الموت صمتاً وتتبتلاً في محراب التطهير

> سالم العبد:

>
المرحوم فاروق صالح بن زيمة
المرحوم فاروق صالح بن زيمة
في زمن تمور فيه الحياة وتحتدم فيها الشرور والفتن كقطع الليل البهيم .. في زمن الاكتساح والاجتياح لكل رديء وقبيح، يفضل العقلاء الركون إلى الدعة والصمت المتأمل في عمق .. نأياً بأنفسهم وأرواحهم الكبيرة عن الهرج والمرج، وعن الإسفاف والسقوط في أوحال الصغار والشنار التي أضحت عناوين لهذا الزمن العقيم!!

ولكن كيف لمثل هذا النموذج من الأنفس الكبيرة أن تخلد إلى فضيلة الصمت وسمو ورفعة التأمل والتفكر الصافي العميق؟! وسط كل هذا الصخب والضجيج المتفاقم والمنهمر من أغوار الأرض وسطحها، شاملاً الفضاء بأجمعه حتى فضاء البيت..و..و.. فاختار الله له ركناً هادئاً في مستشفى بقشان بمدينة جدة بعد أن منحه رحمة الصمت عبر جلطة ثالثة انسلخ من خلالها عن الزمن الموّار الصخاب اللعان، بفجائعه المتناسلة ووحوله التي تمتد رقعتها لتفترش العقول والقلوب بنتانتها الخانقة .. ولأن لكل أجل كتاباً.. فقد استرجع الرب الرحيم روحه الطاهرة يوم الجمعة الماضية 9 يونيو 2006م بعد أن قدم مثالاً لفضيلة الصمت وبعد أن تعب من الكلام المكتوب والمقول طوال أربعة عقود حافلة.

إنه زميلنا الصحفي والكاتب المتميز (فاروق صالح بن زيمة) رحمه الله رحمة الأبرار.. أذكر أن تعارفنا كان عن بعد على حد تعبير زميلنا محمد سالم قطن .. لقد جمعتنا صحيفة «الأيام» الغراء .. إذ كنت أتابع مقالاته التي كان ينشرها من على صفحاتها بقلمه الرشيق وأفكاره الواضحة السلسة المرتبطة بقضايا الناس والمجتمع .. كان يحمل الوطن وأهله على كاهله المرهق من سنين الغربة وهموم القلم والكتابة.. وبعد أن أصبت في حادث سير ألزمني الفراش.. كانت صحيفة «الأيام» أيضاً وساطة الوصل بيننا حيث التقط الخبر الذي نشرته «الأيام» حينها (فبراير 2002م) وبادر بإرسال رسالة مواساة ومؤازرة رقيقة تنم عن نبل نفس رفيع وروح مترعة بالصفاء والنقاء، والوفاء لقيم نبيلة، اهتزت أمام جبروت العولمة وانكسارات الراهن العربي الباعثة على الأسى المريع .. ثم عند استقراره الجزئي في المكلا للإشراف على نشرة «شعاع الأمل» حيث تكررت لقاءاتنا عند بعض الزملاء والأصدقاء المشتركين ومنها لقاء جميل لعله الأخير قبيل رحيله عائداً إلى المملكة العربية السعودية لزيارة أسرته الكريمة.. وهناك حيث كان ينتظره المشهد الجزئي الملفع بالمفارقة المرة .. بهجة اللقاء بالأهل .. ومن ثم الإصابة بالجلطة الدماغية .. واللوذ بجلال الصمت ومهابته الباذخة .. وما بينهما وعود وخطط وأحلام وطموحات.. لتحويل نشرة «شعاع الأمل» إلى مشروع صحيفة أو مجلة حقيقية .. ولكن سبق سيف القضاء وألقى بردائه الثقيل ليحد من شعاع المشروع ويضع نهاية للصمت الجليل الذي طال .. بعد أن عبّر من خلاله ما لم يتمكن من قوله أو كتابته .. رحم الله زميلنا الصديق الوفي فاروق صالح بن زيمة، وألهم أسرته وذويه الصبر والسلوان .. إنا لله وإنا إليه راجعون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى