«المهاجر».. وتجاوز حقائق التاريخ لدى يوسف شاهين

> «الأيام» مختار مقطري:

>
يوسف شاهين
يوسف شاهين
دافع المخرج العالمي يوسف شاهين عن رؤيته الفنية والفكرية في فيلمه (المهاجر)، مدعيا أن شخصية رام «خالد النبوي» مستوحاة فقط من شخصية النبي يوسف عليه السلام، ولست هنا في مقام نقد الفيلم من زاوية الحلال والحرام، ولكن للإشارة لتلك الصورة النموذجية التي قدمها الفيلم لشخصية الشاب الاسرائيلي القادم من الصحراء الى مصر ليتعلم الزراعة فيتقنها ليأكل الجياع فينظر اليه الشعب المصري باعجاب منبهرا بذكائه وصدقه ووفائه، رغم معاناته من الصراع العقائدي المتمثل في دعوة اخناتون التوحيدية للإله آتون وقمعها الدموي من قبل كهنة الإله آمون - الإله الرسمي للدولة - ضف الى ذلك تصوير المصري القديم تصويرا مشوها متمثلا في الشذوذ الجنسي عند رئيس الشرطة «طوطيفار»« محمود حميدة» في محاولة لتبرير الحرمان الجنسي المتهور لدى زوجته «يسرا» مما جعلها تراود فتاها عن نفسه، مؤكدا - اي يوسف شاهين - أنها لم تكن مصرية، ليصبح حرمانها الجنسي نوعا من العبودية يمارسه عليها زوجها العاجز والشاذ جنسيا والذي لا يخجل من إغراء (رام) بمعاشرة زوجته فيأبى الشاب الاسرائيلي تعففا وأخلاقا نبيلة.

كما أن الشذوذ الجنسي له صورة أخرى في الفيلم نجدها في شخصية كبير الفنانين «احمد بدير» المكلفين بالنحت والرسم على جدران المقابر الملكية.

وفي الفيلم نجد (رام) (يوسف) موجودا في مصر زمن احداث ثورة اخناتون بدعوته التوحيدية لعبادة الإله (آتون) ولكن اخناتون هو أحد فراعين الأسرة الثامنة عشرة في حين أن قصة يوسف حدثت في عهد احتلال الهكسوس لمصر اي قبل زمن اخناتون بنحو300 عام.

ومن الواضح أن يوسف شاهين تعمد عدم اظهار (العجلة)، فكبير كهنة آمون -مثلا - ظهر في الفيلم محمولا على اكتاف العبيد وهو يجلس على كرسيه الفخم يحمي نفسه بيديه من الثوار من عامة الشعب من انصار عقيدة (آتون) الجديدة الذين كانوا يقذفونه بالحجارة، ولكن الهكسوس هم الذين ادخلوا (العجلة) الى مصر، وقبل احتلالهم لها الذي استمر اكثر من قرنين لم تكن مصر الفرعونية تستخدم (العجلة) في جر الحنطور وعربات الفرعون وقادة الجيوش في المعارك.

وعدم ظهور (العجلة) في الفيلم يعني أن أحداثه تجري قبل احتلال الهكسوس لمصر، فكيف يقدم يوسف شاهين في الفيلم الفرعون امنحتب الثالث وابنه الفرعون اخناتون ويجعل من ثورة الأخير على جميع الآلهة التي كان يعبدها قدماء المصريين وفي مقدمتها الإله آمون أحد المحاور الرئيسية للفيلم؟ وهي أحداث جرت بعد طرد الهكسوس من مصر بقيادة أحمس، في حين كان للهكسوس فضل ادخال (العجلة) الى مصر القديمة التي لم تظهر في الفيلم.

كل تلك مغالطات اشرنا اليها ولم نشر الى اخرى، وإن كانت اخطاء فهي اخطاء متعمدة دون شك، لأن يوسف شاهين مخرج كبير ما كان لتفوته مثل هذه الحقائق التاريخية، ولكنه خلط الحابل بالنابل كما يقولون، اولا للتأكيد على أن (رام) - بطل الفيلم - ليس هو النبي يوسف عليه السلام، وهما شخصية واحدة كما يتبين من احداث الفيلم، وثانيا لعدم الاشارة الى احتلال الهكسوس لمصر الفرعونية ظنا منه كما يظن بعض المؤرخين وعلماء (الفرعونيات) - عربا واجانب - أن بني اسرائيل كانوا من الهكسوس او كانوا هم الهكسوس، مستندين في المقام الأول الى (التوراة) وكأن مخالفتها جرما وإثما كبيرا، في حين أن دراسات علمية جادة اثبتت أن بني اسرائيل لحقوا بإبنهم النبي يوسف عليه السلام في اواخر عهد احتلال الهكسوس لمصر وعلى الأرجح في عهد الملك الهكسوسي (أسيس) او «العزيز» كما ذكر في القرآن الكريم، ثم طردهم منها الفرعون مرنبتاح من الأسرة التاسعة عشرة، وهو خطأ شائع، اذ أن طردهم من مصر المعروف في التوراة بـ (الخروج) قد تم على الأرجح في عهد امنحتب الرابع (اخناتون)ü ولكن ومن اجل تسويق الفيلم عالميا وعدم مهاجمته وربما منعه من العرض من قبل اللوبي اليهودي المسيطر على السينما العالمية اضطر يوسف شاهين الى عدم الاشارة لمرحلة احتلال الهكسوس لمصر كي لا يبدو الاسرائيليون شعبا تعود منذ آلاف السنين على احتلال اراضي الشعوب الأخرى.

انظر كتاب د. محمود سيد القمني «النبي موسى وآخر ايام تل العمارنة».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى