معالم وآثار لحج .. هل يتم الحفاظ عليها أم تصبح أثراً بعد عين؟

> «الأيام» هشام عطيري:

>
مسجد الدولة
مسجد الدولة
لحج بلد التاريخ كما هي بلد الثقافة والريادة والخضرة، وهي أحد المخاليف اليمنية الخمسة التي اعتمدها الخليفة الرابع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. وتاريخ لحج جسدته الكثير من الآثار والمعالم التي ظلت ولا زالت شاهدا يحكي للأجيال قصة هذه المدينة العتيقة.

"الأيام" رحلت مع ثلة من المثقفين والمهتمين بتاريخ هذه المدينة الذين أجابوا عن سؤال "الأيام" المطروح عليهم: كيف ترى معالم لحج وآثارها وكيف السبيل للحفاظ عليها؟

< فؤاد باخربة، فنان تشكيلي: «معالم لحج الأثرية والتاريخية كثيرة وموزعة على بعض مديريات محافظة لحج، ونراها اليوم بعضها قد طمست معالمه وبعضها بقايا وأطلال وأخرى في حالة متدهورة جداً تتساقط يوماً بعد يوم، فهناك معالم أثرية مثل مدينة الرعارع التي كانت عاصمة مخلاف لحج في القرن السادس الهجري تقريبا، وهذه زالت بعض معالمها نتيجة البسط والتوسع في الأراضي الزراعية المجاورة لها، وبالإضافة الى منطقة صبر الأثرية أظهرت الاستكشافات والحفريات وجود مصانع لإنتاج الفخار ومنشآت ما زالت بقاياها قائمة (مبان من اللبن) وهناك مواقع أثرية كثيرة مثل دار العرائس وقصر السلطان العبدلي (دار الحجر) الذي بني بشكل هندسي على الطراز الهندي في عام 1343هـ وهو اليوم يعاني التدهور يوما بعد يوم دون أي لفتة من قبل الجهات المسؤولة للقيام بترميم وصيانة هذا المعلم التاريخي، الذي يعتبر وجه لحج الحضاري، إضافة الى المسجد الذي بناه السيد عمر بن عبدالله مساوى سنة 1083هـ والذي نقل منبره من مدينة الرعارع الأثرية، وهو من أهم مساجد الحوطة، وكذا مسجد الدولة الذي بناه السلطان أحمد محسن فضل العبدلي وجدده أخوه سنة 1292هـ والذي بني بنمط فنون العمارة الإسلامية الهندية، وهو من أجمل مساجد اليمن من حيث التخطيط الهندسي المعماري.

كيفية الحفاظ على المعالم الأثرية والتاريخية
نطالب الجهات المسؤولة في الدولة ممثلة بالهيئة العامة للآثار والمتاحف والسلطة المحلية في المحافظة بالاهتمام بهذه المعالم التاريخية السياحية وترميمها وصيانتها كي تحتفط بجمالها الحقيقي كونها موروثا تاريخيا لحضارتنا اليمنية القديمة. كما نطالب الهيئة العامة للآثار والمتاحف القيام بحصر هذه الآثار والمعالم التاريخية وتدوينها وطبعها في كتاب يضم نبذة عن تاريخها ومواقعها وما شابه ذلك، لتعريف الساكن أو المواطن اليمني بتاريخ هذه المعالم السياحية كون المناطق التاريخية السياحية هي وجه حضارة البلاد، وأوجه في نهاية حديثي هذا دعوة إلى الاخوة المهتمين بهذا الجانب والمثقفين والأدباء والفنانين في المحافظة لإنشاء جمعية أهلية أو مركز بحث لحماية المواقع الأثرية والتاريخية والحفاظ عليها من التدهور والطمس».

< علي بن علي سعد عيدان - مؤرخ:

«لحج إحدى المحافظات اليمنية التي تزخر بالمعالم التاريخية الظاهرة للعيان، والمدفونة في باطن الأرض، لأن لحج لا يقل عمقها التاريخي عن أي منطقة أخرى في اليمن، لارتباطها عبر التاريخ بالحضارات الأخرى، ومن هذه المعالم والآثار دار العرائس التي بنيت كما قيل في زمن التبابعة على الضفة الغربية لوادي تبن بالقرب من منطقة العند، وقد بنيت بأحجار أثرية كالأحجار التي بنيت بها أهرامات مصر الفرعونية، هذه الدار على وشك الاندثار بعد أخذ كل ما فيها من آثار، ولم يتبق منها سوى الأحجار الاثرية، نتيجة الإهمال وعدم الاهتمام بهذا المعلم سواء من قبل أو الآن من الإدارة المحلية أو المركزية .. بالإضافة إلى بستان الحسيني الذي اشتهرت به لحج ودار الحجر، التي بنيت في الثلاثينات من القرن العشرين، وإلى جانبها قصر آخر كانت تسكن فيه أسرة السلطان والقاضي مهدي بن علي العبدلي، قاضي لحج، وأمام القصرين حديقة منسقة على الطراز الروماني بأعمدة من الرخام الأبيض تتوسطها نافورة مياه اندثرت تماما، أما مدخل دار الحجر أو القصر فبوابته كبوابات القرون الوسطى التي يقف عليها الحرس الذين يستطيعون فتحها وإغلاقها، وفي أعلاها مبنى يعرف في تلك الفترة ببلدية السلطنة اللحجية، وكذلك المدرسة المحسنية التي تخرجت منها أجيال متفردة ساهمت في تكوين المشهد التاريخي المعاصر.

وعلى المحافظ والأمين العام أن يحافظا على كافة المعالم التاريخية المتبقية في لحج وترميمها وصيانتها كونها تمثل شواهد تاريخية على مكانة هذه المحافظة العتيقة».

< كمال منيعم - قاص:

«لكل مدينة من المدن معالم تتميز بها أو تميزها، والمعالم تكتسب صفتها من لونها، شكلها، موقعها، فرادتها، قِدمها أو حتى حداثتها، ومن نافلة القول إن معالم أي من المدن تلقى من العناية والاهتمام ما يكسبها الألق والانطباع في الذاكرة لدى السكان والزائرين، لكن المشكل الكبير حقيقة ان مدينة الحوطة (حوطة تبن) قد عانت الكثير من الإهمال إلى درجة التعجب من ذلك الإهمال الرسمي في بنيتها التحتية، ناهيك عن معالمها، لكننا في الآونة الأخيرة بدأنا نستبشر خيرا بجدية واهتمام محافظ لحج الأخ عبدالوهاب الدرة، الذي وقع منذ عدة أيام اتفاقية تبليط عدد من الحارات بالأحجار، لكننا نأمل في إيلائه العناية لتلك المعالم، وأحب أن أشير الى ثلاثة منها: الأول مبنى كلية الزراعة الذي يخص جامعة عدن، هذا المبنى الفريد ينبغي أن تمتد إليه يد العناية لتحميه من فعل الزمن، والمعلم الثاني مساحة سكن القمندان أو منزل القمندان الواقع في منطقة بساتين الحسيني الذي نرجو أن يُسوّر على الأقل الآن، والمعلم الثالث مبنى المدرسة المحسنية الذي يمكن الاستفادة من موقعه في بناء متحف أو أي مشروع ثقافي بالتحديد، وأخيرا أود أن أشير الى مبنى المسجد الجامع الذي كان الخلاف حول نية المبادرين لتحويل بنائه بأنهم كانوا يهمون باجتثاثه، لكننا نود أن نطرح مقترحا بإمكانية إقامة مبنى حديث على أساس الإبقاء على منارة المبنى القديم، لأن اجتثاث الشيء من أساسه سفه الأقوياء ذوي السلطة والمال».

< محمود المداوي- ناقد ومهتم:

«إننا في منطقة لحج نفخر وسنظل نفخر بأننا لم نأت من فراغ، ولكن لنا قديمنا، وقديم لحج تاريخ مشرف متصل منذ قديمه السحيق وقديمه الوسيط والقريب وقديم لحج باختصار مبتدؤه ومنتهاه هو اسم العلم والمكان لحج، فلا يخفى على أحد من هو لحج وما هي جذوره الضاربة في أعماق تاريخنا البعيد.

أما فيما يخص تاريخنا حديث العهد فرغم أنه أيضا من الماضي إلا أننا ما نزال نعيش معه ويعيش فينا منذ ستمائة عام تقريبا، فإن شواهده حاضرة وماثلة أمام أعيننا كل يوم سواء في لحج أو في عدن، ونصاب بالإحباط لأن يد العبث أخذت تطاله عن قصد أو من دونه، أخذت تشوه ذلك التاريخ وتلك القصور والمساجد والمباني والمواقع الأثرية التي يرجع تاريخ أغلبها إلى العهد العبدلي، ومن أهم هذه المعالم دار الحجر، الروضة، المدرسة المحسنية، دار القفع، دار التمباك، السور الغربي لمدينة الحوطة المحاذي لحافة دار عبدالله، بيت ومنزل القمندان في الشارع الرئيس، حديقة الاندلس بنوافيرها واعمدتها الرخامية والجصية البيضاء والجميلة وزهورها المتنوعة والمندثرة تماما غير بساتين ومتنزهات لحج الجميلة وأهمها في الحسيني التي أصبحت في خبر كان، بالإضافة إلى كل ما يتعلق بفنون العمارة اللحجية الفريدة ببنائها الطيني وكذا الجصي والواضحة في معمار مسجد الدولة الآيل للسقوط وليس هناك من مهتم وكذا الجامع الكبير في قلب مدينة الحوطة.

إنني أدعو السلطة المحلية في لحج بدءا بالأخ المحافظ ونائبه والمجالس المحلية في المديريات إلى عدم التفريط بها بل الاهتمام بصيانتها وحمايتها كإرث حضاري وتاريخي على طريق إعادة وإحياء تاريخنا وتوثيقه عمليا».

< خالد سعد عبيد- معلم:

«لكل أمة من الأمم ماض تفتخر به جيلا بعد جيل ومعالم تدل على تاريخ تليد وآثار تخبر عن عظمة الأجداد، ومحافظتنا لها نصيب من هذا التاريخ الذي نفاخر به على مر الأجيال لنا في معالم الدنا شموخ يدل على ماضينا، وآثار تدل على عظمة أجدادنا، وما هذه الآثار والمعالم (قصر دار الحجر وغيره) إلا دليل على علو الهمة وشاهد على تلك العظمة، فإن آثارنا في المحافظة ظاهرة للعيان ولا تحتاج إلى تنقيب عنها بل تحتاج إلى المحافظة عليها وتجديد معالمها حتى لا تتأثر مع مرور الزمن وانقضاض السنين عليها، ولعلي لن أكون مبالغا إذا قلت إن الآثار والمعالم في محافظتنا قد تعرضت للإهمال، وأكبر شاهد على هذا الإهمال مسجد الدولة الذي تم بناؤه في 1393هـ على يد السلطان محمد بن محسن بن فضل والذي قام بوضع تصميمه الهندسي مهندس هندي وقام ببنائه بناؤون من الهند في تلك الفترة، هذا المسجد بدأت معالمه تتساقط وظهرت فيه تشققات كبيرة وظاهرة، والخوف على هذا المعلم التاريخي من الانهيار، وإذا تساءلنا متى كان آخر ترميم وصيانة لهذا المسجد، لعرفنا أن ذلك تم منذ عشرات السنين. ألا يحتاج هذا المسجد التاريخي الأثري من الجهات المسؤولة نظرة ولو على استحياء سواء من الأوقاف أو غيرها، وقد أخبر كثير من الآباء أن هذا المسجد له أوقاف بآلاف الفدادين فأين تصرف هذه الأموال؟، ونحن نجدها فرصة سانحة أن نرسل استغاثة عاجلة بلسان حال هذا المسجد الأثري الى الجهات المسؤولة لتتداركه قبل أن يكون وصمة عار في جبين هذه المحافظة.

قصر سلطان لحج
قصر سلطان لحج
ويبقى السؤال الأهم كيف يمكن المحافظة على هذه الآثار والمعالم؟ وهذا في اعتقادي واجب يقع على عاتق السلطة المحلية المتمثلة في المجلس المحلي بالمديرية الذي نأمل منه القيام بدور كبير في المرحلة القادمة للمحافظة على هذه الآثار من خلال البحث الحثيث والمستمر عن المنظمات المحلية والخارجية التي ترعى مثل هذه الآثار، ولا ينبغي إهمال هذه المعالم وتركها حتى تتساقط، وهذا أصبح حال كثير منها، ثم يأتي دور المثقفين والإعلاميين في تناول هذه القضية من منبر الصحافة ودور الإذاعة المحلية لتحريك هذه القضية الوطنية».

< جمال عبدالله السقاف - معلم وباحث:

«يحز في نفوسنا أن نرى لحج بما فيها من هامات بارزة ومآثر تاريخية من قصور ومدارس ومساجد ومشاهد وأعلام وبساتين غناءة أصبحت خراباً وأكواماً من القمامة المرمية بين الحواري.. أهكذا تصبح آثار أرض المحروسة بالله تعالى؟ ألا تعلمون ما آلت إليه تلك الشواهد التاريخية؟ فهذا دار الحجر (قصر السلطان) وأمامه الحديقة ذات النوافير والأعمدة البديعة أصبحت اليوم مقلبا للقمامة، وأما القصر فحدث ولا حرج فمدخله أصبح مكانا للتبول، ومياه حمامات القصر تصب في أساساته حتى أصابه التشقق، كما أن في الحوطة مسجدا من أبدع مساجد المحروسة عمرانا هو مسجد الدولة، الذي يضرب التصدع جدرانه من كل مكان، وهذه حوطة مزاحم بلجفار رحمة الله عليه الذي اصبح ضريحه بعد ان ناله الخراب مكانا لرمي القمامة .. ألا تعلمون ما لبلجفار وسفيان وغيرهما من أوتاد دُقت حول أرض المحروسة ولم تسمَّ محروسة إلا بهم، وحينما نقصد الحسيني لنرفّه عن أنفسنا نجد بستاناً بلا ظلال ولا ثمار، بعد أن كان يضرب به المثل ويفيض في ذكره المشتاق، فوا أسفاه على معالم لحج!

لذلك فإننا نطالب فخامة الرئيس ومحافظ لحج والأمين العام للمجلس بأن ينظروا إلى تلك المعالم بعين الاعتبار حتى تلقى الرعاية من ترميم القصور والمساجد الأثرية والاهتمام بنظافة المدينة حتى تظل لحج كما كانت أم الضيف والمسكين».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى