(ماهية نجيب .. الريادة) للكاتبة نادرة عبدالقوس

> «الأيام» نفيسة الصريطي:

>
بالزي الوطني والى يسارها د. سهير القلماوي وحرم الرئيس السوري خالد العظم
بالزي الوطني والى يسارها د. سهير القلماوي وحرم الرئيس السوري خالد العظم
من اجمل الاوقات التي قضيتها في اليمن تلك التي عشتها وأنا اقرأ (ماهية نجيب .. الريادة) للباحثة الاديبة نادرة عبدالقدوس لاسباب عديدة .. فالذي يربطني بماهية نجيب - موضوع الكتاب - تاريخ طويل وصداقة حميمة واحساسيس صادقة لا يشوبها زيف .. كل ذلك كان يحوطني وأنا تجول بين ربوع عدن وكأنني لست غريبة بل عشت فيها من قبل منذ الخمسينات من خلال الاحاديث والمسامرات والمراسلات مع ماهية كل احيائها وضواحيها وأسماء عائلاتها .. لم يعزيني عن فقدها الا إحساس انها معي، استعيد كل شيء وكأنه محفور في الذاكرة لم يخبُ مع الزمن وبجوار هذا العزاء إحساس بسعادة غامرة وأنا بين أبنائها وبناتها وأحفادها وشقيقاتها .. وأستعرض شريط الذكريات وماهية تحدثني عن قلقها على اصغر ابنائها .. وحرصها على حسن تنشئتهم، وأسعد وأنا أراه يحقق كل احلامها رجلا يخط الشيب رأسه ..يتحمل كل مسؤولية وأكثر تجاه عمله .. وتجاه اسرته الصغيرة وعائلته الكبيرة بل تجاه كل من يلقاه وكل من يلجأ اليه، وكأنما خلقه الله لقضاء الحوائج، يخفف من إشفاقي عليه ايماني بأن كلا ميسر لما خلق له.

ماهية نجيب .. الريادة
واذا كان لنا ان نستعرض كتاب (ماهية نجيب .. الريادة) فإنني اسجل بعض الأثر الذي تركه في نفسي.. الاحساس الوطني والقومي الفياض في كل كلمة تكتبها المؤلفة خاصة عند ذكر عدن وتاريخها، ففي الفصل الاول «تطور الوعي السياسي في عدن» .. منذ محاولة غزو الرومان لها عام 24 قبل الميلاد ومحاولات البرتغاليين والهولنديين والايطاليين وغيرهم حتى احتلال بريطانيا عام 1839م م والتصدي لمحاولات العثمانيين احتلالها ابان الحرب العالمية الاولى وتصبح لعدن مكانة بارزة بين دول الكومنولث خاصة الهند والصومال مما كان له من اثر في بعض العادات والتقاليد واستخدام بعض المفردات في اللهجة العدنية وإدخال بعض الاصناف الى المطبخ العدني، أي انها عرفت التعايش مع الأجناس الاخرى منذ غابر الأزمنة كما ذكر في التوراة و في النقوش التاريخية القديمة. كما تسجل المؤلفة ما كانت ترمي اليه بريطانيا من طمس الهوية ومسخ التراث اليمني الجنوبي وزرع الفتن بين ابناء الوطن الواحد وتكريس الحقد والكراهية بينهم .. وبعد ان تترك المؤلفة هذا الجزء من تاريخ عدن تسجل انفتاح عدن على العالم الخارجي من خلال الإعلام الغربي ونافذة الإعلام المصري التي تهب منها رياح التغيير، ويتوج عام 1940م بظهور اول صحيفة وهي «فتاة الجزيرة» لصاحبا ورئيس تحريرها محمد علي لقمان ويكون ظهورها استهلالا لاصدار العديد من الصحف والمجلات الثقافية والدينية والسياسية واليومية والاسبوعية والشهرية، وبزيادة الوعي تكونت الرغبة في التخلص من الوجود الاستعماري والامامي في اليمن.

الى يمين الزعيم العربي جمال عبدالناصر
الى يمين الزعيم العربي جمال عبدالناصر
بداية الحركة النسائية
يأتي اول ذكر للمرأة اليمنية في الصفحة 31 من الكتاب فتذكر المؤلفة بداية الحركة النسائية في عدن بتصوير دقيق لصعوبات تعليم الفتاة ومقاومة التقاليد لنيل حقوقها وهي تسجل بدقة دور المعلامة «الكتّاب» في نشر بعض العلوم ثم يأتي ذكر السيدة لولا حيدر ونور حيدر بنتي الفقيه حيدر سعيد وإنشاء السيدة نور مدرسة للبنات في بيتها رغم الصعوبات التي واجهتها لاقناع الاهالي بتعليم بناتهم، وتبدأ المدرسة بثمان من الفتيات احداهن كانت الاذاعية عديلة بيومي .. ثم يتم ارسال اول دفعة من الفتيات الى مصر عام 1943م والى السودان 1948م ليتأهلن كمدرسات منهن عديلة بيومي ونجيبة علي وزينب علي قاسم والاختان حليمة وشفيقة خليل وآسيا حميدان وقدرية الحازمي وخديجة لقمان.

ولم تغفل الكاتبة محاولات بريطانيا لاستقطاب المرأة العدنية فيكون المعهد البريطاني للنساء الذي اطلق عليه بعدئذ نادي نساء عدن، وتكون اول عضواته رقية محمد ناصر ونبيهة حسن وفاطمة فكري، ويتم اغلاق نادي عدن وتتكون جمعية المرأة العربية عام 1960.

رائدة الصحفيات اليمنيات
يأتي الفصل الثالث بعد منتصف صفحات الكتاب اي بداية ص 51 بعنوان «ماهية نجيب رائدة الصحفيات اليمنيات» ويأتي الفصل الرابع «الميلاد والتحدي» وتقول المؤلفة انه بعد عام من المخاض العسير يولد العدد الاول من «فتاة شمسان» كأول مطبوعة اعلامية تعنى بشؤون المرأة والاسرة في اليمن والجزيرة العربية والخليج العربي والمغرب العربي لصاحبة الامتياز ورئيسة التحرير ماهية نجيب، وتتناول الكاتبة نادرة عبدالقدوس الحديث عن «فتاة شمسان» تأريخا لها وتسجيلا علميا يصلح لأن يكون مرجعا لأي باحث .. تسجل كيف كان النضال بالكلمة من اجل نيل المرأة لحقوقها في التعليم والعمل والمشاركة السياسية واختيار شريك حياتها، ولم تغفل وسط هذا ذكر النواحي الانسانية لماهية نجيب ومشاركتها في الاعمال الخيرية تجاه الاسر الفقيرة مع دعمها المادي والمعنوي دون اعلان وإيجاد فرص عمل لبناتها في وظائف مختلفة واللاتي غدون بعد ذلك ذوات مكانة اجتماعية وثقافية وعلمية ويتذكرن ما قدمت هذه السيدة الكريمة لهن.

ويسجل الكتاب انه رغم الاعاصير التي كان يثيرها بعض رجال الدين والفقهاء إلا ان المجلة كانت تفسح صدرها للعديد من ذوي الرأي من الكتاب والمفكرين وايضا رجال الدين، كما كانت تناشد اعضاء المجلس التشريعي والعلماء لإدراك مدى التعسف الذي يجري على المرأة من جراء الطلاق وتعليقها في المحاكم.

مع مجموعة من الصحفيين من عدن وشرق افريقيا في زيارة لبريطانيا ويبدو على يمينها الصحفي محمد ناصر محمد
مع مجموعة من الصحفيين من عدن وشرق افريقيا في زيارة لبريطانيا ويبدو على يمينها الصحفي محمد ناصر محمد
التأييد .. والتهاني
وفي بعض صفحات الكتاب تذكر المؤلفة الانتصارات التي سجلتها ماهية من خلال «فتاة شمسان» وعلى صفحاتها كل الآراء التي تساندها وتبارك جهودها فتذكر احدى المقالات بقلم محمد علي باشراحيل تحت عنوان انتصارات «فتاة شمسان» ثلاث سنوات جديرة بالخلود، يقول ان اقدام الزميلة ماهية نجيب على اصدار وتحرير أول صحيفة نسائية في هذا الجزء من الوطن عمل جدير بالخلود، وليس هناك من هو اقدر على تسجيل عملها هذا من التاريخ وحده لأنها عالجت نقصا في الصحافة المحلية وملأت فراغا ظل مجتمعنا بسببه مشلولا لا يقوى على الانطلاق نحو عالم الغد الحر الطليق.

وفي العدد الاول من السنة الثالثة تذكر مقالة السيد عبدالرحمن جرجرة «لقد ضربت فتاة شمسان المثل الاعلى في انهاض العدنية ودفعها قدما وكانت السفيرة المخلصة لها في المجالس الدولية وفي بلدان عدة كانت العدنية الاولى التي طالبت بجرأة وإيمان بحقوق العدنية السياسية في اروقة البرلمان الانجليزي عندما دعيت رسميا لزيارة بريطانيا».

هذا قليل من كثير يحتويه الكتاب بين دفتيه وإن حق لي ان أعلق وأسجل عن تلك السياحة الفكرية والمتعة العقلية فأقول:

- رغم ان تاريخ عدن السياسي والفكري والجغرافي والاجتماعي نال الكثير من الباحثة إلا انه كان ضروريا لتصوير البيئة التي نشأت فيها الرائدة ماهية نجيب، وكل عمل نقيمه انما يكون بظروف عصره لا بحاضرنا.

- اسلوب الكتاب أسلوب عميق رغم رقته ينبئ عن حس مرهف مفعم بالاحاسيس النبيلة، وأحس بأن صاحبته تسعد بكل جهد تبذله بلا كلل او ملل، وكل حقيقة تحصل عليها تمحو أي احساس بالتعب وتمدها بنشاط واستمرار البحث.

- احس بتواضع الباحثة الجم وهي تسجل وتعترف بالجميل لكل صاحب معلومة، واعترافها بالاستاذية للصحفي الكبير القرشي عبدالرحيم سلام كما أنها تكتب بمشاعرها التي تتخلل كلماتها وهي تسجل حزنها لفقد ابنتي ماهية السيدة نجوى والسيدة ناهد، وكأنها اصبحت فردا من الاسرة من معايشتها تحس بعاطفتها الجارفة وهي تكتب عن ماهية نجيب .. ميلادها وطفولتها وزواجها وأولادها ووفاة زوجها وذكر أسرتها والبيت الذي ترعرعت فيه.

- هذا المؤلف يسد نقصاً في تسجيل الصحافة النسائية اليمنية في المكتبة الوطنية في عدن وتسجيل «فتاة شمسان» بكفاءة وعمق بلا تهوين او تهويل، كما رصدت اسماء العديد من السيدات اللاتي شاركن في نهضة المرأة اليمنية وان كان الكتاب يحقق الريادة في الصحافة النسائية فإنه يحقق للكاتبة الريادة في الكتابة عن الصحافة النسائية.

تسجل نادرة عبدالقدوس اعترافها بمؤازرة رفيق حياتها وتشجيعها ودفعها بقوة لمواصلة البحث للوصول الى غايتها بما يدعونا لتحيتها واحترامنا لها.

ذكرت الكاتبة بأسلوب انثوي عذب عن مناهضة ظهور مجلة «فتاة شمسان» واستنكار علماء الدين ولنا أن نتصور حال امرأة تحمل جنينا غير مرغوب فيه رغم شرعيته، وبأي حال ستكون هذه المرأة بعد ان يولد طفلها ويرى النور وكيف ستواجه المجتمع المتخبط بين الرفض والقبول.

- انني أغفر للكتاب بعض الاخطاء الاملائية واللغوية والنحوية ولكنها لا تنقص من كمال حقيقة البحث، والذي ينقصه حقيقة العديد من الصور للشخصيات العديدة اللاتي حفل بها الكتاب وكذلك الاماكن والمنازل والاحياء.

الغرس وقطف الثمار
وبعد أن تصفحت «ماهية نجيب ..الريادة» وعشت بين سطوره تموج بداخلي شتى الاحاسيس وأنا اتوسط حفيدات ماهية يتناثرن حولي، وربما لا يدركن ما يختلج بداخلي من ذكريات .. ها هي آسيا ستحصل على بكالوريوس الصيدلة وآلاء إدارة اعمال ومها أنهت كلية العلوم ونادية هندسة الحاسوب وأماني كلية الطب ورنا كلية التربية، وتمتلئ جامعات اليمن بالدارسات والباحثات يقطفن ثمارا ربما لم يدركن مدى الاشواك والصعاب التي كانت تعترض الطريق وكان آخر الانتصارات أن تقدم حكومة اليمن اوراق الخبيرة اليمنية د. سلوى مبارك لمنصب الممثل المقيم لمنظمة الزراعة والتغذية على مستوى روما لاعتبارات اكاديمية وعملية ووطنية وأهلية، وهي من الحي الكريتري العريق «حافة حسين» وهو نفس الحي الذي تعايشت معه ماهية نجيب مع الريادة .. فلتكن ماهية قريرة العين بما عملت وما قدمت وما تركت.

وتحية للكاتبة العزيزة نادرة عبدالقدوس وتحية لروح من علّمها ماذا تقرأ وكيف تقرأ ومتى تقرأ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى