مدرسة الصيام.. وآثارها الباقية

> «الأيام» عبدالقادر بن عبدالله المحضار:

> لقد انتهى رمضان ونرجو الله أن يكون قد أدى فينا رسالته وظهرت فينا آثاره الطيبة في النفوس والأخلاق، ولعل الدواء يكون قد نجح، ولعل ما يقصده الإسلام من وراء الصيام والقيام قد تحقق فشفى القلوب المريضة، وهدى العقول الضالة، وأحيا الضمائر الميتة، وأنار الأرواح المظلمة، وزكى النفوس وهدّب الأخلاق، وقهر الشهوات وقوي الإيمان عسى أن نكون متمتعين بمدرسته التي ذقنا فيها حلاوة الطاعة، ولذة العبادة، وثمرة الهداية ومتعة القرب.

تلك المدرسة التي تعلمنا الصبر والجلد والتضحية والإيثار والتفاني وإنكار الذات، تلك المدرسة التي تعلمنا سمو النفس وعلو الهمة وصدق العزيمة وقوة الإرادة وسعة الصدر ولين الجانب والتسامح في الأخذ والعطاء، تلك المدرسة التي تعلمنا طهارة القلب وغض البصر وضبط الجوارح، ومخالفة الشيطان، تلك المدرسة التي تعلمنا العفة والنزاهة والصدق والأمانة والوفاء والإخلاص.

وليس المهم أن نعرف آثار هذه المدرسة الرمضانية فحسب بل الشأن أن نبقى متأثرين بما فيها من آثار وأسرار كما كان سلفنا الصالح لذلك كانوا يتألمون لفراقه أيما إيلام، فكانوا يودعونه بالبكاء والرثاء، كما يودعون الأحبة والأصدقاء، وكانوا يحرصون على ما حصلوا عليه من كسب وما وصلوا إليه من منزلة، وما ظفروا به من غنيمة وما فازوا به من مغفرة، وما نالوه من أجر وجزاء، وما سجلوه من حسنات في سجل الباقيات الصالحات، ويظلون على عهده ووعده، ويحافظون على ميثاقه ووده، ويتمسكون بما تمسكوا به من فضائل وآداب، يدفعهم الشوق ويحدوهم الأمل ويصحبهم الرجاء حتى يأتيهم رمضان الجديد، وهذا هو الإخلاص على البعد والوفاء للحبيب حتى يعود، فينبغي للعاقل أن لا يكون من أولئك الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان حتى إذا ما انقضى رمضان عاد إلى أحضان الذنوب والآثام، وانغمس في الشهوات والأهواء، وعاد إلى صحبة الأشرار وأقران السوء.

وهذه نكسة أليمة وخسارة مخزية وتراجع سيحيق، أوما علم أن صاحب الفضل عليه في رمضان هو صاحب الفضل عليه في سائر الأيام، وأن من بيده نفسه وناصيته وفي قبضيته حيانه وموته وإليه مرجعه ومرده يوم القيامة سيحاسبه على اللمحة واللحظة واليوم والليلة وكل وقت وحين، ذلك لأن الإنسان لا يستغني عن سلوك طريق الحق واللجوء إلى حضيرة العبادة لتصفية النفس وتزكيتها، وطمأنية القلب وثباته، ولما كان الإنسان في هذه الدنيا عرضة للذنوب والآثام، وغنيمة للأهواء، وفريسة لوساوس الشيطان حتى يفارق هذه الحياة فإنه في حاجة ملحة إلى العبادة المتجددة والطاعة الدائمة والطريق الطويل إذا كان محفوفا بالمخاوف والأخطار، احتاج إلى الحرس والجنود وإلا هلك السالك فيه.

فيجب أن نصوم عن الذنوب والمعاصي والرذائل والنقائص، وأن نتمسك بالفرائض والسنن ونتحلى بالمحامد والمحاسن ونتجمل بمكارم الإخلاق، وأن نحافظ على ما أحرزناه من فوز ولنجتهد في أن نعمل لنغنم أكثر مما غنمناه في أيام رمضان، قال الله تعالى : {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة، وإنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون} سورة النحل 92، وهذه التي نقضت غزلها امرأة حقماء تزاول صناعة الصوف ليس لها مورد للرزق غيرها، ولا منبع للقوت سواها، ولكن شأنها عجيب، فهي تعالج الصوف حتى يصير خيطا سويا متينا قويا ومحكما صالحا للحياكة والنسج ثم تنقض عليه وتفسده وتفكه وهكذا حتى يمضي اليوم بلا ثمرة، وهذا مثال العاملين الذين يقدمون الخير وأنواع البر ثم يرجعون لعمل الشر فيفسدون ما عملوه، حفظنا الله من ذلك وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى