عشوائية واستنساخ قانون الوظائف والأجور

> نادر عبدالقدوس عبدالخالق:

> لست أول من يتطرق إلى تحليل أو نقد لقانون الأجور والوظائف الجديد، فقد سبقني إلى ذلك العديد من الشخصيات المتخصصة في هذا الجانب وفي مقدمتهم الأستاذ باشراحيل والزميل د. عمر باناجة وغيرهما. إلاّ أني في هذا المحتوى البسيط وددت أن أدلي بدلوي، كما يقولون وبكل تواضع، فيما لم يتطرق إليه غيري سائلاً المولى عز وجل الإفادة والاستفادة.

إن هذا القانون أصبح متعارضاً مع ما جاء في الباب الثالث من القانون رقم (19) لسنة 1991م بشأن الخدمة المدنية تحت عنوان «نظام الوظائف والأجور» لكافة موظفي الدولة. وكان الأجدر أن يكون هناك نصاً صريحاً في القانون الجديد يلغي ما جاء في قانون الخدمة المدنية بهذا الشأن.. ومن هذا المنطلق ومن الفقرة (و) المادة (3) من القانون الجديد والتي تنص على أن القانون يهدف إلى تحديث وتبسيط الهيكلة الحالية وإزالة النواحي السلبية فيها مع المحافظة على سهولة وبساطة إدارتها.. فإذا ما أخذنا بالتحديث والتبسيط (المزعومين) سنجد أن لا تحديث ولا تبسيط قد جريا بالهيكل، فكل ما تم هو نقل نصوص بعض المواد الأساسية نقلاً آلياً من قانون الخدمة المدنية رقم 19 لعام 1991م إلى قانون الوظائف والأجور الجديد وتم التلاعب بالألفاظ والتعبيرات وبعض المصطلحات وزيادة في الديباجة وإضافة مواد أخرى لا دخل لها بإدارة النظام (أحكام عامة)، ويتمثل ذلك في جانبين أولهما قانوني والآخر تنظيمي إداري وهما على النحو التالي:

أولاً: الجانب القانوني
1- المادة رقم (8) نصت على كيفية «تقسيم كافة الوظائف في الخدمة العامة». وقد نقل هذا النص كاملاً وبالحرف الواحد من قانون الخدمة المدنية من المادتين رقم (16، 15) والمعنونتين بأسس تقسيم الوظائف.

والشيء ذاته يتكرر في الباب الرابع الفصل الثاني تحت عنوان «نظام الأجور» في المادتين (11، 12) مع إضافة البند(3) للمادة (12) التي أعطت تعريفاً عن الدرجة، حيث نقلتا نصاً من المادتين رقم (19، 20) من قانون الخدمة المدنية، مع العلم أن المشرع هنا لم يوفق في تفريقه بين الفئة والدرجة ولم يوضح كم من الدرجات تدخل في إطار الفئة الواحدة سواء في القانون المذكور أم في جدول الوظائف والأجور.

2- بالنسبة للترقية والترفيع فقد مزج المشرع في معانيهما ولم يوفق تماماً في صياغته القانونية أو يضف لهما أي جديد، بل على العكس أعطاهما معنىً ناقصاً حيث نقل المواد المختصة بالترفيع من قانون الخدمة المدنية إلى القانون الجديد نقلا حرفياً إلى مواده رقم (13، 14، 15، 16) . أما الخطأ الذي ارتكبه المشرع هو في تعريفه للترقية، فلم يكن دقيقاً في المعلومات المتوافرة عنها، ليس هذا فحسب وإنما لم يذكر الشروط الواجب توافرها لاستحقاقها. حتى العلاوة السنوية، التي تعتبر ترقية، لم يتطرق إلى شروط استحقاقها وبهذا يكون قد أعطى لإدارات المرافق تفويضاً كاملاً إما بمزاجية إحقاقها للموظف وربما حرمانه منها، أو الإلزامية بإحقاقها رغم أنفها. وعليه فإنه من غير الواضح لنا كيف ستسير الأمور، لا سيما وأن المادة رقم (22) من القانون الجديد قد نصت على «إلغاء جميع المواد الواردة في القوانين الخاصة والتشريعات والقرارات الجمهورية وقرارات مجلس الوزراء ومجالس الإدارات وغيرها من القرارات التي تنظم المرتبات والأجور والبدلات». أي بمعنى آخر عدم العمل بما جاء في هذا الشأن من قانون الخدمة المدنية واعتباره شيئاً من الماضي.

الجانب التنظيمي والإداري
لقد وقع المشرع أو حتى من صاغ هذا القانون في العديد من الأخطاء، التي إن دلت على شيء فإنما تدل على ضعف الإلمام ببعض القوانين الصادرة وفي مقدمتها «أبو القوانين» دستور الجمهورية اليمنية، وكذا عدم فقهه في علم الإدارة أو حتى مصطلحاتها وربما لم يستشر أياً من الاختصاصيين في هذا العلم وإلا لأفتوه خيراً مما وضع، وما يدل على ذلك هو التالي:

1- المادة رقم (31) من القانون الجديد نصت بالحرف ما يلي: «تصنف وظيفة عضو مجلس النواب بمستوى وظيفة عضو مجلس الوزراء، ويمنح عضو مجلس النواب بعد انتهاء عضويته بالمجلس راتب وبدلات ومزايا الوزير الذي ترك الوزارة وتصرف هذه المستحقات ابتداءً من الشهر التالي لنهاية عضويته». هنا لم يكن المشرع دقيقاً في اختيار المصطلح المناسب لمكانة عضو مجلس النواب، فقط صنفه موظفاً لدى الدولة أو الحكومة ونسي أو تناسى أن مجلس النواب بذاته سلطة تشريعية وليس هيئة حكومية، وأعضاؤه ليسوا موظفين مع أي جهة. فالمادة (62) من الدستور توضح أن مجلس النواب سلطة تشريعية للدولة وأعضاءه يمثلون كافة فئات الشعب. كما نصت المادة (75): «إن عضو مجلس النواب يمثل الشعب بكامله ويرعى المصلحة العامة ولا يقيد نيابته قيد أو شرط»، ولم تذكر هذه المادة أنه موظف، كما نصت المادة (77) من الدستور على أن أعضاء مجلس النواب يتقاضون مكافأة عادلة قد حددها القانون، والتي لا يستحقها رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء إذا كانوا أعضاءً في مجلس النواب.» وهذا دليل كافٍ على أنهم ليسوا موظفين. فالدستور قد أورد كلمة «مكافأة» وليس راتباً أو أجراً مثلما حددها لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ونوابه والوزراء في مادته رقم (117)، كما أن الراتب والبدلات لا تعطى إلاّ مقابل عمل يؤديه الفرد في المجتمع.

2- لم يعط المشرع تفصيلاً أو تحديداً دقيقاً لمجموعة الوظائف التخصصية في الفقرة (ج) من المادة (9)، حيث جعلها مترامية الأطراف لا حدود لها، ثم ضمها إلى المادة رقم (10) التي تقسم كافة وظائف الخدمة العامة إلى مستويات ودرجات وحددها في البند (2) المستوى الأول الذي يضم وظائف الإدارة العليا والبند (3) المستوى الثاني الذي يضم الوظائف الإدارية والإشرافية والبند (4) المستوى الثالث الذي يضم الوظائف التخصصية الأدنى. وباختصار شديد لم يحدد مواقع الوظائف التخصصية في صدر الهيكل كبقية الوظائف المحددة كما أنه لم يوضح نوعية العلاقة بينها وبين الوظائف الإدارية الأخرى في تلك المستويات، والأهم من ذلك أنه لم يورد ذكراً كيف ومتى وعلى أية أسس وشروط يسمى الفرد الموظف كبير اختصاصيين أو اختصاصياً أو اختصاصياً مساعداً.

3- المادة رقم (10) نصت على التالي: تقسم كافة وظائف الخدمة العامة من حيث الأهمية النسبية العامة إلى مستويات ودرجات...إلخ» إن الجملة المبهمة في هذه المادة هي (من حيث الأهمية النسبية العامة) وغير المعلوم هنا القصد من «الأهمية النسبية العامة»، وهل وضعها المشرع كمصطلح قانوني أو إداري أو مصطلح رياضي نسبة إلى «نظرية النسبية» لإينشتاين؟ بل إن المسألة أصبحت رمي مصطلحات غريبة هنا وهناك دون معنى. إن هذه المادة لم تحدد الهدف المرجو منها، وكان من المفترض أن تضم التقسيمات الوظيفية ومواقعها في المستويات المذكورة وإظهار وتعيين الدرجات المناسبة لها مرفقة معها الوظائف التخصصية حتى يكون من السهل تطبيق مادة رقم (11) من نفس القانون المختصة بنظام الأجور وكذا لتسهيل أحكام وقواعد النقل من الهيكل السابق إلى الهيكل العام الجديد والمذكور في الباب الخامس منه، على الرغم من أن المشرع قد أسقط الأسس الرئيسية التي في ضوئها ستتم عملية النقل، إلاّ أن هذه المسألة الحساسة والهامة لم تأت كما هو مفترض ضمن القانون وإنما جاءت بشكل عفوي وعابر على لسان وزير الخدمة المدنية في حديث صحفي وذلك بقسمة سنوات الخدمة على أربعة وإضافة الناتج كعلاوات الى المربوط الأول لموقع الموظف (الدرجة) وبذلك يتم تحديد المرتبة والراتب الأساسي له. ومن دون شك أنه في هذه الحالة قد تم اختزال خدمات الموظف الطويلة والغنية بالخبرات التي لا تعوض إلى علاوات لا تزيد في معظمها عن عدد أصابع اليد الواحدة، وهذا هو الظلم بعينه. إلاّ أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا القسمة كانت على أربعة وعلى أي أساس علمي حسابي يمكن تبريرها؟ وماذا إذا ما قسمت على اثنين «في حالة أن المسألة مزاجية وليست قانوناً» حتى أن معظم الموظفين، فيما إذا قسمت على اثنين مثلاً، سيوضعون عند منتصف جدول الأجور، وعند الإحالة إلى المعاش سيكونون في ذات الوقت تقريباً قد وصلوا إلى آخر مرتبة من الجدول .. فما رأي الأخ الوزير؟!

ماجستير في العلوم الاقتصادية- استشاري تنظيم الادارة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى