بعد عام من تفجيرات لندن: لماذا يمثل من يدافعون عن العنف تهديدًا لنا جميعَا

> د. كيم هاولز:

>
د. كيم هاولز
د. كيم هاولز
بحلول 7 يوليو (تموز) يكون قد مر عام كامل على الهجمات الإرهابية التي وقعت بلندن وأسفرت عن مقتل أكثر من 50 شخصا. لم يُعِر الإرهابيون أي احترام لدينٍ أو عمرٍ أو نوع أو جنسية ممن قتلوهم في هجماتهم تلك؛ فقد قتلوا وجرحوا مواطنين من 19 جنسية مختلفة ومن ديانات متعددة - مسلمين ومسيحيين وهندوس وسيخ ويهود - في هجماتهم العشوائية تلك. وبينما يحيي المواطنون في بريطانيا ذكرى من قضوا نحبهم نتيجة لتلك الجرائم الشنيعة، يتعين علينا أيضا أن نتذكر جميع ضحايا الإرهاب بكافة أنحاء العالم - سواء أكان ذلك في باكستان أو مصر أو إسبانيا أو المملكة العربية السعودية أو الأردن أو إندونيسيا. ولا يمكن أن يغيب عن بالنا أن مثل تلك الهجمات تقع باستمرار وبشكل يومي في جميع أنحاء العراق وأفغانستان وتطال مدنيين أبرياء. وجميعنا يواجه نفس هذا التهديد الناجم عن الإرهاب، حيثما كنا نعيش وبغضّ النظر عن ديانتنا أو جنسيتنا أو معتقداتنا السياسية، والذي مصدره رهط قليل بل وخطير من الأفراد. ولا يبالي الإرهابيون من يقتلون أو من يشوهون، سواء أكان أولئك من الأيتام أو الأرامل أو كبار السن. فغاية ما يهدفون إليه هو إثارة استجابة شديدة الوطأة من السلطات لأجل إثبات ادعاءاتهم المستهجنة بشأن الطبيعة القمعية للحكومة البريطانية أو غيرها، وبالتالي العمل على تجنيد آخرين لحساب قضيتهم المزعومة.

ومن ثم يجب أن نحارب الإرهاب بكل عزم وتصميم أينما وقع. ولا يجب أن نسمح أبدا للإرهاب أن يقوض الحريات والديموقراطية التي يعتبرها عدوّة له. وهذا يعني العمل على مجابهة أولئك الذين يسعون لاستغلال الشباب والمستضعفين ويغسلون أدمغتهم برسائل الكراهية والعنف التي يبثونها في نفوسهم. كما يتعين علينا تقديم العون للجاليات التي ينشط داخلها مثل هؤلاء المتطرفين وتهميش أصواتهم المستهزئة المولعة بالانتقاد.

هناك العديد من الناس، من المسلمين وغير المسلمين، ممن قد يختلفون بعمق مع سياسات الحكومة البريطانية - وخصوصا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. مثل هذه الاختلافات ما هي إلا مؤشر صحي من مؤشرات الديموقراطية. لكن الخطأ هو الادعاء الباطل والمُستفِز بأن سياستنا الخارجية تتعمد قمع وإيذاء المسلمين والدين الإسلامي. فهذا الادعاء ما هو إلا إفكٌ وبهتان.

هناك البعض ممّن نظر لتكرار نشر الرسوم الكاريكاتورية المهينة بشأن النبي محمد على أنها مجرد خيط واحد من بين خيوط عدة لشبكة عنكبوت معقدة من المؤامرات ضد المسلمين، ووجدوا في نظرية المؤامرة هذه سبيلا يمكنهم من الإنحاء باللائمة على الغرب في كل ما يحدث هناك، بدءا بالتدهور الاقتصادي ونهاية بالكوارث الطبيعية. ووفقا هذا المنطق الملتوي تبدو حتى المساعدات الإنسانية التي قدمها الغرب لضحايا الصراع من المسلمين في البوسنة ودارفور، أو تلك التي قدمها لضحايا الكوارث الطبيعية في باكستان وآتشه على أنها محل الكثير من الشك ونذير شؤم.

إن هذا المنطق المغرض الغاية منه هي إزجاءُ مشاعر عدم الثقة وسوء الفهم بين أناسٍ ليس لديهم أي سبب للشعور بالخوف أو الكراهية تجاه بعضهم البعض. ومن ثم يصبح لزاما علينا أن نُفنِّد دعواهم الزائفة. إن الحوار الصريح والمفتوح يحتل أهمية حيوية لوضع الأمور في نصابها الصحيح وشرح العوامل التي تكمن وراء تبني الحكومة البريطانية لما تتبناه من السياسات والكيفية التي تعتزم الحكومة تطبيق هذه السياسات من خلالها. وأسوق مثالا على ذلك القوانين التي أدخلتها الحكومة البريطانية حيز التنفيذ منذ التفجيرات التي وقعت بلندن بهدف حماية المواطنين. فبعض الجهات الإعلامية توحي للمرء بأننا نعتقل مواطنين بشكل جماعي وعشوائي دون أدنى دليل ضدهم، أو استنادا إلى بضع كلمات أو عبارات منزوعة من سياقها، وتدعي أننا من ثم نعمل على ترحيل هؤلاء المعتقلين إلى دولٍ تصطف بها أجهزة المخابرات العدوانية تأهبا لإخضاعهم لألوان عديدة من التعذيب. وما هذا إلا زيف وبهتان. فحقيقة الأمر هي أن التزاماتنا الراسخة تجاه حقوق الإنسان لم تتغير ولا بمثقال ذرة. وبأخذ موضوع الترحيل كمثال: أعتقد - مثلما يعتقد الكثيرون - بأن المواطنين الأجانب الذين يسيئون استغلال الحريات التي نثمنها أعلى تثمين هنا في بريطانيا لتخطيط أو تنفيذ أعمال عنف مثيرة للاشمئزاز ضد مواطنين أبرياء لا يمكن السماح لهم البقاء هنا إلى الأبد. وبالتالي تسعى الحكومة لترحيل عدد صغير جدا من المواطنين الأجانب الذين نعتقد بأنهم يشكلون خطرا على أمن بريطانيا. لكن هذا لا يعني بأننا تخلينا عن التزامنا تجاه حقوق الإنسان، بل على العكس تماما. فقد سعينا للحصول على ضمانات قوية من الحكومات الأجنبية بشأن معاملة هؤلاء الأشخاص الذين تتم إعادتهم إلى بلادهم. كما يمكن الاستئناف ضد كل قرار من قرارات الترحيل هذه لدى المحاكم البريطانية، ويتم تجميد عملية الترحيل أثناء النظر بقرار الترحيل من قبل المحكمة. ولا تتم عملية الترحيل إلا بعد أن تكون المحكمة مقتنعة تماما بأن هذا القرار يتماشى مع التزاماتنا تجاه حقوق الإنسان.

إن مسؤوليتنا الأولى كحكومة هي حماية مواطنينا وغيرهم ممن يعيشون في بلدنا، بغضّ النظر عن خلفياتهم أو دياناتهم. فأنا على يقين قوي بأننا نُدخل أدنى قدر ممكن من التعديلات اللازمة لتحقيق هذه الغاية. إننا لا نخشى - ويجب ألا نخشى - من الدفاع عن موقفنا هذا. فإنني دائما أناقش سياستنا الخارجية علانية، وأرد بكل صراحة على المسائل التي تتم إثارتها معي. ولكني أصادف مرة تلو أخرى اعتقادا في غير محله بأن هنالك مؤامرة ما ضد المسلمين. فعلى سبيل المثال، وفي الشهور التي أعقبت تفجيرات لندن، دهشت أيُّما دهشة أثناء زيارتي لباكستان عندما جادلني صحفيون ممن يحظون بالاحترام حول سبب سماح الحكومة البريطانية بإحراق عدد من المساجد في جميع أنحاء المملكة المتحدة ضمن هجمات انتقامية، والسماح بعمليات انتقامية واسعة الانتشار ضد المسلمين دون التحقيق بها. والحقيقة هي أنه لم يتم إحراق أي مساجد هنا، كما لم تجرِ أي عمليات انتقامية على نطاق واسع. فرد فعل المواطنين تجاه تلك التفجيرات كان متزنا ومسؤولا بشكل عام. لكن العديدين ممن يعملون بوسائل الإعلام، وكذلك في العالم الإسلامي، أرادوا تصديق أن شيئا مختلفا تماما قد حدث هنا.

وكلما استمرت مثل هذه المعتقدات، وكلما تم السماح لفكرة المؤامرة الغربية ضد المسلمين بأن تكتسب مصداقية، بقيت هناك أرضية خصبة يَحرُثها دعاة الفكر الراديكالي. فالمفاهيم الخاطئة وسوء الفهم يتيحان للراديكاليين الفرصة لنشر ادعاءاتهم المنحرفة بأنهم من خلال شنهم هجمات إرهابية ضد مواطنين ومواقع تحمل أهمية رمزية في جميع أنحاء العالم فإنهم بذلك يوجهون بطريقة ما ضربة ضد الظلم والجور. هناك مظالم حقيقة جدا في عالمنا، ويتعين علينا عمل المزيد - والعمل معا - لدرء هذه المظالم ولمكافحة الفقر والترويج للديموقراطية والإصلاح. لكن إن كان ما نصبو إليه جميعا هو تحقيق عالَم أكثر عدلا وسلاما، فليس في مثل هذا العالم المنشود موطئ قدم للتطرف أو للعنف أيا كانت صبغة اللواء الديني أو السياسي الذي يرفرف فوقهما.

الوزير بوزارة الخارجية البريطانية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى