانون.

ونحن إذ نقدر عاليا الأسلوب الحضاري الذي لجأت إليه الغرف التجارية في حسم خلافها مع الحكومة، نقدر في الوقت ذاته التعاطي العقلاني من قبل الحكومة مع المشكلة عندما اختارت نهج مقاربة وجهات النظر، والقبول ببعض مطالب قطاع الأعمال، والذي توجه الرئيس برعايته للقاء ضم ممثلي الطرفين للغرض ذاته.

إن الأسلوب الحضاري الذي استخدمه الطرفان في إدارة الخلاف بينهما، كان يمكن له أن يكون سابقة في هذا المضمار، وتعبيراً مجسداً - بحق - للحكمة اليمانية، لو أن التعديلات التي قدمتها الحكومة بصيغتها الأولية، أو التي أقرها مجلس النواب بصيغتها النهائية قد راعت مصالح ليس فقط طرفي الخلاف بل كل الأطراف الثلاثة ذات العلاقة بضريبة المبيعات: الطرف الأول مصلحة الضرائب (جابية الضريبة)، الطرف الثاني قطاع الأعمال (ناقل عبء الضريبة - الوسيط) والطرف الثالث - وهو الأهم - المستهلكون (مملولو الضريبة).

فإذا كان قطاع الأعمال الذي يمثل جانب العرض في المعطى الاقتصادي، عنصراً من عناصر تكوين الناتج المحلي، فإن المستهلكين الذين يمثلون جانب الطلب في نفس المعطى، عنصر من عناصر الإنفاق على الناتج المحلي، وبدون الطلب لا حاجة - أصلا- للعرض، لأن السلع ستظل مكدسة على رفوف المتاجر وفي المخازن.

إذاً، إن كانت الحكومة تهدف إلى إنعاش الاقتصاد اليمني من خلال الإصلاحات الضريبية نحو إيجاد المقومات الضرورية لنموه المستدام، فإن المنطق الاقتصادي يفرض عليها أن تضع المستهلك في بؤرة استهدافها. وهكذا - أيضاً- فهمنا ذلك من كلمة رئيس الجمهورية التي ألقاها في اللقاء المشترك الذي ضم ممثلي الحكومة وقطاع الأعمال، عند إشارته إلى «حرص الدولة على تحقيق مصلحة المستهلكين بالدرجة الأولى».

بيد أن التعديلات، عند التحليل النهائي لأثرها الإيجابي على كل أطراف العلاقة بالضريبة، بدت وكأنها قد جيرت لاسترضاء التجار بغرض دفعهم إلى سحب الدعوة التي رفعوها إلى المحكمة الدستورية على حساب المستهلكين، الأمر الذي أخل بقاعدة التوازن في المصالح بين كل الأطراف (لا ضرر ولا ضرار)، التي كنا نروم أن تكون أساس الحل الملائم لكلالأطراف بتنفيذ القانون.

إن قيام الحكومة اليمنية بتخفيض معدل الضريبة من 10% إلى 5%، وتخفيض معدل الضريبة للقيمة المضافة (يتحملها التجار) إلى 3%، كان استجابة منطقية لمقتضيات المعطى الاقتصادي الراهن أكان على صعيد الاقتصاد الكلي أم على صعيد الظروف الاقتصادية للأسرة اليمنية. بيد أن استكثارها تحمل كلفة تبعات هذا التخفيض، وتحميلها المستهلك بربطها هذا الإجراء بإلغاء الإعفاء من الضريبة على السلع التي تضمنها الجدول المرفق بالقانون رقم (19) لعام 2001م، والاكتفاء بإعفاء 4 سلع، جعل الحكومة تبدو وكأنها أشبه بذاك الذي يعطي شيئاً بيده اليمنى ويأخذ أضعافه بيده اليسرى.

ونحن المستهلكون، إذا ما خيرنا بين تخفيض معدل الضريبة من 10% إلى 8 % مثلا، مع عدم المساس بجدول السلع المعفاة من الضريبة، وبين ما أقدمت عليه الحكومة من تعديل لاخترنا دون أدنى تردد الخيار الأول، لأن الغالبية العظمى من السكان قدراتهم الشرائية متدنية، وسلة السلع التي ينفقون عليها لا تحتوي إلا على عدد السلع المعافاة بالقانون - قبل التعديل الذي لم يصدر بعد من قبل رئيس الجمهورية وفق الدستور- فالسلع التي تم إلغاء إعفاء الضريبة عليها هي من السلع الاستهلاكية الضرورية التي تتصف مرونة الطلب عليها بدرجة متدنية، إن لم تكن منعدمة عند بعض منها. الأمر الذي يضيف أعباء إضافية على المستهلكين الذين لا يتعاطون مع غيرها من السلع التي تتصف مرونة الطلب عليها بدرجة عالية (السلع الترفيهية والكمالية).

فإن كان- حقيقة - تحرص الدولة على تحقيق مصلحة المستهلك بالدرجة الأولى، فالأمر يقتضي منها توسيع قائمة السلع المعفاة من الضريبة، إن لم يكن إلى 47 سلعة كما ورد في القانون فعلى الأقل إلى نصفها.

وفي هذه الحالة فقط- دون غيرها - يمكن أن يشعر المستهلكون أن الدولة تحرص على تحقيق مصلحتهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى