مع الأيــام..يا أشباه الرجال.. ولا رجال!!

> د. عبده يحيى الدباني:

>
د. عبده يحيى الدباني
د. عبده يحيى الدباني
لقد قيل إن التاريخ غالباً لا يعيد نفسه فإذا فعلها وأعاد نفسه أحياناً، فإنه يعيد أسوأ ما لديه من المواقف والأحداث والسلوك، ولقد مرت الأمة العربية والإسلامية خلال تاريخها الطويل بمراحل معينة، ساد فيها الذل والمهانة والتفرقة والتواكل، وتجرعت مرارة الهزائم ألواناً، بيد أن تاريخها اليوم يعيد أسوأ ما تخلله من صفات سلبية وسلوك ذليل وحوادث مؤسفة وسياسات هشة مشبوهة وعاجزة فضلاً عن أن هذه الأمة لا تستفيد من مدرسة (التاريخ). وهناك في التاريخ البعيد شعر (أمين المؤمنين) علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بأن (الوهن) قد بدأ يدب في نفوس المسلمين من أتباعه وأنهم صاروا يمقتون (الجهاد) وويتمحّلون الأعذار لعدم النهوض به، فما برحوا متواكلين حتى غزاهم العدو في (عقر دارهم) وشغلهم بأنفسهم وكشف عن عورتهم، فسار (أمير المؤمنين) غاضباً حتى اعتلى ربوة والناس يتبعونه وألقى فيهم خطبته التاريخية الشهيرة في الحث على (الجهاد) قائلاً:«أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجُنته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل، وشمله البلاء وسيم الخسف ومنع النصف» مبيناً رضي الله عنه في هذا المطلع أهمية الجهاد وعاقبة من تركه تفريطاً به، وها هي الأمة اليوم تتسربل ثوب الذل!

إن أعداء الإسلام اليوم يريدونه أن يكون ديناً مدجناً مخصياً أي (دين) من غير (جهاد) مثل جمل من غير (سنام) أليس الجهاد هو (سنام) الإسلام كما ذكر نبيناً صلى الله عليه وسلم؟ ولكن الدين الإسلامي منظومة متكاملة .. جسم واحد، عموده (الصلاة) وسنامه (الجهاد) على ما تحمل كلمة (سنام) من معان أو توحي بها مثل: العلوم والرفعة والعزة والمهابة والشرف والكبرياء وغيرها. ويتابع الإمام علي رضي الله عنه خطبته الغاضبة من غير أن ينافق أمته كما يفعل (زعماء اليوم) حينما يرددون مثلاً (أيها الشعب العظيم..) أو (أيها الأبطال المكافحون...) وغيرها من الأوصاف الجوفاء الخاوية من مضامينها .. يتابع الإمام قائلاً:«وقلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت عليكم الغارات وملكت عليكم الأوطان». فكأني هنا بالإمام (علي) رضي الله عنه يخاطب الأمة العربية والإسلامية اليوم حكاماً ومحكومين، بل كأنه يخاطب حكام العرب وقوادهم حين يقول في نهاية خطبته الشهيرة:«يا أشباه الرجال .. ولا رجال، حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم.. معرفة والله جرت ندماً وأعقبت سدماً، قاتلكم الله لقد شحنتم صدري غيظاً وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان ...» رحم الله تعالى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فلو كان شاهداً مأساة الأمة اليوم وتخاذل حكامها وتواطئهم وقد ترك الناس الجهاد ماذا كان سيقول؟!

لقد سألتني إحدى الطلبات يوماً فيما يخص هذه الخطبة قائلة:«لقد كان أمير المؤمنين يشكو من جراء تخاذل الرعية، ونحن اليوم نشكو من جراء تواطؤ الحكام وتخاذلهم، فكيف نفسر هذه (المفارقة)؟».. كان سؤالاً ذكياً، ستبقى الإجابة عنه (مفتوحة) في ظل ما يجري من (مواجهة مفتوحة).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى