كـركـر جـمـل

> عبده حسين أحمد:

>
عبده حسين أحمد
عبده حسين أحمد
ما الذي جرى لنا في بلادنا؟ اخرج إلى الشارع أو ادخل أي مكتب أو بيت .. ميدان كرة .. مطعم .. مقهى .. المهم أي مكان تختاره أنت .. وانظر في وجوه الناس .. العيون زائغة .. والملامح جامدة قاسية.. وأكثر الناس ضحايا أو في حالة ضياع بين الذي كان والذي سيجيء .. إنها حالة عجيبة من البؤس والشقاء واليأس من الحاضر والمستقبل.

< كنا في الماضي نحب بعضاً.. نتعانق ونفرح ونضحك ونتألم ونبكي.. وكأننا شخص واحد.. أي اثنان في واحد .. واليوم تباعدنا وافترقنا .. لم أعد أشعر بك أو تحس بي .. فلا أنت صديقي ولا أخي ولا زميلي في العمل أو المدرسة أو النادي .. كل واحد يعيش وحده .. فأنا عندي مشاكلي وهمومي .. وأنت عندك أيضاً وربما أكثر .. فما الذي جرى لنا وبنا وعلينا؟ .. لماذا أصبحنا هكذا؟.. أنت في حالك وأنا في حالي .. هل تغيرت الدنيا؟ .. هل تغيرنا نحن .. أم أن العلاقات بين الناس تبدلت وأصبحنا نتمنى الهروب من هذه الحياة؟.. وأحسن وسيلة هي الموت .. أليس الموت أفضل من أن نعيش بالجوع والبطالة .. ونحيا بالقلق والأرق وضغط الدم ووجع القلب والمعدة؟!

< عندما قيل للأديب الإيرلندي الكبير (برناردشو) .. إنك تتحدث كثيراً عن المال .. بينما يتحدث صديقك (هـ ج.ويلز) عن الأخلاق .. أجاب كل واحد منا يتحدث عن الذي ينقصه .. ونحن نتحدث كثيراً عن الذي ينقصنا في الغذاء والسكن والعلاج والتعليم وفرص العمل والتنمية والاستثمار وغير ذلك .. ولكن لا نفعل شيئاً .. وإذا فعلنا فليس أكثر من الكتابة في الصحف .. لعل الدولة تسمع وتفعل شيئاً .. ولكن يبدو أن الدولة لا تسمع .. أو إذا سمعت تجاهلت وتظاهرت بالصمم .. وكأنها تريد أن تقول بعبارة صريحة إن الذين يسمعون لا يفعلون شيئاً .. فلا تتعبوا أنفسكم .. ما فيش فائدة.

< ولا بد أن الذي نقوله لا معنى له .. أو له معنى .. ولكن الذين يسمعون لا وجود لهم .. أي أن وجودهم ينقصه كثير من المعاني .. وليس هناك سبب قوي يؤكد على ضرورة هذه المعاني في وجودهم أو بقائهم .. بعد أن جعلوا الحياة رتيبة ومملة .. وبالرغم من برامج (الإصلاح) التي نسمعها كل يوم .. لا شيء تغير .. ولا شيء تبدل .. وإنما هي الحياة نفسها .. بل كل يوم يجيء أسوأ من غيره .. الغلاء يطحن الناس بدون رحمة .. وعلاوة غلاء المعيشة - على تفاهتها - لم تصرف للموظفين .. والأسعار في صعود مستمر .. والفساد هو الذي يتحكم فينا ويحكمنا.

< المهم ليس هناك شعب بسيط وطيب مثلنا .. يضحكون علينا .. فنعتقد أنهم يبتسمون لنا .. وكأن ابتساماتهم لها أيد وأصابع تريد أن تحتضنا وتمدنا بالدفء والحرارة .. مغالطات كثيرة ونحن الضحية دائماً .. وبالرغم من أن عندنا قناعة تامة بأننا ضحية مغالطات كثيرة .. ولكن مازلنا مستعدين للوقوع فيها أكثر .. لماذا؟ .. لأننا لم نعد قادرين على التفكير .. أو أننا أصبحنا لا نفكر .. وأن عقولنا قد تحجرت .. بعد أن صدرت الأوامر بمصادرتها وختمها بالشمع الأحمر.

< وهكذا أصبحت حياتنا جحيماً في جحيم .. ولا حيلة لنا فيها .. نعيش بها وعليها .. وكأنها حقيقة واقعة لا بد منها.. ولا أحد يدري متى تنتهي هذه المأساة؟ .. وهل لها نهاية أم لا؟ .. إننا نفهم أن لكل شيء بداية وله نهاية .. إلا مأساتنا .. عرفنا بدايتها .. ولكن لا نعلم متى وكيف ستكون نهايتها؟

«الأيام» العدد (4237) في 27 يوليو 2004م.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى