عدن ثغر اليمن يا هؤلاء

> د محمد عمر باناجه:

> ما كان يعتبر في يوم ما ميزة وأفضلية لعدن تحول اليوم الى نقيضه. فمدينة عدن - ثغر اليمن - التي حباها الله دون غيرها من مناطق اليمن بالموقع الجغرافي ذي الميزة الدولية، والتي تمتعت اضافة الى الهبة الإلهية بخصوصيات كانت قد اكتسبتها بفعل الأثر الحضاري التراكمي الذي اغتنت به على الصعد الاقتصادية والثقافية والسياسية لم تعد اليوم كذلك!

ونحن -إذ نقول ذلك - لا نجتر الحديث عن دورها كعاصمة لدولة سابقة، فذلك أمر قد انتهى وقدمته عدن طواعية قربانا لوحدة اليمن أرضا وإنسانا، ولكننا نستحضر - للتذكير- الحديث عن مكانة عدن ودورها كما حددته اتفاقية الوحدة في 22 مايو 1990م والتي جعلت من عدن عاصمة اقتصادية وتجارية للوطن، انطلاقا من مميزاتها التي فرضت نفسها لاختيارها كذلك.

فهل نحن حقاً نعمل لعدن بقدر ما نتحدث عنها؟!

من خلال متابعتي للصحف المحلية خلال الأيام القليلة الماضية، وقفت مصعوقا ومتأملا في آن واحد أمام معلومتين، استفزتني فيهما أرقام، كنت ورب الكعبة أتمنى لو أنها خطأ طباعي، بيد أن ما تأكد لي لاحقا أنها أرقام صحيحة بدلالة تأكيد مصدرها. ومضمون المعلومتين الآتي:

- وظيفتان من الوظائف التعاقدية في قطاع التربية والتعليم تخصصان لعدن.

- 1.7 مليار ريال النفقات المخصصة من قبل المركز لعدن.

ولكي لا أحمّل المعلومتين أكثر مما تحملانه من دلالات، أقنعت نفسي في الحوار معها باستنتاجين، أولهما: أن الوظيفتين ما هما إلا في نطاق الوظائف التعاقدية، وأنه من دون شك هناك مخصص آخر لعدن من حساب الوظائف الدائمة للتربية والتعليم. ثانيهما: أن المبلغ المخصص كنفقات في موازنة عدن لعام 2006م رصد من الموارد المحلية لمجابهة مشاريع البرنامج الاستثماري المحلي.

وبافتراض أن ما اقنعت نفسي به من استنتاجات هو الحقيقة أصلا، ألا تظل تلك الأرقام مستفزة للمشاعر؟ خاصة بعد أن يتم تحويلها من أرقام صماء لا تعبر عن شيء إلى أرقام حية تعبر عن واقع لا يعكس على الإطلاق ما نتمناه لعدن، أو على أقل تقدير ما يمكن تقديمه من المتاح لعدن المعطاءة، التي ظلت وما فتئت تعطي أكثر مما تأخذ.

بغية الاقتراب من الحقيقة دعونا نتفق أولا أن الرأي الذي لا يستقيم على قاعدة المعلوماتية (الأرقام) لا يعتد به، لأن مبعثه في الغالب يكون القناعات الذاتية لصاحبه. وأن تصغير الرقم أو تكبيره (صغر أو كبر) ليس الحقيقة التي نسعى الى معرفتها بل مدى ملائمة ما يخصص من وظائف ونفقات لحاجة عدن وما ترفد به عدن ميزانية الدولة من موارد مالية.

ولنترك الأرقام بهذا الشأن تتحدث عن نفسها:

- إن نسبة العاملين بأجر من مجموع العاملين في قوة العمل اليمنية تبلغ على صعيد الجمهورية 63%. بينما العاملون بأجر إلى إجمالي العاملين من قوة العمل في محافظة عدن تزيد نسبتهم عن 80% أي أن أكثر من أربعة أخماس قوة العمل (العاملين) في عدن يعتمدون على الوظيفة بأجر كمصدر دخل لهم، ولا يملكون من عناصر الانتاج الا قوة عملهم.

- انحفضت معدلات التوظيف خلال السنوات الماضية في عدن، ليس على صعيد القطاع الحكومي فحسب، بل وعلى صعيد القطاع الخاص، الأمر الذي انعكس في ارتفاع معدل البطالة في عدن الى حدود 28% على الرغم من أن معدله كمتوسط في الجمهورية لا يتجاوز 11% حسب الإحصائيات الرسمية.

- يشكل المتقاعدون في عدن أكثر من ربع المتقاعدين في الجمهورية (27%) غالبيتهم ممن لا يتجاوز معاشهم الشهري النقدي 7 آلاف ريال فقط. فالنظام الإداري للخدمة المدنية الذي كان سائدا في عدن جعل العاملين فيها - دون غيرهم - عرضة للإحالة الى التقاعد نظرا لتوفر البيانات المطلوبة الضرورية في ملف كل موظف حكومي.

وجدير بالإشارة أن الأرقام الرسمية حول عدد المتقاعدين في عدن قد لا تعبر عن حقيقة ما هو موجود بالفعل، لأنها لا تشمل عدد المتقاعدين الذين تمت إحالتهم الى التقاعد عبر الوحدات الإدارية للقطاع العام مباشرة، ناهيك عن أولئك الذين هم بحكم المتقاعدين ممن أبعدوا قسرا عن وظائفهم.

- إن سياسة الإحالة الى التقاعد التي تتبع لا تعكس نفسها على سياسة الإحلال والتوظيف، بدليل أن من بين أكثر من 70 ألف وظيفة اعتمدت وتم شغرها في الجهاز الإداري للدولة خلال الفترة (1997- 2001م)، لم تحظ محافظة عدن إلا بما يزيد قليلا عن ألف وظيفة (1090). (المصدر: تقرير اللجنة المختصة لمجلس النواب بهذا الشأن - راجع صحيفة «الأيام» العدد 3466 بتاريخ 17 يناير 2002م) ويتضح من ذلك أن من تم توظيفهم في عدن في بحر 5 أعوام (1997 -2001) لا تزيد نسبتهم عن 1.5% من إجمالي من تم توظيفهم في الجهاز الإداري للدولة في الفترة ذاتها.

هذا فيما إذا تجاوزنا ملاحظة أن الوظائف التي شغرت في المحافظة ربما يكون بعض من شاغريها ليسوا أصلا من أبناء عدن.

ذلك عن المتقاعدين والوظائف، أما ماذا عن الإيرادات؟ فإليكم الصورة من واقع بيانات عام 2003م التي استقيت من مصادر رسمية وتم تحليلها من قبلنا.

- بلغت إيرادات المحافظة 38126 مليون ريال (38.1 مليار) وشكلت نسبة 5.5 % من الإيرادات العامة للدولة. بينما لم تتجاوز النفقات 13368 مليون ريال (13.3 مليار) ولم تشكل إلا نسبة 1.7% من إجمالي النفقات العامة للدولة.

- من إجمالي إيرادات عدن شكلت الإيرادات الضريبية لوحدها نسبة 74% بينما لم تتجاوز الإيرادات الضريبية في الجمهورية نسبة21% من الإيرادات العامة للدولة.

-بلغ الوزن النسبي للإيرادات الضريبية لعدن أكثر من 19% من إجمالي الإيرادات الضريبية في الجمهورية. أي أن عدن لوحدها أسهمت بحوالي خمس الإيرادات الضريبية للدولة.

وبمقارنة حجم الإيرادات الضريبية مع السكان في المحافظة وفي الجمهورية، يتضح أن متوسط مساهمة الفرد الواحد من الإيرادات الضريبية كان قد بلغ في عدن 50.3 ألف ريال. بينما على صعيد الجمهورية لم يتجاوز 7.3 آلاف ريال.

- في جانب النفقات تشير البيانات الى أن ما يرصد لعدن لا يتناسب على الإطلاق مع مكانة ودور عدن الاقتصادي. وما يعبر عن ذلك تلك الفجوة الكبيرة بين ما تحققه عدن كإيرادات وبين ما يخصص لها كنفقات، التي بلغت نسبتها في الموازنة المحلية 185%.

- إذا كان ما يرصد لعدن كنفقات في الأصل شحيحا، فالأشح منه ما يرصد لها في الجانب الاستثماري، الذي لم تتجاوز نسبته 16.2% من إجمالي النفقات المحلية للمحافظة.

بعد كل تلك الشواهد، ألسنا محقين إن قلنا إن عدن بحاجة الى مزيد من الرعاية والاهتمام، ليس قولا بل عملا؟ أو أليس موقف المجلس المحلي للمحافظة يجسد بحق إدراكهم للقول: السلطة ترهق من لا يملكها؟ فهذه عدن يا هؤلاء إن لم تعطوها ما تستحقه، فاعطوها على الأقل بمقدار ما تعطيكم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى