مع القرآن

> «الأيام» علي بن عبدالله الضمبري:

> يقول الحق سبحانه في الآية 6 من سورة الحجرات :« يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين».

ما أروع نداء الإيمان« يا أيها الذين آمنوا» الذي إذا نودي به المؤمنون سمعوه بكل كيانهم، واستجابوا له لأنه يحمل أعظم رسالة، ويؤدي أفضل وظيفة، ويرسل أطيب نداء، وقد وردت عبارة « يا أيها الذين آمنوا» 68 مرة وكلها أعقبها أوامر أو منهيات أو إرشادات وتوجيهات وتنبيهات وكلها وردت في سور مدنية فقط هي: البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، الأنفال، التوبة، الحج، النور، الأحزاب، محمد، الحجرات، الحديد، المجادلة، الحشر، الممتحنة، الصف، الجمعة، المنافقون، الثغابن والتحريم.. ولم يرد هذا النداء «يا أيها الذين آمنوا» في سورة مكية.

ولنعد إلى توجيهات هذه الآية العظيمة التي يخاطب الله بها عباده المؤمنين يدعوهم إلى أن يتريثوا ويتمهلوا ولا يتسرعوا فيما يصل إليهم من أنباء، أو ما يرد عليهم من أخبار حتى يتأكدوا من صدقيتها وواقعيتها وحقيقتها.. فليس كل ما يبلغك أو يصل إليك عن صاحب أو صديق أو شخص- رجلاً كان أو امرأة - ليس كل كلام صادقاً أو ثابتاً لا يعتريه شك ولا يصيبه احتمال ولهذا التوجيه القرآني أبعاد تربوية واجتماعية يدلل على طريقة القرآن الفريدة في التربية والتشريع وإعطاء الأوامر والتكاليف، فيبدأ بنداء الإيمان وهذا هو السر في نجاح القرآن في كل تشريعاته وإعطائها تقديراً واحتراماً والتزاماً وطاعة في نفوس المؤمنين.

من هنا دعا القرآن إلى الصدق الصادق ومصاحبة الصادقين « يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين» التوبة 119.. وألزم الناس جميعاً به، وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الرجل «ما يزال يتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً» متفق عليه.. وقد لعن الله الكذب والكاذبين وجعل «لعنة الله على الكاذبين » آل عمران 61.. ورغم أن بعض الناس يستهويهم الكذب من أجل هوى في النفس، أو مصلحة عاجلة، أو تسويل شيطاني، أو تزيين إبليسي فإن القرآن قد قطع الطريق على من يتوسط بالكذب لنيل غرض أو تحقيق عرض.. وهذه الوسيلة هي تنبيه «الذين آمنوا» إلى أن لا يصدقوا أي خبر، او ينصتوا لأي إشاعة، أو لا يروجوا لأي قول إلا بعد التحقق والتثبت والتأكد حتى لا يقعوا في حفرة الندم المظلمة.. وبذلك فإن القرآن قد أخذ الحيطة والحذر- حفظاً لسلامة الأعراض- من جانبين اثنين: أولهما: جانب المتكلم إذ هو مأمور - كمسلم - أن يتحرى الصدق، ويحذر الكذب.

ثانيهما: جانب السامع إذ هو مأمور بالتثبت والتأكد، ومنهي عن التصديق بلا دليل.

إن أكبر ما يقطع عرى الألفة بين أخوة متآلفين، أو أصدقاء متحابين، أو أسرة متفاهمة شائعة كاذبة أو وشاية ظالمة يقوم بها نمام مريض أو كاذب حاقد فتقع الفتنة، وتتفاقم المشاكل.. لقد كان واجباً على الواشي الحاقد أن يحفظ لسانه من الكذب والنميمة، وكان يجب على المستمع المتسرع أن ينزه سمعه عن المسارعة إلى التصديق.. ولو حدث هذا لما حدثت فتنة ولا افتراق أوشقاق أو نزاع.

اللهم نزه ألسنتنا من الكذب، واحفظ أسماعنا من النميمة، واعصم قلوبنا من الاحقاد والبغضاء والشنآن، ووفقنا للالتزام بالقرآن وادفع عنا كيد الشيطان آمين.. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى