نجوم عدن..علي محسن المريسي

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
علي محسن.. تشا تشا تشا.. علي محسن تشا تشا تشا.. كانت جماهير نادي الزمالك المصري قد صكت هذه الصرخة الداوية التي ترددها حناجر عشرات آلاف المعجبين في الملاعب ومعهم ملايين المتابعين في منازلهم ومقاهيهم ونواديهم خصيصاً لعلي محسن المريسي، ساحر الكرة الذي بهر مصر وتألق في سماء الرياضة نجماً لا ينسى حتى اليوم.

ومع ذلك فلقصة هذا الفتى الموهوب القادم من عدن إلى قاهرة المعز لدين الله وجه آخر أو قصة أخرى لم يكن أبطالها من عالم الرياضة حيث الجماهير العاشقة والأضواء المسلطة والشهرة التي تفتح كل الأبواب وتفرش البسط الحمراء للموهوبين، وإنما كان الأبطال هذه المرة من العالم السفلي حيث تحصى الانفاس وتلمع فلاشات آلات التصوير في الظلام، ثم يصار إلى حبك القصص والروايات وتقديم الضحايا قرابين على مذبح أي شيء ما عدا حيث ينبغي أن يتوجوا أو يرسلوا إلى عالم النسيان.

كان علي محسن قد أصبح «كابتن» فريق الزمالك العريق الذي أنشاته الارستقراطية المصرية في مقابل «الأهلي» الذي اعتُبر نادياً شعبياً، ولم يكن هناك ناد ثالث له وزن خارج الاثنين، وفي ذروة تألقه تحدثت الصحف المصرية التي أصبح من سماتها ترويج الرياضة في أوساط الشباب وعامة الناس، عما أسمته «مدرسة علي محسن» وهو الأمر الذي أثار لغطاً غير بريء، ولا يدري أحد كيف صور الأمر للمشير عبدالحكيم عامر رجل مصر القوي والمسؤول إضافة إلى مسؤولياته الجسيمة عن قطاع الرياضة، فأصدر قراراً بإيقاف علي محسن، ولم تكذب بعض الصحف خبراً، فنشرت صوراً خاصة جداً للكابتن قالت إنها «لليالي الحمراء» التي يقيمها لشباب النادي، وكان الأمر كله زوبعة في فنجان وحياة عادية مألوفة لشباب لامعين محاطين بالإعجاب، وقد كان للقرار وقع الصاعقة فهو بمثابة حكم بالإعدام من دون محاكمة ولكن .. من كان في الستينات قبل هزيمة 1967 يستطيع أن يقول للمشير: ثلث الثلاثة كام؟

ما علينا .. الكابتن كان قيمة في حد ذاته والجمهور المصري لم يصدق تلك التلفيقة الرخيصة وقد أغدق على «الكابتن» من الحب ما أنساه جانباً من الفاجعة، ولكنه أصبح كالسمكة خارج الماء، فعاد إلى عدن مع بشائر الاستقلال فلم يجد سوى الكلاشينكوفات تلعب بالرؤوس، فاتجه لتدريب فريق الصومال الوطني ولم يكن الحال أحسن حتى أصبح الناس هنا وهناك يقولون: جاء الاستعمار ورحل وجاء الاستقلال فمتى يرحل.

شهدت مباراة واحدة لعلي محسن حين لعب الزمالك مع «توتنهام» الإنجليزي، وكان يضم ستة من أبطال كأس العالم الذي حازته انجلترا عام 1966، ورغم أن الكابتن بدا مرهقاً حيث لعب شوطاً واحداً إلا أنه كان يقسم كأي موسيقار مرهف الحس. كان يلعب بعقله ويموسق بقدميه ويفتح عينيه العسليتين اللتين فتنتا النساء على الآخر ليحدد النقطة القاتلة التي يرسل اليها قذيفته، وكانت تأتيه الكرة من أعالي السماء فيمتصها بصدره لتستقر على قدميه ما بين غمضة عين وانتباهتها.. وقد قال كابتن توتنهام: علي محسن يمكن أن يصبح لاعباً عالمياً خطيراً.

التقيته كثيراً في عدن بعد أن عاد من الصومال: طفلاً بريئاً ممتلئاً بالحزن، وآخر لقاء معه كان في صنعاء في فندق رخيص؛ أخذ يكافح للاحتفاظ بنصف دجاجة أتى بها لعشائه فقد كانت عيون أصحابه تلتهمها في كيسها.

رحم الله الكابتن.. النجم الذي سيظل يلمع في سمائي اليمن ومصر رمزاً للموهبة وللمحبة وللتسامح.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى