مع الأيــام...عشنا وشُفنا يا أهل الطب العشبي

> علي محمد يحيى:

>
علي محمد يحيى
علي محمد يحيى
في بدايات مرحلة الوحدة المباركة، كنت قد عُينت مديراً عاماً للإعلام بمكتب وزير الصحة، وكان حينها الوزير د. محمد علي مقبل، الوزير الطبيب المثقف، وكنت أقابل بحكم عملي بمكتب الوزير أدعياء في الطب كثيرين، يطلبون ويلحون على مقابلة وزير الصحة ليعرضوا عليه اكتشافاتهم الإعجازية في الطب والدواء، فمنهم من يدعي اكتشافه الجديد والسباق في علاج مرض نقص المناعة (الإيدز) وآخر يدعي اكتشافه القاطع النافع للسرطان بكل أنواعه وأشكاله (وبالجملة)، وكذلك هناك من كان يدعي أنه قد توصل إلى علاج (سحري) شامل يعالج كل الأمراض - وبلا حدود - وكان الكل يصر ويؤكد أن اكتشافه هو الأول من نوعه في العالم، وأن كلاً منهم قد أجرى اختباراته على دوائه الفعال - وفقاً للإجراءات والقياسات العالمية في تركيب الدواء - مع أن لا أحد منهم يحمل شهادة في الطب أو الصيدلة أو من معهد تمريض على الأقل، ولا يجيد القراءة والكتابة بلغته العربية، ناهيك عن اللغات الأجنبية للأغراض المرجعية. وعندما كان الوزير يتعرض إلى ضغوطهم اللحوحة للاستماع إليهم كي يعرضوا عليه اكتشافاتهم، فما كان منه إلاّ أن يدعو بعض المتطوعين من الاختصاصين في الطب والصيدلة لمنازلتهم، وليستمعوا إلى دفاعاتهم عن تلك الاكتشافات العظيمة. وما هي إلاّ لحظات من حين خضوعهم لاختبار المكاشفة حتى ينكشف زيفهم وتتلعثم ألسنتهم وتصفر وجوههم، فلا يجدون بعد ذلك إلاّ أن يولوا الأدبار.

وقبل عام مضى تقريباً، وللأسف.. وزعت نشرات إعلانية في بلادنا وفي مرافقنا الصحية والتعليمية الصحية أقرب في شكلها إلى المجلة المطبوعة الملونة، تفيد بأن طبيباً عربياً إعجازياً والمقيم في البلد العربي الفلاني، يملك علاجاً فريداً - كومبلكس - (أي دواء مجموع) يشفي من كل الأمراض، وفي تلك النشرات شهادات لمن تم علاجهم. والغريب أن معظمها لعلماء كبار في الطب - كما جاء على لسان تلك النشرات - وأنهم قد تلقوا العلاج بالدواء (..) الذي لا يعلى عليه، بواسطة ذلك الطبيب العربي. وكنا نتمنى لو أن تلك الشهادات قد ذُيلت بعناوينهم وأرقام هواتفهم لتطمئن نفوس من يطلب العلاج من المرضى الجدد، وليتأكدوا من صحة تلك الشهادات وذلك الدواء الذي يشفي كل داء. ولا أعلم كم انخدع به من أهل اليمن.

وقبل أيام التقطت من أمام منزلي (بروشراً) إعلانياً مفاده أن الدكتور (س) الذي لم يتخرج في أي كلية طب أو صيدلة في الداخل أو الخارج، وليس له أي علاقة بعلوم الطب أو غيرها لا من قريب أو بعيد، باستطاعته وبتمكن معالجة ما يزيد عن الخمسين داء من أدواء العصر، ومن أهمها سرطان الدم وفيروس الكبد البائي، وهما من الأمراض المستعصي علاجها الناجع حتى يومنا هذا.

والمضحك المبكي أن بينهم من يصر على أنه (الدكتور) الذي لم تعرف قدماه الطريق إلى الجامعة، ولكنه عُرف بطبه (..) في كل أنحاء الوطن والعالم العربي.. ويحذر الناس في الوقت ذاته من مغبة أن يقعوا في براثن الأدعياء أو ممن ينتحلون شخصيته أو صفة أقاربه أو أشقائه، فيسيئون إلى سمعته. والأدهى أنه كما وقع من هؤلاء الأدعياء في مواجهاتهم مع اختصاصي وزارة الصحة وأمام وزيرها الدكتور الشيباني، وقع الآخرون ممن كابر مغالياً في مواجهاتهم على شاشات التلفزيون، أمام نخب من ذوي الكفاءات في علوم الطب والدواء، ومع كل ذلك فما زالوا يناطحون الواقع باسم الأعشاب الطبية وتحت مظلتها.. وعشنا وشفنا!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى