كفاية إرهاب

> عبود الشعبي:

>
عبود الشعبي
عبود الشعبي
بقيت مدينة الضباب، من بين مدن العالم، تزهو مضيافة لا ترد الذاهبين إليها، بل تحتفي بالمسافر، والمفارق الذي ربما ضاقت عليه أرض وطنه، فيمّم نحو المدينة المترعة بحب ضيوفها .. لندن القريبة إلى نفوس العرب، يرون فيها فضاءات يبعثون خلالها أشجانهم، ويصدعون بالكلمة أكبر من «حُرة»، لأن المدينة ملاذ طلاب الحرية الذين صعقتهم «أسلاك» المسرح السياسي، الذي ينافس في حصار الرأي وتكسير الأقلام، بل يرخي فوق رؤوس المخالفين رداء الخوف.. حتى يقبلوا بالخروج، والسوح في الأرض الواسعة.. لأن مثل تيك أرض ليست بملكنا.. بينما لندن تحضن القادمين، وتفسح للملهوفين، لا تعرف الرد ولا الصد، لأن قلبها صيغ على الاستقبال، وحسن الوفادة للقادم من بعيد.. تشعره أنها مثل وطنه، وهو المسكون بحب الوطن يراها أوسع في الرحابة وأندى في الاستراحة.

أما أولئك القتلة الذين يريدون إرهاب المدينة، وينتسب بعضهم للقاعدة كما يصرحون أو «الجهاد» وهو منهم بعيد، فإنا نخبرهم إن كان هذا انتماءهم فإن المسلمين الذين يتفيأون ظلال المدينة «الودود» ليسوا لهم «قواعد»، ولن يكونوا ظهيراً لفرق توزع «القتل» تارة فوق الأرض وحيناً تحتها.. حتى السماء لم تنجُ من حماقاتهم.

إن المسلمين في بريطانيا إنما ينتمون لدين العدل والسلام.. إنهم يدركون ماذا يعني انتماؤهم للإسلام؟! وإذاً يصيبهم ما أصاب أصدقاءهم بحسب {إنما المؤمنون إخوة} ولذا لا ثمرة يجنيها أولئك المسكونون برائحة القتل، إلاّ حرمان المسلمين هناك من الهدوء، وإحراجهم.. إن الذين قضوا في جريمة «الأنفاق» أو جُرحوا أناس كان من حقهم أن ينعموا بالحياة الطبيعية.. لكن طلب القدر لهم كان من طريق ذلك القاتل «الوسيط»، الذي يتقن للأسف فنون الإماتة.. بينما الإسلام يأمر الناس في العالم أن يدخلوا في السلم كافة..وإذا ظن فقهاء «التفجيرات» أن أفعالهم تلك رد على سياسة بلير تجاه العراق، فإن سكان المدينة دعاة سلام، فلقد هتفوا وتظاهروا إلى درجة رفعهم صورا لبلير مخزية، تجعله بمنزله التابع الذليل الذي لا يتورع أن يخضع وأن يستكين أمام رغبات بوش ونزواته.. وربما أن بعض الذين قتلوا في تلك الأنفاق كانوا من الذين بحت حناجرهم مطالبين بتنحي بلير أو إسقاط حكومته، وليس يقع عليهم وزر سياسات حكوماتهم إذا رضيت بالحيف أو لجأت للحرب. وإذاً ليس من منصف في بلاد العرب والمسلمين إلاّ ويدرك كم كانت بريطانيا أرضاً مفتوحة للعاكف والبادي. ويرتحل اليها كل مضطرب جائر ليطمئن على عقيدته ومبادئه، حتى المعارضون لأنظمتهم حطوا رحالهم على ظهرها، فأعطتهم من الحرية ما يجعلهم يحيون بكرامة، وقد فقدوا ذلك من قبل. وليس من قبيل أهل الوفاء أن يجحدوا تلك الأفضال، بل حري أن يردوا الوفاء بمثله وأن يتهادوا في صناعة الجميل... إن قيم التسامح في بلد الإنجليز لم تفسح المكان للقوميين فحسب لممارسة أنشطتهم، ولكن فسحته أيضاً للإسلاميين «إخواناً» كانوا أم «سُنّة» وفتحت مكاتب ومراكز لإصداراتهم ساهمت بفاعلية في خلق وعي جديد يتسق مع مساحة الحرية المكفولة ويكفي القارئ العربي الذي كان يحس بكثافة كم كان بعيداً عن قضايا أمته، وهو يقرأ كتابات عبدالباري عطوان، وجهاد الخازن وفهمي هويدي.. أما نحن أهل اليمن فما نسينا أن الداعية عمرو خالد عندما وصل إلينا كان قادماً من لندن بريطانيا.. فلا نامت أعين القتلة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى