من دلائل الحرمان في شهر رمضان

> «الأيام» جمال محمد الدوبحي:

> هكذا هي الفرص من اهتبلها وأمضى فيها راحلة جسده نال الفوز والسعادة، ومن تغافل عنها خسر خسراناً مبيناً، والناس في ذلك بين رابح مرحوم وخاسر محروم.

ورمضان من اعظم الفرص السانحة للخير، وأجل الأزمنة لفعل القربات، وأفضل المواسم للتجارة الرابحة مع الله تعالى، فهو شهر ليس كالشهور، ومن هنا وجب على المسلم أن يغتنم أوقات هذا الشهر المبارك، فيعمرها بالإيمان والعمل الصالح، فنهاره صوم وصلاة وتلاوة وصدقة وغير ذلك من الصالحات، وليلة قيام وتهجد ودعاء، كل ذلك طاعة لله وابتغاء لمرضاته، ولكن من المحزن أن تجد فئات من المسلمين لا يزالون في غفلتهم سادرين، وعن الخيرات والقربات محجمين غير مبادرين، فحرموا من حلاوة الطاعة في رمضان وانغمسوا في الشهوات والرغبات والملذات، بدلاً من التحليق في سماء الطاعة بجناحي الرغبة والرهبة، وقد جاء في الحديث عن رسول الله أنه صعد المنبر فقال:(آمين آمين آمين) قيل: يا رسول الله إنك حين صعدت المنبر قلت: آمين آمين آمين قال:(إن جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت آمين) رواه ابن حبان في صحيحه.

إن هذه الصنف من الناس هم أصحاب القلوب الذين لا يزيدهم رمضان من الله إلا بعداً ولا تزيدهم بشائر الأجر والرحمة والمغفرة إلا نفوراً ، فاستحق هؤلاء الخاسرون تأمين الرسول صلى الله عليه وسلم على دعاء جبريل عليه السلام، فكان عليهم هذا الشهر نقمة، وسبباً لحرمانهم من الثواب، ودخولهم النار!

فهم أدركوا رمضان، فصاموا عن الطعام والشراب والمفطرات الحسية ولكن أحوالهم لم تتغير، فهم في رمضان كما كانوا في شعبان أخلاقهم سيئة، وأفعالهم قبيحة، وأقوالهم بذيئة وجوارحهم غارقة في الشهوات وما ذلك إلا لجهلهم بمقاصد الصيام وأسراره العظيمة.

والناظر في أحوال المسلمين اليوم - إلا من رحم الله - يجد أنهم سلكوا مسالك الخسران في هذا الشهر الكريم وتنوعت مشارب الحرمان لديهم فتجدهم يشهدون هذا الشهر ويعيشون أيامه ولياليه دون أن يحسنوا ضيافته أو يحتفوا بمقامه، بل تجاوزا تقصيرهم في ضياع الفضل والخير والأجر في هذا الشهر إلى أبعد من ذلك بكثير فانغمسوا في الخطيئة في لياليه الغامرة بالخير وجعلوا أوقاته كأنها فرص للمعصية، وأوقات مهيأة للولوغ في المنكرات، فمنهم من وقع في الغفلة عن احتساب الأجر في هذا الشهر وأفسد نيته بالمباهاة والمفاخرة بالعبادات التي يؤديها طلباً لثناء الناس ومديحهم، ومنهم من أهمل الصلوات الخمس وتعمد تأخيرها عن وقتها وأدائها بكسل وخمول، ومنهم من سهر على الفضائيات الفاضحة أو مجالس الشر التي تنتهك فيها الأعراض، ومنهم من أضاع وقته بالتفاهات وشغل نفسه بسفاسف الأمور وحقيرها، ومنهم أصحاب الكبائر الذين لم يبادروا بأسباب التوبة والمغفرة بل يعاهدون أنفسهم ألا يرجعوا عن معصية ربهم قيد أنملة.

ومنهم من جعل هذا الشهر فرصة ليختم قراءة المجلات الهابطة ، ويتلذذ بالروايات الساقطة، قد هجر القرآن وأعرض عن لذيذ خطابه ، ومنهم من قام في الأسواق والمجمعات التجارية وتفنن في أذية أخواته حتى تورمت قدماه ،ومنهم من لا يتغيب عن حلق اللهو و الفجور التي يحفها شياطين الإنس، قد ترك مجالس الذكر التي تحفها الملائكة، أما حال المرأة في رمضان فهو حال مؤسف إلا من أيقظ الله حسها فهي بالجملة متعبة بعد الفجر من السهر وبعد الظهر مرهقة من النوم وبعد العصر مشغولة في المطبخ لتعد حفلة الإفطار، وفي الليل للقيل والقال والخروج للبيت الثاني (السوق) وهكذا الحال في أيام رمضان ولياليه العطرة فما أحقهم بالعزاء في قلوبهم التي شارفت على الاحتضار، فشهر لا تنعم القلوب بلقياه، ولا تسعد بمصاحبة قلوب هي في أمس الحاجة إلى عتاب صادق، ومحاسبة دقيقة قبل رحيل مثل هذه الأيام من حياتها. نسأل الله عزوجل أن نكون من أهل رمضان وممن امتن الله عليهم بقيامه وصيامه وأن يوفقنا للخير والصلاح والفلاح فيه .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى