كيف منع «حزب الله» إسرائيل من ضرب منشآت إيران النووية ؟

> سليم نصار:

> يوم السادس عشر من كانون الأول 1960، صدرت صحيفة "دايلي اكسبرس" اللندنية بعنوان مثير خلاصته ان اسرائيل نجحت في تطوير برنامجها النووي. واعتمدت الصحيفة في مصادرها على تقارير الاستخبارات الاميركية والبريطانية.

بعد يومين صدرت صحيفتا "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" بعنوانين متناقضين حول البرنامج النووي الاسرائيلي. ففي حين ذكرت الاولى ان عملية انتاج القنبلة الذرية الاسرائيلية تحتاج الى خمس سنوات، اكدت الثانية ان ولادة القنبلة تمت بفضل تعاون خبراء فرنسيين.

والثابت ان الخبرين المتناقضين وزعهما مكتب رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون بهدف تضليل الرأي العام وخلق شكوك مثيرة للجدل حول مفاعل "ديمونا" الذي شهد نشاط عشرات الخبراء بين 1957 و1960.

جريدة "الموند" كشفت السر الذي ينطوي عليه نشر الخبر، فذكرت ان وزير خارجية فرنسا كوف دو مورفيل استدعى السفير الاسرائيلي والتر ايتان ليبلغه ان الحكومة الجديدة ستوقف تعاونها المتعلق بتخصيب الاورانيوم. كما طلب منه اذاعة الخبر لأن الرئيس شارل ديغول يريد انهاء العلاقات الخاصة بين البلدين. وعلى الفور قام بن غوريون بزيارة خاطفة لباريس التقى خلالها ديغول واخبره ان مفاعل ديمونا انشئ من اجل الاغراض السلمية وليس من اجل انتاج قنابل ذرية.

بعد فترة وجيزة اتضح ان بن غوريون رفض رقابة الولايات المتحدة على مفاعل ديمونا، وهدد البنتاغون بإسقاط طائرة التجسس "يو - 2" اذا هي استمرت في التحليق فوق صحراء النقب، وحجته ان تطوير السلاح الذري يعطي بلاده ضمانات التفوق بحيث يمكنه استخدامه كأداة تهديد ضد القوى التي تسعى الى إلغاء وجود اسرائيل من المنطقة. وعليه قرر حرمان كل دول الشرق الاوسط من هذا السلاح خوفاً من توظيفه لاقامة توازن من الرعب يلغي اداة الردع المحصورة بجيش الدفاع الاسرائيلي.

بعد عشرين سنة واجهت اسرائيل تحدي صدام حسين واصراره على انتاج قنبلة نووية بالتعاون مع فرنسا. ولما دخل البرنامج مرحلة تخصيب الاورانيوم، قامت الطائرات الحربية الاسرائيلية بضرب مفاعل "تموز" في السابع من حزيران 1981. واستنادا الى توصية بن غوريون، قررت حكومة مناحيم بيغن منع العراق من حيازة هذا السلاح المتفوق حتى لو كان الهدف المعلن منه كسب الحرب ضد نظام الخميني.

وتشير وقائع الجلسة الخاصة المتعلقة باتخاذ قرار سياسي يدعم القرار العسكري، الى النقاش الذي تولى طرحه وزير الزراعة في حينه ارييل شارون. وللمرة الاولى يتسلح شارون بمنطق فكرة الضربة الوقائية الاحترازية الاستباقية، معتبراً ان تجاهلها من قبل دول الحلفاء عام 1938، قاد الى اندلاع الحرب العالمية الثانية والى "الهولوكست". وقال اثناء الدفاع عن موقفه، ان فشل الاستخبارات البريطانية في اغتيال هتلر ادى الى خراب القارتين الاوروبية والآسيوية، اضافة الى خسارة ملايين البشر.

وبوحي من هذه الاعتبارات قررت اسرائيل تسديد الضربة الوقائية الى مفاعل "تموز"، علماً ان الطيران الايراني قام بغارات عدة في 30 ايلول 1980، ولكنه لم يفلح في اصابة الهدف.

واللافت ان الرئيس الاميركي جورج بوش استند الى منطق صديقه ارييل شارون اثناء تبريره قرار الضربة الوقائية ضد نظام صدام حسين، وادعى ان امن الولايات المتحدة يعتمد على نظرية "الفوضى الخلاقة"، وان امتلاك اسلحة الدمار الشامل ليست الحجة الوحيدة لدوافع اعلان الحرب.

للمرة الثانية تواجه اسرائيل احتمال سقوط نظرية التفرد باقتناء السلاح الذري في المنطقة، لأن ايران قررت مواصلة تنفيذ برنامجها النووي اسوة بجارتيها باكستان والهند. ولكن هذا البرنامج خلق ازمة كبرى عقب اعلان طهران عن استئناف انتاج الاورانيوم المخصب. وفي 29 آذار من هذه السنة قدمت كل من المانيا وفرنسا وبريطانيا مشروع قرار تبناه مجلس الأمن يمنح ايران بموجبه خيارين: اما تجميد عمليات تخصيب الاورانيوم خلال مهلة شهر فقط، وإما مواجهة تدابير وعقوبات حسب المادة 41 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وعلق وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي على هذا الانذار بالقول ان بلاده تعتبر القرار 1696 قراراً سياسياً غير شرعي ولا تعيره أي اهتمام.

وفي السادس من حزيران الماضي قدمت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن ( الصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا) عرضاً يتضمن اجراءات تعاون في المجالين النووي والاقتصادي. واشتمل العرض على اغراءات منها مساعدة طهران على بناء محطات نووية تعمل بالمياه الخفيفة ووعد بانتخاب مرشح الجمهورية الاسلامية لعضوية منظمة التجارة العالمية. ثم امهلت هذه الدول الحكومة الايرانية حتى 31 آب الجاري - أي الخميس المقبل - للامتثال لمطالبها، وإلا واجهت احتمال فرض عقوبات صارمة.

في تعليق اعلنه المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية علي خامنئي، الاثنين الماضي، قال ان " بلاده تعتزم مواصلة برنامجها النووي بقوة، معتمدة على عون الله ومتحلية بالصبر والمثابرة". وفهمت الدول الكبرى من كلام صاحب اعلى سلطة في ايران، انه يرفض الاذعان لعرض تعليق تخصيب الاورانيوم.

اما الجواب الرسمي الذي قدمته الحكومة الايرانية الى الجهات المعنية، فقد انطوى على تفاسير مختلفة وصفت بأنها "طويلة ومعقدة وغامضة". حتى الرئيس جورج بوش الذي ناقش الرد مع وزيرة الخارجية كوندوليزا رايسن وجد انه يستحق المراجعة المتأنية. ورأى المراقبون ان الصين وروسيا نجحتا في تخفيف الرد الايراني وصوغه بطريقة تخفي النيات الحقيقية. ففي الجانب الايجابي تعهدت طهران بعدم تجاوز حاجز الخمسة في المئة من درجة التخصيب. أي بلوغ المستوى الكافي لانتاج الطاقة الكهربائية، الامر الذي يشير الى حصر البرنامج بالاغراض السلمية.

ويستدل من تعليقات الصحف الأميركية ان ايران قطعت شوطاً كبيراً في مجال عمليات التخصيب بحيث ان علماءها توصلوا الى انتاج كمية من الاورانيوم المخصّب بنسبة 3,5 في المئة. وهذا ما يفسر كلام رئيس برامج البحوث العلمية وقوله ان الخبراء عززوا موقع بلادهم كدولة نووية.عقب صدور القرار 1701، حمل الرئيس جورج بوش على ايران واتهمها بالسعي الى تدمير اسرائيل. وتساءل، بحضور نائبه ديك تشيني والوزيرة رايس ومستشار الأمن القومي ستيفن هادلي، عن خطورة النزاع لو ان ايران تملك السلاح النووي. وهاجم سوريا لأنها تسمح بتمرير الاسلحة الايرانية الى "حزب الله" عبر اراضيها. ووصف حرب لبنان بأنها تشكل جزءا من معركة أوسع في كل المنطقة بين الحرية والارهاب.

الحكومة الايرانية قرأت في كلام بوش تهديداً مباشراً يتوافق في اهدافه مع تحريض زعيم المعارضة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووصفه الرئيس محمود احمدي نجاد بـ"هتلر جديد". ويبدو ان نتنياهو حرص على تذكير الاسرائيليين بـ"الهولوكست" الذي يعده لهم الرئيس الايراني في حال امتلك القنبلة النووية. كما يذكّر ايهود اولمرت ايضاً بالقرار الجريء الذي اتخذه معلمه ارييل شارون يوم قرر ضرب المفاعل العراقي. ورأت جريدة "يديعوت أحرونوت" في المخاوف التي يطرحها نتنياهو مدخلاً لتعديل وزاري يتولى هو بموجبه مسؤولية وزير الدفاع بدلا من عمير بيرتس. ولمحت الى استعداده لتكرار العملية وضرب المفاعلات الايرانية.

في طهران تخوفت الحكومة من خطر المغامرة التي تتهيأ واشنطن وتل ابيب للقيام بها على أمل امتصاص زهو الانتصار الذي حققه "حزب الله". لذلك دعت الى اجراء مناورات عسكرية شبيهة بالمناورات السابقة في الخليج خلال نيسان الماضي. وأظهرت الصور التلفزيونية مشاهد مختلفة لاختبارات صواريخ ارض - بحر يمكنها تعطيل الملاحة وضرب كل الناقلات التي تحمل النفط الى اوروبا والولايات المتحدة واليابان عبر مضيق هرمز. وفسر المحللون هذه المناورات بأنها تهديد غير مباشر لحرمان الدول الغربية من ستين في المئة من النفط، في حال أقدمت اسرائيل او الولايات المتحدة على ضرب مفاعل "اراك" النووي.

لجنة الاستخبارات في الكونغرس دعت إدارة البيت الأبيض الى جمع اكبر قدر من المعلومات المتعلقة بقوة إيران، السياسية والعسكرية والاقتصادية والدينية. ورأت انه من الضروري اجراء مسح كامل لمختلف المعطيات بحيث لا تؤدي المغامرة العسكرية الجديدة الى الانزلاق في لجة الفوضى، تماماً كما حدث في افغانستان والعراق. والدليل ان ايران وظفت الفراغ الذي أحدثه سقوط نظامي "طالبان" وصدام حسين كي توسع مجال نفوذها من حدود روسيا حتى حدود اسرائيل.

الرئيس جورج بوش استخدم عملية انشاء الجسر الجوي الاميركي في حرب 1973 ليؤكد دعمه لاسرائيل ويطالب الكونغرس بضرورة انقاذ وجودها، مثلما فعل هنري كيسينجر. وردّ عليه زعماء الحزب الديموقراطي بأن كيسينجر نجح في ترجمة نتائج تلك الحرب الى تسوية انتقالية أدت في النهاية الى السلام المصري - الاسرائيلي. وبالمقارنة مع العبرة من تلك الحرب، يقول الديموقراطيون ان ديبلوماسية كوندوليزا رايس فشلت، لأنها اخطأت في حكمها المسبق على نتائج حرب لم تربحها اسرائيل. وكان من المطلوب ان توظف النزاع العسكري لفتح صفحة سياسية جديدة بين اسرائيل من جهة وسوريا وايران و"حماس" من جهة اخرى.

التقرير المسهب الذي وضعه مركز "تشاتم هاوس" في لندن حول قوة ايران السياسية والعسكرية والدينية، أصبح موضع اهتمام لدى لجنة الاستخبارات في الكونغرس. وهو تقرير مفصل اشتركت في إعداده نخبة من الكتّاب والمنظرين يظهر حجم النفوذ الايراني في منطقتي الخليج وآسيا الوسطى. كما يظهر أهمية "حزب الله" في دعم الاستقرار الأمني داخل سوريا وايران. والسبب انه يستطيع شد نصف الجيش الاسرائيلي الى الحدود اللبنانية، في حال تعرضت الدولتان لأي تهديد من الدولة العبرية. ويستفاد من غموض التقرير الذي وضعه علي لاريجاني وحميد رضا آصفي الى دول مجلس الأمن، ان ايران تحتاج الى فترة هدوء تقدر بخمس سنوات، اي الفترة المطلوبة لتحقيق برنامجها النووي. لذلك تستفيد من "حزب الله" كقوة ردع مستنفرة دائماً لارباك الجبهة الداخلية الاسرائيلية، الأمر الذي يساعد ايران على منع الضربة الوقائية عنها.

عن «النهار» اللبنانية

كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى