حتمية تعديل نص المادة 289 من قانون المرافعات

> «الأيام» جلال عمر البطيلي:

> تمثل أمامنا - رجال القانون والقضاة وممثلي النيابة العامة والمحامين - عدد من القضايا والموضوعات التي يتوجب الوقوف عليها تشريعاً وتطبيقاً، نصاً وروحاً، ومنها تلك التي يضيق تفسيرها حيناً ويتسع حيناً آخر، وما ينتج عن ذلك من ازدواجية في التطبيق وتضارب في القرارات واختلاف في الرأي من قاض لآخر في إطار المحكمة الواحدة من جهة وفي إطار المحاكم ذات الدرجة الواحدة (الاستئنافية) من جهة أخرى.

ومن هذه الموضوعات ما تناوله نص المادة 289 من قانون المرافعات المدنية رقم 40 لعام 2002م، التي تنص على:

«مع مراعاة أحكام المواد (207،208،209) إذا لم يحضر المستأنف اليوم المحدد للجلسة الأولى فعلى المحكمة تحديد موعد جلسة تالية وتعلن المستأنف بالموعد الجديد وفقاً لقواعد الإعلان فإذا لم يحضر للجلسة التالية اعتبر استئنافه كأن لم يكن وصار الحكم الابتدائي واجب التنفيذ وفقاَ للقواعد العامة إلا اذا كان ميعاد الاستئناف لا يزال قائماَ فللمستائف رفع استئناف جديد، وفيما لم يقض به القانون بنص خاص يتبع في شأن خصومة الاستئناف القواعد المتعلقة بما هو مقرر أمام محكمة الدرجة الأولى».

ذاك هو نص المادة المراد مناقشته اليوم والذي سأحاول تناوله في مبحثين -سائلاً المولى عز وجل التوفيق والسداد - وفقاًَ للآتي:

المبحث الأول.. وفيه قسمان: القسم الأول: الحالات التي عالجها نص المادة 289 من قانون المرافعات النافذ

نجد أن نص المادة أعلاه قد عالج ونظم عددا من الحالات التي عادة ما تتكرر أمام محاكم الدرجة الثانية (الاستئناف) وحددت لها الإجراءات الواجبة الاتباع، ونجد أن نص المادة أعلاه هو تكرار ونقل ديناميكي لنص المادة 212 من قانون المرافعات السابق مع تغيير طفيف سلباً وإيجاباً، والتغيير السلبي كان في عدم قبول أي عذر للمستأنف الغائب خلافاً للقانون السابق الذي كان يعتمد العذر المقبول، أما التغيير الايجابي فكان بإعطاء المستانف الغائب فرصة للحضور وذلك بتحديد جلسة تالية وإعلانه بها خلافاً للقانون السابق.

وتبعاً لذلك فإن المشرع اليمني قد أراد بنص المادة أعلاه تنظيم ومعالجة بعض الحالات والإجراءات المتخذة أمام محاكم الاستئناف والمتعلقة بأطراف الخصومة وما يترتب على ذلك، ولعل أهم تلك الحالات التي ناقشها نص المادة أعلاه بقصد وضع المعالجات لها وتحديد الإجراءات الواجبة الاتباع لها هي:

- الحالة الأولى: غياب المستأنف عن الجلسة الاولى وما يترتب على ذلك الغياب من وجوب تحديد جلسة تالية وإعلان المستأنف بها (ويقصد بالجلسة الأولى هنا أول جلسة تحددها المحكمة وليس أول جلسة يتغيب فيها المستأنف) وأن الحكمة من وجوب اعلان المستأنف هي التحقق من جدية سير اجراءات الاستئناف، وذلك ما فسره نص المادة 285 من القانون نفسه .

- الحالة الثانية: غياب المستأنف في الجلسة التالية بعد ثبوت اعلانه إعلانا صحيحا وما يترتب على ذلك من وجوب اعتبار استئنافه كأن لم يكن.

- الحالة الثالثة: حق المستأنف في رفع استئناف جديد بعد شطب استئنافه الأول وذلك مشروط بأن يكون ميعاد الاستئناف مازال قائما.

- الحالة الرابعة: وجوب تنفيذ الحكم الابتدائي عند شطب الاستئناف واعتباره كأن لم يكن في حالة انتهاء المدة القانونية المقررة للاستئناف.

- الحالة الخامسة: العمل بالقواعد المقررة أمام محكمة أول درجة فيما لم يرد بشأنه نص خاص، والذي أخضعه نص المادة 289 للقواعد المتبعة أمام محاكم الدرجة الأولى. وهنا يظهر ضيق النص وقصور التشريع في الحالات التي نظمها نص المادة أعلاه ونظم التعامل بها أمام محاكم الاستئناف. غير أنه يبقى السؤال قائما: هل المشرع اليمني قد استطاع الإحاطة بكافة جوانب وحالات الموضوع المتناول في نص المادة 289 أعلاه ؟ ذلك ما سنوضحه في القسم الثاني من هذا المبحث.

القسم الثاني
ما يرد على نص المادة 289 من قصور ونقص

أوضحنا في القسم الأول من هذا المبحث أن نص المادة 289 قد أُريد به معالجة بعض الاوضاع والحالات أمام محكمة الاستئناف، ومنها غياب المستأنف عن الجلسة الأولى وغيابه الجلسة التالية مع ثبوت اعلانه وما يترتب على ذلك من اعتبار استئنافه كأن لم يكن ووجوب تنفيذ الحكم الابتدائي مع الاحتفاظ للمستأنف بحقه في تقديم استئناف جديد اذا ما كانت المدة القانونية المقررة للاستئناف قائمة وحرمانه من ذلك في حالة انتهاء هذه المدة.

وهكذا يكون المشرع اليمني من خلال نص المادة الآنفة الذكر قد أماط اللثام عما يترتب على غياب المستأنف للجلسة الأولى - مع وجوب التركيز على كلمة الجلسة الاولى - وحدد الاجراءات الواجبة الاتباع في تلك الحالات. غير أن المشرع اليمني قد غفل عن بعض الحالات وترك النص ناقصا دونما اجابة لبعض التساؤلات. ولعل أهم هذه التساؤلات التي ترد على ذلك النص الذي لم يتضمن اجابات لها هي:

حالة غياب المستأنف ما بعد الجلسة الأولى، أي أن يحضر الجلسة الأولى ثم يغيب بعد ذلك.. و ما اذا كان سيترتب على غيابه هذا الذي سبقه حضور وجوب تحديد جلسة ثانية وإعلانه بها ومن ثم اعتبار استئنافه كأن لم يكن .. وفقا لنص المادة السابقة الذكر.

طبعا سنكون أمام إجابة خاطئة إذا قلنا ذلك لأن المشرع قد حدد بدقة في نص المادة أعلاه الغياب الذي يترتب عليه وجوب تحديد جلسة تالية وإعلان المستأنف بها ومن ثم اعتبار استنئافه كأنه لم يكن في حالة عدم حضوره رغم إعلانه، وهو الغياب عن الجلسة الأولى فقط، ولعل الحكمة من ذلك هي التحقق من صحة اعلانه ومدى جدية استئنافه وذلك ما فسرته المادة 285 من القانون نفسه. أما في حالة سؤالنا أعلاه وهي حالة حضور المستأنف للجلسة الأولى والمتناولة في نص المادة الآنفة الذكر ومن ثم يأتي الغياب بعدها فهنا سنكون أمام وضع آخر لم يخاطبه النص وبالتالي لا يمكن تطبيق نص المادة 289 على هذه الحالة وتحديد جلسة ثانية والإعلان بها ومن ثم اعتبار الاستئناف كأن لم يكن فيما اذا حضر الجلسة الأولى ومن ثم غاب.

ومنه نستطيع القول إن حالة غياب المستأنف الذي يسبقه حضور، تُبقي سؤالا تائها لم نجد له اجابة ضمن نص المادة 289 ولم يتناوله المشرع في هذه المادة رغم أهميته .. غير أن المشرع حاول تدارك هذا النقص والقصور في النص وذلك من خلال الفقرة الأخيرة في النص الذي ذكر فيه بأنه (وفيما لم ينص به القانون بنص خاص يتبع في شأن خصومة الاستئناف القواعد المتعلقة بما هو مقرر أمام محكمة الدرجة الاولى).

غير أن هذه المعالجة كانت ايضا ضيقة ومتسمة بالقصور ولعل ذلك يرجع إلى ما ستتركه هذه المعالجة من عيوب وتناقضات توحي بركاكة النص وضعفه، ومرد ذلك إلى التسبيب القانوني الآتي :

1- إن إرجاع ما لم يرد به نص خاص إلى القواعد المقررة أمام محكمة الدرجة الاولى، ومنها حالتنا هذه، حالة غياب المستأنف للجلسة الثانية أو الثالثة والتي سبقها حضور الجلسة الأولى، يعني ديمومة الاستئناف وعدم انتهائه رغم غياب المستأنف المتكرر وذلك لأن القواعد المقررة أمام محاكم الدرجة الأولى في هذه الحالة هي التأجيل لمدة ستين يوما أو الاستبعاد.. وفي الحالتين يمكن تحريك الدعوى وإعادة استئناف نظرها خلال المدة المقررة بستين يوما بمجرد تقديم طلب بذلك وذلك ما تناولته أحكام المواد 112-115 من القانون نفسه علما بأنه يمكن تكرار هذه العملية إلى ما لا نهاية وفقا للقانون.

وقياسا عليه فإن إرجاع غياب المستأنف للجلسة الثانية أو الثالثة التي سبقها حضور، إلى القواعد المقررة أمام محكمة أول درجة هو عبث بالتشريع وبأطراف الخصومة معا، لأن ذلك يعني ديمومة الاستئناف وعدم انتهائه بأي حال من الأحوال، وبالتالي تعليق الحكم الابتدائي وتعليق الخصوم والخصومة دونما نهاية، فهل مع ذلك يكون المشرع قد وفق بإرجاع ما لم يرد به نص خاص ومنه هذه الحالة إلى القواعد المقررة أمام محكمة أول درجة؟

2- إن إرجاع ما لم يرد به نص خاص إلى القواعد المقررة أمام محكمة أول درجة ومنها حالتنا هذه (غياب المستأنف عن الجلسة الثانية وما بعدها) يعني الموت لقرار اعتبار الاستئناف كأن لم يكن وحصره على حالة غياب المستأنف للجلسة الأولى فقط وإغلاق الباب أمام اجتهادات القضاة وقواعد القياس، وبالتالي عدم جواز تطبيق قرار اعتبار المستأنف كأن لم يكن على حالة غياب المستأنف للجلسة الثانية أو الثالثة وحصره على غياب الجلسة الأولى فقط وإن ثبت عدم جدية هذا الاستئناف أو عدم جدية صاحبه في استمراره، وهذا خطأ ثان يترتب على قصور النص 289 ونقصه.

3- إن إرجاع ما لم يرد به نص خاص إلى القواعد المقررة أمام محكمة أول درجة ومنها (غياب المستأنف عن الجلسة الثانية التي سبقها حضور) يعني وجوب تقيد محاكم الاستئناف بقرار التأجيل لمدة ستين يوما أو الاستبعاد دون غيرهما في حالة غياب المستأنف عن جلسة الاستئناف الثانية وما بعدها والمسبوقة بحضور وعدم جواز الخروج على ذلك، مع وجوب قبول طلب التحريك خلال الستين يوما المقررة في حالة غيابه عن حضور الجلسات ما بعد الأولى واستبعاد استئنافه أو تأجيله.

4- إن إرجاع ما لم يرد به نص إلى القواعد المقررة أمام محاكم أول درجة سيؤدي إلى تضارب القرارات واختلافها في الموضوع الواحد فيما بين المحكمة الواحدة من جهة والمحاكم ذات الدرجة الاستئنافية من جهة أخرى، وتعارضه مع بعضه البعض من جهة ومع نصوص أخرى من جهة أخرى، وما سينتج عن ذلك من الاختلاف في التفسير والتعامل مع نص المادة 289 بسبب ضيق النص وقصوره، فإذا كان النص قد رتب على غياب المستأنف للجلسة الأولى وجوب إعلانه ومن ثم اعتبار استئنافه كأنه لم يكن، فكان من باب أولى أن يرتب ذلك على غيابه ما بعد الجلسة الأولى ايضا لا أن يرجعها إلى القواعد المقررة أمام محاكم أول درجة.

محام ومستشار قانوني

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى