عقليات مريضة ومعقدة

> د. سمير عبدالرحمن الشميري:

>
د. سمير عبدالرحمن الشميري
د. سمير عبدالرحمن الشميري
هل يمكن لعقليات مثقوبة ومحشوة بالوهم أن تنير عتمة الظلام؟ هل يمكن لشخصيات مريضة ومعقدة أن تغرس بذرة أمل في النفوس؟ هل تستطيع الشخصيات المريضة الغارقة في ضباب الشك والمصابة بتمزقات روحية أن تعالج علل الفكر والواقع بحفنة هواجس وأفكار متخشبة؟!

فمعاناة واضطرابات المرضى تختلف عن معاناة واضطرابات المبدعين، فالشخصية المبدعة رهيفة وقلقة وحساسة ولبيبة وتلعق أحزانها لوحدها، وتمر بسلسلة من الأوجاع والآلام والتوتر العقلي النفسي والوجداني، فتبدع إبداعاً فاخراً يمس شغاف القلب.

فعالم الاجتماع الفرنسي أوجست كونت (1798-1857م) كان يعاني اضطرابات نفسية وروحية وحاول الانتحار ووصل غير مرة إلى حافة الجنون، وتواكب مع محنته النفسية إنتاج فكري ثاقب أثرى المخزون الثقافي العالمي.

وعلى الغرار ذاته كان المفكر الألماني ماكس فيبر (1864-1920م) مصاباً بتوعكات عصبية حادة تشله عن الحركة وتعكر صفو حياته ما بين الفينة والأخرى، وأجبرته حالته النفسية على ترك منصبه الأكاديمي الجامعي ردحاً من الزمن، وأبدع أعمالاً فكرية شديدة الوهج والجاذبية تصب في مجالات: الضبط الاجتماعي، الأخلاق والقيم، والقانون، والسلطات وأنواعها، وتنظيم الإدارة.

والفيلسوف شوبنهار (1788-1860م) كان مصاباً بلوثة العظمة وعقدة الاضطهاد (البارانويا) والغيرة الحسدية- مثل القاص يوسف إدريس (1927-1991م)- خلـّف تراثاً فلسفياً عظيماً وله مساهمات ناصعة لا تخطئها العين.

فمعاناة واضطرابات المبدعين في شتى حقول الإبداع لصيقة بإبداعاتهم الفكرية والأدبية والفنية والثقافية لأن (المرض هو السبب الأساسي لكل اندفاعة إبداعية- حسب تعبير الشاعر هيني- وبالإبداع أشفي نفسي من أوجاعي وهمومي).

أما غير المبدعين والمتوهمون بامتلاك الحقيقة والتفوق المطلق فإنهم يسرفون في استعمال أنانيتهم ويغلقون الأبواب في وجه العقل والتبصر والاستنارة، فتشوب حياتهم التوهمات والشطحات والنرجسية القاتلة، فالنرجسي (شخص يفتقر للقدرة على التعاطف مع الآخرين والإحساس بآلامهم ومشاعرهم، وهو ذو نمط ثابت يتسم بالتعاظم المبالغ فيه، والترفع، والمبالغة في تقدير قيمته أو قيمة ما ينجز. وهو كثير الانشغال بخيالات النجاح والقوة والالمعية) «د. عبدالستار إبراهيم».

فالإنسان السوي يجب أن يسير على دعامتين : العقل والوجدان (كما يقول أفلاطون)، وعندما يسرف الإنسان في استخدام أنانيته لإرضاء غروره يتحول إلى مخلوق غريب يقدم على تصرفات مقززة وبغيضة.

فالعقلية المريضة مصابة بلوثة التوهمات الحسية والبصرية والسمعية والذهنية، تنزع للتغطرس الفكري والمعنوي الأجوف ولوك العبارات الجاهزة.

فالذات المعتلة تعاني اعتلالا فكريا ونفسيا، تعوزها اللياقة والاحتشام والمهارة الاجتماعية والذكاء العاطفي، فتسعى للإثارة والمماحكات، وتعيش حالة هلهلة، فهي غامضة بهواجسها وشبكة مفاهيمها وضبابية في تفكيرها، تطلق في السماء الهواء الفاسد المشحون بجراثيم السماجة والتبلد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى