لقمان في جامعة عدن .. المفكر محمد علي لقمان والتنوير

> د. محمد عبدالهادي:

> تنعقد في الفترة مابين 13-15 نوفمبر الحالي الندوة العلمية الخاصة بالمناضل ورائد الحركة التنويرية في اليمن الفقيد محمد علي لقمان وسوف يقدم الى الندوة عدد كبير من البحوث والاوراق العلمية وستركز على جوانب الريادة الابداعية المتعددة في الشخصية الابداعية عند محمد علي لقمان المحامي ومناقبه الفكرية، وكرائد لحركة التنوير اليمنية، والصحفي الاول في اليمن ودوره في حركة الاحرار اليمنية، ودورة في تأييد ثورة 26 سبتمبر وأثره في الثقافة اليمنية المعاصرة، والمسار الحياتي للقمان: الميلاد، النشاة، التعليم، المؤلفات، المصنفات، وأثر المناضل محمد علي لقمان في الحركة الوطنية اليمنية.

ووثائق الندوة بطبيعة الحال ستشكل مساهمة فاعلة في تأهيل وتوثيق مرحلة مهمة من مراحل تطور الحركة الوطنية اليمنية.

ومن ضمن الاوراق العلمية المقدمة للندوة نستعرض أبرز ما جاء في ورقة الاستاذ الدكتور عبدالامير الاعسم، استاذ تاريخ الفلسفة والمنطق بجامعة عدن بعنوان (المفكر محمد علي لقمان والتنوير) كرائد الحركة التنويرية اليمنية، حيث اوضح ان من الخصائص التي يمتاز بها الفكر في اليمن الحديث من بين كل أقطار الجزيرة العربية، خصيصة الدعوة للحداثة والتجديد على نحو لافت للنظر، وبقوة تناسبت تناسباً طردياً مع الموروث الثقافي الذي يمتلكه اليمن على مدى الحركة الفكرية اليمنية الحديثة نلاحظ جملة من الشخصيات اليمنية التي استحقت الدرس، او تنتظر دورها في البحث، لتشتت أعمال أصحابها لندرتها او ضياعها، وهذا ما حدث لآثار المفكر اليمني محمد علي لقمان، فقد طلع علينا الصديق الدكتور أحمد الهمداني بكتاب برأسه يتناول لقمان درساً وجمعاً لبعض آثاره وما قيل فيه، لأنه عاصر نخبة من رواد الجيل الثاني للنهضة العربية فتأثر بسابقيهم، وأقام علاقات متميزة مع معاصريه لا تخلو من التقدير، ومعنى هذا اننا ازاء شخصية نهضوية في ما عرف عنه من «الدعوة الى الاحياء والاصلاح الشامل وتبني الفكر الليبرالي في اليمن، وهو الشيء الذي جعله الرائد الاول للفكر التنويري الذي حاول ان يمس بالتجديد كل مفاصل الحياة» حتى اتصف نشاطه بالتنوع، وهي خصيصة واضحة في فكر لقمان في صياغة فلسفته التنويرية على نحو فريد بين معاصريه في اليمن «ولم يكن هذا النشاط الاصلاحي، التنويري، الاحيائي، التحديثي، التجديدي، الليبرالي ليخفى على معاصريه، فقد جذب لقمان معاصريه، على اختلاف نوازعهم الفكرية ووجهاتهم الاجتماعية الى حماة هذا النشاط وأصبح هؤلاء جميعهم يدورون في فلك هذا النشاط الذي كان مركزه.. لقمان».

ومن مآثر لقمان انه في تنوعه التنويري كان «عربياً، اسلامياً، عالمياً، جذبته احداث العالم من حوله». فبالاضافة الى تحسسه الوطني اليمني الخاص وانغماره في تفصيلات هموم بلده، كان يستشعر هموم أمته العربية والشعوب الاسلامية، وكلها كانت ترزح تحت نير الاستعمار، وبخاصة الاستعمار البريطاني الذي كان عدوه اللدود. فقد كان لقمان «يرفض الاستعمار ويمقته أيا كانت مصادره، ومهما تعددت أشكاله وتباينت أساليبه في استعباد الآخر».

إن نظرة فاحصة لعناوين أعماله، التي ثبتها الهمداني، تظهر لقمان قد بكر بالتأليف وهو في سن الخامسة والعشرين عندما نشر 1923 أول كتبه التي جاء تصنيفها في 13 عنواناً حتى وفاته وهو في الثامنة والستين. فلم يعثر الهمداني إلا على 6 أعمال فقط وبقيت أعمال لقمان في ذمة من يملكونها ولا يفحصون عنها او يجهلون قيمتها، وأهمها مجموع مقالاته التي كان ينشرها تباعاً في صحيفة (فتاة الجزيرة) و(Aden Kronicle) وهي لم تصدر حتى هذا الوقت في كتاب. ومعنى هذا ان الحديث عن أعمال لقمان، وفق مفهوم التنوير الذي نتحدث بمقتضاه يتطلب بدارسها ان تتوفر لديه معرفة فكرية، سياسية، اجتماعية، تاريخية، لان هذه المناحي التنويرية، التي فطن لها الهمداني فقال انها: «تشكل تراثه (= تراث لقمان) الابداعي في مختلف مجالات الحياة».

ومن الممكن هنا ان نشير الى السمات العامة للتنوير عند لقمان:

1- دعوته الى الاصلاح الاجتماعي .

2- مناداته بالتجديد في التراث.

3- كتاباته الملحة في التطوير التعليمي والتربوي.

4- مقالاته في الحقوق والواجبات.

5- خطبه في الدين والحياة.

6- ردوده على أنواع التعصب القبلي والسياسي.

7- رفضه للهيمنة الاستعمارية والاستبداد في الحكم.

8- انفتاحه على المدينة العصرية.

9- تفاعله الاجتماعي لخلق النخب الثقافية.

10- ابداعه المستمر في التنوع الفكري.

وهكذا يمكننا ان نستنبط سمات أخرى اذا ما أمعنا الدرس الدقيق لأعماله التي وصلت الينا، فكما فطن الهمداني لأهمية لقمان بقوله:«جاءت كتاباته ملتصقة بحياة العصر، وليست بعيدة عنه، قريبة جداً من روح العلم والتنوير الذي حمل لقمان مشاعله على امتداد خمسين عاما».. وبحسب تقسيم الهمداني، مر لقمان بثلاث مراحل في عطائه الفكري:

(الأولى) 1898-1940 وهي المرحلة التأسيسية لفكر لقمان التنويري، كما انها «مرحلة تشكل وتحول، يبحث فيها.. عن مكان له في اطار حركة التنوير اليمني التي وقف فيها موقف الريادة».

(الثانية) 1940-1949 وهي المرحلة العصيبة التي تشابكت فيها حركة لقمان في «النضال الوطني، السياسي بالجهاد الابداعي ، الادبي، بالكفاح الديني والاجتماعي».

(الثالثة) 1949-1966 وهي المرحلة التي يفصح فيها لقمان عن مواقفه السياسية بوضوح «وتكشف فكره الليبرالي داخل أعماله المختلفة المنشورة هنا وهناك في توجه نحو احداث تغييرات تمس الحياة الخاصة والعامة في وطنه اليمن».

إن لقمان يحتاج من الباحثين الاكاديميين والدارسين الجادين الى عناية خاصة به باستكمال جمع آثاره وتحليلها بأبحاث رصينة ودراسات معمقة، وفق منهج الهمداني. ونحن، وهنا ،لا نبالغ بعد ان عملنا لسنوات طويلة في درس الفكر العربي المعاصر ونقده وفي بحث المشروع النهضوي العربي ومحاولة اعادة صياغة أحكامه بحياد فلسفي، ان نلاحظ على نحو لا يقبل الشك ان لقمان لم يكن شخصاً عادياً، ولا مفكراً نمطياً، بل انه كان، كما لاحظ الهمداني «يمتلك مشروعاً تنويرياً وحضارياً متكاملاً.. يشمل هذا البرنامج الحياة اليمنية في اتجاهاتها المختلفة، ولا يوجد هناك شيء داخل هذه الحياة لم يمسه المشروع في شيء من التفصيل والتحليل».

إن مشروع لقمان النهضوي، كما فهمنا من نصوصه التي بين أيدينا لم يكن خطابياً، بل انه تعدى لغو الخطاب الى لغة الفكر الرصين، واستند الى ثقافة موسوعية، فكان بحق تقدمياً واكب معطيات العصر على الرغم من الوسائل والادوات والظروف التي أحاطت به. وبتقديرنا، لو كان غير لقمان تعرض لما واجهه من صراع ذاتي وموضعي أولا وبالذات، ما وجدنا الآخر مهما كان يمكن ان يكون له خصائص لقمان. وهذا كله يدل عندنا على ان لقمان:

1- تفرده مواطنا يشعر بمواطنته الى حد العشق.

2- اصراره انساناً يتحسن موقعه في هذا العالم

3- تمسكه بالذات واستقلالها واعترافه بالآخر والتفاعل معه.

4- قوته في الحجاج عند التصدي وافصاحه عن الصحيح.

5- تشدده في قول الحق وفي رد الباطل مهما كانت النتائج.

من هنا كان مشروع لقمان الحضاري التنويري يهدف الى «قيام دولة عربية- اسلامية قوية البنيان، راسخة التقاليد، أساسها العدل والحرية، وقوامها المساواة والتسامح الشامل القائم على مفاهيم عربية- اسلامية صحيحة. غير ان هذه الدولة القوية تنبني على الدعامة المادية الغربية والدعامة الروحية الاسلامية الشرقية». وبناء على كل ما تقدم كان لقمان كما اوضح الهمداني، يدرك تماماً انه لا يمكن ان نبني مجتمعاً فاضلاً على طريقته الخاصة من دون الاساس العلمي- التكنولوجي الواسع ومن هنا فهو يحارب الخرافات والشعوذات ويعرف كذلك ان الجهل هو السبب الذي جعل الشرقي يمجد الخرافة ويؤمن بالشعوذة ويقنع بالقليل من الحياة.. واخيرا نحن في هذه المداخلة وفي ضوء الافكار التنويرية الكثيرة في نصوص محمد علي لقمان، نجد ان م ابين أيدينا من كتبه السياسية والاجتماعية وعناوين مقالاته المنشورة في صحيفة قناة الجزيرة يثبت مرة تلو المرة ان نزعة التنوير متأصلة في كل كتاباته على نحو يحتاج منا الى العودة الى البحث فيها بدراسة معمقة تليق به، كما ألمح الهمداني عندما كرس فيه صفات «رجل نير العقل من اهتماماته الخاصة والعامة».

ويبقى في الختام، نود ان نزعم بأننا اطلعنا على الكثير من تراث المفكرين اليمنيين في العصر الحديث، لكننا لم نلحظ قوة في التنوير كالتي اتسم بها محمد علي لقمان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى