نهاية هادئة لقطار لورانس العرب

> «الأيام» رويترز :

> في مطلع القرن الماضي كان أكبر تهديد تواجهه سكك حديد الحجاز هو البريطاني توماس ادوارد لورانس ومجموعة المتمردين العرب راكبي الجمال التي قادها والتي كانت تخرب الخط الحديدي لشن هجمات على القطارات التي تحمل الجنود الاتراك.

واليوم اصبح عدم اقبال الركاب على استخدام القطار بعد تحسن حالة الطرق السريعة يهدد بتوقف خط سكك حديد الحجاز الى الابد في نهاية هادئة لقطار احتل مكانا في الخيال الشعبي بفضل انتصارات لورانس العسكرية التي تحولت فيما بعد الى فيلم سينمائي بعنوان "لورانس العرب".

وذات صباح قبل بضعة ايام لم يزد عدد ركاب القطار على اربعة في رحلته بين عمان ودمشق مرورا بصحراء الاردن ووديان سوريا الخضراء وهي المسافة الوحيدة التي ما زال الخط الحديدي يعمل بها.

وتستغرق الرحلة التي تبلغ مسافتها 175 كيلومترا ساعتين ونصف الساعة بالسيارة. لكنها قد تستغرق بين سبع وعشر ساعات بقطار الحجاز الذي تمتد فترات توقفه في المحطات طويلا كما يضطر للتوقف احيانا في منتصف الطريق انتظارا لعبور قطيع من الماعز او لان احد المشردين نام على الخط الحديدي.

بنى الاتراك العثمانيون خط سكك حديد الحجاز في مطلع القرن العشرين في العصر الذهبي للقطارات وكان طوله يبلغ 1300 كيلومتر بين دمشق والمدينة المنورة لنقل الحجاج والقوات التركية الى الاقاليم العربية المتمردة على الحكم العثماني.

ولم يعد السفر بقطار سكك حديد الحجاز ممتعا في الوقت الحاضر.فالاتربة تتسرب من نوافذ عرباته ومقاعده تمزقت واسراب الذباب تتدفق الى داخله. كما لا يزيد مرحاض القطار على فتحة في ارضية غرفة ضيقة.

لكن المسافر في هذه الرحلة يحظى ايضا بمشهد رائع لحياة الصحراء التي يقطعها القطار متمهلا بسرعة لا تزيد على 40 كيلومترا في الساعة.

ويرى المسافر قطعان الاغنام ترعى على تلال قاحلة بصحبة رعاة من البدو واطفالا يندفعون الى خارج خيام منصوبة بالقرب من الخط الحديدي ليلوحوا بايديهم للركاب.

وفي منطقة حوران بسوريا تختفي الصحراء لتحل محلها حقول يزينها اللون الذهبي لسنابل القمح وتنتشر فيها حدائق مزورعة بالبطيخ بجوار قرى تعلو فيها مآذن المساجد وابراج الكنائس الارثوذكسية.

وكانت قطارات خط سكك حديد الحجاز في اوج مجدها تنقل الاف الحجاج الى بيت الله الحرام كل عام. واليوم اصبح معظم ركاب الخط من السكان المحليين وبعض الاجانب المولعين بالقطارات القديمة والباحثين عن الغرائب.

وعلى جانب الخط الحديدي ترى بين الحين والاخر ساحات تقف فيها قاطرات بخارية قديمة صدئة صنعت في المانيا او بلجيكا وتعلو ابراج خزانات المياه محطات الخط المبنية على الطراز العثماني والتي ما زالت تدق فيها الاجراس لاعلان اقلاع القطار.

وقال ابو زبدي العامل الفني البالغ من العمر 79 عاما الذي يعمل في سكك حديد الحجاز منذ 40 عاما "كان الناس يسافرون بالقطار. لكن الركاب اختفوا بعد مجيء السيارات والطرق السريعة."

ويقول ابو زبدي انه يعرف كل واحدة من عربات القطار كما يعرف ابناءه الثمانية. وفي كل مرة يتوقف القطار يقفز منه ابو زبدي ليفحص العجلات والمحاور وووصلات الربط.

وقال العامل المخضرم في فخر "بعض هذه العربات عمره 100 عام لكنها تسير مثل اول يوم لها."

وفي مدينة الزرقا الصناعية شمالي العاصمة عمان توقف القطار فجأة حيث كان احد المشردين نائما على الخط الحديدي. واقتاد الشرطة الرجل الذي كان مخمورا فيما يبدو الى داخل القطار بعد ان وضعوا الاصفاد الحديدية في يديه.

وقرب الحدود السورية امتلات احدى عربات القطار بعدد من تلاميذ المدارس بصحبة نساء متشحات بالسواد. وتصاعدت في العربة رائحة ارغفة الخبز اثناء تناول الاطفال وجبة الغداء فيما راح اثنان من عمال القطار يمران على الركاب ويعرضان عليهم اقداحا خزفية صغيرة مليئة بالقهوة.

وقال راكب في منتصف العمر كان يقف بجوار الحاجز الحديدي خارج عربة القطار فيما كانت القاطرة التي تعمل بوقود الديزل تتهادى الى مدينة درعا السورية "انا ذاهب الى دمشق لزيارة اقاربي. السيارات اسرع لكني هنا استمتع بالمناظر."

وتحدث لورانس في كتابه "اعمدة الحكمة السبعة" عن العاصمة السورية دمشق بعد ان دخلتها القوات العربية في اعقاب تحريرها ليصف "الحدائق التي يلفها الصمت ويغلف خضرتها ضباب النهر الذي تبرق المدينة في احضانه,جميلة كعهدها دائما مثل لؤلؤة في ضوء الشمس."

لكن المسافر اصبح اليوم يرى لدى وصوله الى مشارف دمشق في قطار الحجاز مخيما للاجئين الفلسطينيين تعلوه القذارة وتتصاعد منه الضوضاء ومستودعا للقمامة يمتد عدة اميال.

وكان بناء خط سكك حديد الحجاز مشروعا هندسيا ضخما. وشارك في بنائه نحو ستة الاف جندي تركي معظمهم من المجندين تعاقبت عليهم هجمات القبائل ووباء الكوليرا والفيضانات التي كانت تجرف التربة الرملية في فصل الشتاء.

وافتتح الخط عام 1908 معلنا نهاية قوافل الجمال التي كانت تقل الحجيج على مدى شهرين من دمشق الى المدينة المنورة وليختصر مدة الرحلة الى ثلاثة ايام بالقطار الذي كان مزودا بعربات فاخرة مخصصة للسلطان وحاشيته.

وكان العرب الذي يسعون للاستقلال عن الدولة العثمانية بقيادة ضابط المخابرات البريطاني توماس ادوارد لورانس يشنون هجمات تخريبية على خط الحجاز.

وحاول الاردن في اطار مساعيه لتنمية الحركة السياحية الى احياء خط سكك حديد الحجاز بتسيير عربات تشبه عربات القطار القديم ايام لورانس. لكن طول مدة الرحلة جعل السياح حتى الشبان الفقراء الذين يحملون متاعهم في حقائب على الظهر يعزفون عنها. كما يقول مسؤولون ان الاضطرابات التي تشهدها المنطقة جعلت الزائرين يتجنبونها.

وتقلص عدد الرحلات بين عمان ودمشق الى رحلتين اسبوعيا نتيجة قلة الاقبال بعد كانت اربع رحلات في الاسبوع.

وقال ابو زبدي انه لا يعرف الى متى سيستمر خط الحجاز في العمل لكنه سيواصل عمله فيه الى آخر يوم في حياته. واضاف "كان القطار مصدر رزقي طوال اعوام. خط الحجاز هو بيتي."

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى