العنف ضد الأطفال

> لويز أربور:

> يغطي ستار من الصمت العنف ضد الأطفال، غير ان الإساءات منتشرة على نحو كبير لا يمكن لأي بلد أن يتجاهلها، ولا يمكن لمجتمع ان يزعم انه يتمتع بحصانة ضدها، وعلى الرغم من القبول شبه العالمي الذي تحظى به اتفاقية حقوق الطفل، فقد ظلت المبادرات الملموسة التي قدمتها الحكومات لمواجهة مثل هذا العنف غير كافية. إن غض الطرف عن هذه الظاهرة أو الادعاء بالجهل بحدوثها وبعواقبها أصبح أمرا بالغ الصعوبة الآن، فبعد ما يزيد على ثلاث سنوات من العمل، يقدم التقرير العالمي حول العنف ضد الاطفال، وهو دراسة اعدتها الامم المتحدة نشرت في 11 أكتوبر بياناً شاملاً بالاسباب الجذرية لهذه المشكلة وعواقبها. وبما أنها تعتبر أن مثل هذا العنف لا يمكن تبريره مطلقاً فهي تقدم مجموعة من التدابير التي قد تحول دون وتحد من حجم الإساءات. كما تجمع الدراسة إحصاءات ومعلومات موجودة بالفعل من مجموعة متنوعة من المصادر، كما تجمع التجارب والنهج الخاصة بحقوق الإنسان والصحة العامة وحماية الطفل لكي تعطي صورة عالمية الملامح لهذه المشكلة المعلقة.

وتوثق هذه الدراسة أنه في عام 2002م تعرضت (150) مليون فتاة و(73) مليون فتى لتجربة الاتصال الجنسي بالإكراه وأشكال اخرى من العنف الجنسي وتعرضت ما بين (100) الى (140) مليون فتاة وامرأة لشكل من أشكال ختان الإناث، وأنه من بين الـ(214) مليون طفل الذين كانوا يعملون في عام 2004م كان (5.7) مليون طفل يعملون بالسخرة او بموجب عقد إذعان في عام 2000م و(1.8) مليون في الدعارة والتصوير الفاضح، وكان (1.2) مليون ضحايا للتهريب. ويستخلص باولوسيرجيو بينهيرو، الخبير المستقل الذي عينه السكرتير العام للامم المتحدة للإشراف على هذه الدراسة أن الأطفال يتحملون العنف في صمت ويأس بسبب الشعور بالخزي والخوف من العقاب، ولأن مثل هذه الاساءات تكون في بعض الأحيان مسموحاً بها من قبل الدولة ومقبولة بوجه عام في مجتمعهم.

إن الفشل في حماية الأطفال يبدأ عند اولئك المسئولين بشكل مباشر عن سلامتهم او أمنهم في الأسرة والمدرسة والمجتمعات التي يعيشون ويعملون بها، بل إن الدراسة تشير حقا إلى أن (غالبية الأفعال العنيفة التي يتعرض لها الأطفال يرتكبها اشخاص يشكلون جزءا من حياتهم). ولكن سلسلة المسئولية في نهاية المطاف تنتهي عند الدول، التي يقع عليها طبقا لقوانين حقوق الإنسان الدولية الالتزام بتوفير بيئة يمكن للأطفال ان يتمتعوا فيها بحقوقهم بشكل كامل دون الشعور بالخوف من الإساءة والعقاب.

وتوفر اتفاقية حقوق الطفل الإطار القانوني الأكثر شمولا لمواجهة العنف ضد الأطفال حيث ان نصوصها تحميهم من الإساءة الجسدية والذهنية والإصابة والتجاهل وإساءة المعاملة والاستغلال بما في ذلك الإكراه الجنسي.

وتلزم الاتفاقية ومعها اتفاقات أخرى الحكومات أن تتصرف بحزم وحسم لضمان ان يمتنع أيما شخص يرعى طفلا ولو حتى لفترة قصيرة عن السلوك المسيء.

غير أن الكثير من الدول في تشريعها القومي وممارستها قد أوجدت استثناءات على نصوص الاتفاقية، فبعض الحكومات راغبة عن التدخل في الإطار الخصوصي لحياة الأسرة ومساءلة اولئك الذين يقترفون أعمال العنف داخل المحيط المنزلي المقدس. ويركز التشريع الذي يواجه العنف ضد الأطفال في كثير من الدول على العنف الجنسي أو الجسدي ولكنه يتجاهل العنف النفسي والتجاهل، هذا بينما تفتقر بلدان أخرى الأمن اللازم توافره لإيجاد الحماية الفعالة، أو القدرة والهياكل التي تعطي قوة لتدابير الوقاية وآليات الحماية. ونتيجة لذلك فإن عدداً لا حصر له من الأطفال مازالوا يعانون يومياً حول العالم حيث خيارات التماس المساعدة قليلة أو منعدمة بينما يبقى معذبوهم سالمين من الأذى.

ويعد فرض عقوبة الإعدام ضد القصر هو أبشع مثال على الإساءة التي تقوم بها الدول، وقد تتضمن العقوبات الأقل حدة في بعض البلدان الجلد، والرجم، والبتر، بل إن التدابير التأديبية التي قد تصل الى المعاملة أو العقاب القاسي والمهين وغير المألوف تعتبر قانونية ومطبقة في المؤسسات الجزائية فيما لا يقل عن 77 بلدا، وكل هذه الممارسات تناقض بشكل صارخ قانون حقوق الإنسان الدولي.

وليس من قبيل المفاجأة أن الفتيات والأطفال المعاقين أو المنتمين الى الأقليات ومجموعات أخرى مهمشة مازالوا الأكثر تعرضاً للعنف سواء كأهداف للإساءة أو كضحايا لتجاهل الدولة مسئوليتها بالقيام بتوفير الحماية والعدل الضروريين لهم.

وتسهم التفاوتات المتزايدة في مستويات الدخل والاستفادة من العولمة، والهجرة، والامراض الوبائية في خلق مناخ من انعدام الأمن والنزاع، والذي يؤثر أحياناً على نحو غير متكافئ على حقوق الأطفال بما في ذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وإزاء هذه الخلفية البائسة تندب الدراسة الافتقار الى المعرفة بالأسباب الجذرية للعنف ضد الأطفال وفهمها، وتشير الى أنه حتى حينما تقوم الدول بوضع سياسات لمواجهة الإساءات فهي كثيراً ما تفعل ذلك بطرق وباستخدام أساليب جزائية ناقصة وتفاعلية بدلاً من الطرق والأساليب الشاملة والوقائية، فلكي ترجح كفة الحماية الفعالة ينبغي على الدول ان تترجم التزاماتها بموجب قانون حقوق الإنسان الدولي الى سياسات وأفعال وأن تقيم أولوياتها وتكف عن لوم او تجاهل الضحايا وأن تقوم بدلاً من ذلك بمعاقبة مقترفي أعمال العنف والإساءة.

وبهذا فإن دراسة الأمم المتحدة تقدم كنزاً من التوصيات بما في ذلك التدابير الوقائية وآليات المتابعة لضمان أن لا يترك الأطفال بدون حماية. لقد ساهم ما يزيد عن (3) آلاف فرد في هذه الدراسة بما في ذلك أطفال تقدموا للمشاركة بعد أن خلعوا عباءة الخوف والخزي وقد قدموا بياناً تفصيلياً لمعضلتهم ينبغي أن نصغي إلى كلماتهم واحتياجاتهم فهم في نهاية الأمر أحسن من يعلم.

مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى