لاصق

> محمد سالم قطن:

>
محمد سالم قطن
محمد سالم قطن
لقد نجحت إدارات المرور عندنا (يسمونها في بلدان أخرى إدارات السير) في إزالة الكثير من لواصق السيارات مؤخراً، وكانت في هذه الخطوة التي خطتها موفقة جداً، فاللواصق عادة ما تحجب الرؤية وتخلق العثرات.

اللاصق الذي نشير إليه في هذه العجالة يختلف كثيراً عن لواصق المركبات، وإن تسمى باسمها وتسبب مثلها في خلق الكوارث والعثرات. اللاصق الذي نعنيه هنا يمثل ظاهرة معروفة تتفاوت في مقادير حدّتها ودرجات تأثيرها من مرفق إلى آخر من مرافق الدولة، ومن ديوان إلى ديوان آخر من دواوين العمل ومكاتب الإدارات.

إنها حالة أو ظاهرة تشبه ما يعرف في الأدبيات بـ (البطانة)، وإن كان البعض يفضل أن تحصر (البطانة) أو (البطانات) باللواصق الخاصة بعلّية القوم من كبار المسؤولين وأضرابهم. حيث ينظر كلّ منهم بعيون (بطانته) ويسمع عبر آذانها، كما يقرر أخيراً ما تمليه إرادتها.

ولهذا لعبت «البطانات» في كل أدوار التاريخ الأدوار الحاسمة في إقامة الدولة وترسيخ الممالك تارة، كما لعبت أيضاً الأدوار الحاسمة ذاتها في إسقاطها وفي «بهدلة» الكثير من الأمم والشعوب تيراً أخرى.

أما اللاصق الذي نحن بصدده، فهو الظاهرة الأكثر بين المسؤولين الأقل درجة. وتجده يتشبث بالمدير أو المسؤول تشبث ديدان الانكلستوما بجدران أمعاء عائلها. لكنه، وفي أحوال عديدة، يختلف مساراً ومصيراً عن القدر المحتوم الذي يؤول إليه الحال أخيراً بهذه الدودة الصغيرة من الطفيليات.

فالدودة تعرف أنها دودة وأنها طفيلية تعيش على حساب عائلها طوراً معيناً من أطوار حياتها، بينما اللاصق لا يعترف بهذه الخصوصية الطفيلية لنفسه، ولكنه يتقمص لحالته عشرات الأدوار ومئات المهام والوظائف ويتدخل في صميم عمل رئيسه بعنجهية أكبر ومساحة أعرض.

لقد حاولت العديد من الدراسات النفسية والاجتماعية أن تتناول بالتحليل إشكالية اللواصق البشرية في عدد من مرافق الخدمة العامة والمكاتب الحكومية، وعلى الرغم من أن هذه الدراسات قد نجحت في تعرية هذه الظاهرة بحسبانها إحدى ظواهر البيروقراطية الصغيرة في البلدان المتخلفة، وأنها تشكل حيزاً ضمن فضاءات الفساد المالي والإداري بمظاهره وظواهره المتعددة، إلا أنها - أي هذه الدراسات - لم تقدم في تحليلاتها أية منهجية إصلاحية متوقعة تحد من تنفذات اللواصق غير المشروعة حفاظاً على شفافية الأداء الإداري العام، وتوفيراً لكثير من الجهود الضائعة بين عبث العابثين وسطوة المتنفذين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى