(حب ليس إلا).. لنادية الكوكباني... يمنية تأتي إلى الرواية من عالم العمارة

> «الأيام» نبيل سليمان:

> من هندسة العمارة جاءت الكاتبة اليمنية نادية الكوكباني إلى القصة القصيرة، فكانت لها بين عامي 2001-2004 ثلاث مجموعات هي (زفرة ياسمين - دحرجات- تقشير غيم)، ثم جاءت إلى الرواية هذا العام في (حب ليس إلا ). والرواية تبدأ وتنتهي بفوبيا الكتابة: العلة التي أصابت الراوية فرح قبل إحدى وعشرين سنة، وها هي تعاودها بينما يتطابق زمن الكتابة مع الزمن الروائي في عام 2005م.

عبر ذلك ترسم الرواية صورة الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية اليمنية، بالاشتباك مع حياة الراوية وبالعودة أحياناً إلى ما هو أبعد.

تستذكر الراوية رحلة ترفيهية لطلبة التخرج إلى عدن عندها «أصبح الفكر السلفي لمعظم الطلبة سائداً، ورحلة مختلطة كهذه في نظرهم لا تصح، وحرم». وكانت الوحدة اليمنية قد قامت، وعدن فتحت ذراعيها لكل الناس من جميع المناطق، فصار للأعياد والإجازات مذاقها الخاص. وتروي الراوية أنها اكتشفت في زياراتها اللاحقة لعدن أن معظم العدنيات لا يجدن السباحة، كما في صنعاء، حيث يمكن لمن كانت أمهاتهن غير يمنيات أن يسبحن في الفنادق الكبرى، وحتى سن معينة فقط. أما عن الجامعة، فتروي فرح أنه لم يكن حتى منتصف الثمانينات من فارق فيها بين طالب وطالبة في تلقي العلم، لكن الحال انقلب. وها هي العاشقة المغدورة تعيّن معيدة في الجامعة، بعدها رفض أبوها أن تسافر إلى الخارج لتحضر الماجستير.

عند حصولها على الماجستير كانت قد استنفدت كل مبرراتها لرفض الزواج، فرضيت بالصيدلي ورجل الأعمال سامي، مشترطة استمرارها في العمل. لكن «الزواج الحضاري» فجعها، ابتداءً بالليلة الأولى. فسامي الشكوك يراقب زوجته ويتنصت على مكالماتها الهاتفية، وسرعان ما يحرمها من الخروج من المنزل إلا بموافقته، ثم يحرمها من العمل، ويغدو البيت سجناً وجسدها وليمة، وهي تخشى الطلاق في مجتمع تظل المطلقة فيه هي المسؤولة عن أي فشل. وستعلم فرح من بعد سرّ فقدان زوجها للثقة بالنساء، وانتقامه منهن في شخصها: إنه رفض ابنة عمه له!بالقراءة وبالرقص واجهت فرح جحيمها الزوجي، حتى ضبطها سامي وهي ترقص، فضربها فغادرت إلى ذويها طالبة الطلاق. وفي قفزة هائلة تقفزها الرواية سيتبين أن سامي قد استرضى زوجته ملبياً كل شروطها، وأنهما قصدا عدن ليقضيا شهر عسل جديداً، لكن حادثاً أودى بالرجل. وحين استعادت فرح وعيها في المستشفى شبهت حالتها بما قرأت في قصة لقاصة يمنية: «تدعى نادي الكوكباني. اسمها إن لم تخني الذاكرة (مزحة) نالت إعجاب كل من قرأها بمن فيهم أنا! أكثرههم إعجاباً بها وبتقنياتها الدكتور حاتم الصكر أستاذ الأدب العربي الحديث والنقد في جامعة صنعاء، يدرسها بانتظام لطلابه في قسم الإعلام، حتى أن اسم القاصة تحول إلى (صاحبة مزحة) لدى طلابه. بطل مزحة كان ميتاً ومر بحالة تطابق ما أمر به الآن».

من هذه اللعبة لحضور الكاتبة في روايتها- أين هي من لعبة هذا الحضور في روايات سميحة خريس وعلوية صبح ونور أمين..؟- وتواصل سبيلها من المشفى إلى عدن، حيث تنزل في بيت المريضة التي استضافتها، بينما كانت حرب 1994م قد اندلعت، وأعلن الجنوب الانفصال.

وهنا تستطرد فرح إلى ما طرأ في عدن بعد الوحدة، حيث ارتدت نساؤها الجلابيب ومقارم غطاء الرأس السود الطويلة غير الملائمة لجو عدن الحار، خوفاً من الاتهام بالانتماء إلى الحزب الاشتراكي، أو الإشارة إلى اعتناق الفكر الماركسي، وبعد حرب صيف 1994م، خوفاً من الاتهام باتباع الانفصاليين:«كل ذلك أمر يجب الهروب منه ولو بالملابس السود اليمنية أو الجلابيب البيض وإطلاق اللحي للرجال الذين يعرفون باسم مطوعين في عدن أو صنعاء».

ثم تعج الرواية بما تدعوه فرح (مفاجأة المفاجآت) و(الصدفة الغريبة) فبيت أم زياد يقع في حي الشيخ عثمان من عدن، حيث يقع بيت هشام، وهشام المختفي يرسل لفرح رسالة يعلل فيها اختفاءه بحرصه على استقرار زوجته وأبنائه. والمرحوم سامي ترك لأرملته صك ملكية البيت ورصيداً في البنك. أما الأرملة فقد قضت عدتها (الوجل) في البيت، وكلمة أرملة أفضل من كلمة مطلقة في المجتمع. وهنا تتعمق الرواية في كيان ابنة الثامنة والعشرين التي صارت حرة: «أرملة تعني حرة، الموت لم يرحم زوجها فقط من عذاب الدنيا، ولكنه أيضاً رحمها من عذاب المجتمع، ليس لها دخل في موته! قوة ورحمة إلهية جعلتني أنعم بالحرية وأقف أمام الجميع في سبيل تحقيق طموحي من أجل مستقبلي».ولأنها أصبحت أمام المجتمع إنساناً آخر، هو أطلال إنسان وأنقاض إنسان، باتت تُنصح بالسفر لتخرج من اكتئابها. لكن فرح عادت إلى قسم الفلسفة في الجامعة، مزقت التقارير الطبية التي تثبت أن زوجها كان يشكو من سرطان البروستات، وتهدر أعماقها: «لن يهزمني سامي وهو بين التراب! بل لن يهزمني بعد الآن رجل على وجه الأرض! كم هم بارعون الرجال في نسج أكاذيبهم وارتدائها صدقاً أمام الآخرين».

كاتب سوري عن «الحياة»-5/11/2006م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى