البروفيسور كيس براور يحكي لـ «الأيام» تاريخ ميناء المخا في القرنين السابع عشر والثامن عشر .. سجل التجار الهولنديون الحياة الاقتصادية والتجارية والإدارية في المخا في كتبهم ورسائلهم المحفوظة في الارشيف القومي بلاهاي

> «الأيام» فردوس العلمي

>
البروفيسور كيس براور مع زوجته
البروفيسور كيس براور مع زوجته
يزور اليمن حاليا الباحث والمؤرخ المستشرق الهولندى البرفيسور كيس براور المتخصص في تاريخ اليمن مند ثلاثين عاماً والذي قام بتأليف العديد من الكتب التاريخية عن اليمن أبرزها الكتاب الذي يتحدث فيه عن تاريخ مدينة المخا ومينائها وسكانها .. «الايام» التقت به يوم أمس وتحدث معها عن العديد من الجوانب المهمة.

يقول البروفيسور كيس: أنا من امستردام سكنت في القاهرة ودرست المخطوطات العربية واليمنية عن تاريخ اليمن خاصة عن الحياة الاقتصادية في القرن السابع عشر. ولكن تلك المخطوطات العربية لم أجد فيها تفاصيل تحكي عن التاريخ الاقتصادي، فما وجدته يتحدث عن التاريخ الثقافي أو السياسي أو العسكري، لأن المؤلفين كانوا أشخاصا رسميين لهم علاقات مع الحكومة العثمانية أو الإمامية القاسمية. وأنا كان يهمني تخصص الاقتصاد البحري وكان عندى الكثير من الأسئلة الأخرى التي كنت أرغب بمعرفة إجاباتها عن الحياة العامة للناس والمنتوجات التجارية والسفن والملاحة والتي لا تتعلق بالموضوع العسكري أو السياسي، وفي اعتقادي ان الحياة الاقتصادية اهم بكثير من الحياة السياسية للناس .

ويقول: «تخصصي بتاريخ اليمن الاقتصادى البحري وبالعلاقات التجارية بين كل من اليمن والهند واندونيسيا والبنجال وسوريا والصومال وأثيوبيا وكل البلدان الواقعة على سواحل المحيط الهندي، حيث كان ميناء المخا خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر الميناء الأهم لكل اليمن، وكان مركزا تجاريا مخزنيا للتجارة الدولية بين مصر وأندونيسيا وبين الهنود والسوريين، مخزن تجاري لمنتوجات الدول الواقعة على سواحل المحيط الهندي» .

ويتحدث البروفيسور كيس عن نتائج بحثه خلال ثلاثين عاما من الدراسة قائلاً: «كتبت العديد من المقالات وألفت العديد من الكتب عن تاريخ اليمن الاقتصادي والبحري وتخصصت في تاريخ ميناء المخا باعتباره الميناء المهم في تلك الفترة، وكانت نتائجي الأولى التي توصلت إليها أن ميناء المخا لم يكن ميناء للبن فقط، فذاك كان واحدا من المنتوجات، ولكن كانت هناك العديد من المنتوجات الأخرى مثل التوابل والمنسوجات الهندية والمعادن (الحديد والنحاس) الى جانب الخزف الصين والروائح وتجارة الرقيق، وكل هذه المنتجات كانت متوفرة في سوق المخا الدولي، فهناك الكثير من السفن كانت تسير رحلاتها من الهند أو البنجال أو الفرس أو عمان إلى المخا لشراء العديد من المنتجات المختلفة التي يزدهر بها سوق المخا الدولي، إضافة الى رحلة السفن من مصر شمال البحر الأحمر إلى المخأ لإجراء تبادل بين المنتجات الهندية مقابل المنتجات المصرية الى جانب المنتجات التي كانت مستوردة الى داخل بلاد اليمن مع القوافل حتى في تعز أو عمران أو صنعاء، ولكن تلك كانت المنتجات الرخيصة ذات القيمة الدنيا، ولكن المنتجات ذات القيمة العالية كانت تأتي من الهند عبر طريق المخا حتى الإسكندرية بمصر وصولاً الى أوروبا .

وهذه كانت شبكة تجارية دولية، فمثلاً كان الخزف الصيني يجلب في السفن الأندونيسية حتى كرمندل على الساحل الشرقي للهند، ومن كرمندل تشحن في سفن أخرى الى جودرات ميناء سورات أو أحمد اباد .. مدن هندية مختلفة تشحن على ظهر هذه السفن الى المخا، وبعض المنتجات كانت تشحن الى الشحر أو القشن أو المكلا، ولكن كان ميناء المخا أهم بكثير من ميناء المكلا أو عدن».

وأضاف: «في تلك الفترة كانت عدن نقطه عسكرية ولم تكن مهمة تجارياً وذلك قبل الحملة الإنجليزية في فترة الاحتلال التركي العثماني عام 1538م، حيث حول العثمانيون ميناء عدن التجاري الى قاعدة عسكرية دفاعاً عن ها من البرتغاليين، ففي بداية القرن السابع عشر كان ميناء عدن عبارة عن نقطة عسكرية وجنود ومدافع دون تجارة، فقد كانت التجارة ضعيفة ولسكان عدن فقط ولكن بدون سمة دولية، والمخا داخل البحر الأحمر كانت مركزاً دوليا وحين دخلت شركة الهند الشرقية الهولندية التي تأسست في عام 1602م كانت قوة عالمية ومنظمة رأسمالية ونشاطاتها دولية في كل أنحاء العالم، ودخلت هذه الشركة في التجارة اليمنية في المخا في عام 1616م وقامت هذه الشركة برحلة استكشافية في عام 1614 إلى عدن ووجدت أن عدن عبارة عن نقطة عسكرية، وبعد عام رجعت الشركة إلى المخا وأنشأت مركزا تجاريا مهما للتجارة الهولندية، وسمح مدير ميناء المخا آنذاك للهولنديين بالسفر من المخا إلى صنعاء عبر طرق المدن اليمنية، وبعد أسبوعين بدأ التاجر الاعلي السيد بيتر فند بروخه، وهو شخص مهم داخل الشركة، بزيارة إلى صنعاء وقابله بلر بك التركي العثماني في قصره بصنعاء، وبعد مناقشات عديدة وعميقة سمح بلر بك للهولنديين بالتجارة خاصة في مدينة المخا، ومنع الهولنديين من الرحيل حتى إلى جدة بسبب الأراضي المقدسة هناك، ورغم أن جدة كانت مهمة لكن المخا كان الميناء الأهم .

وبعد ذلك أسست الشركة الهولندية محطة تجارية دائمة في المخا وخلال قرن ونصف (150 عاماً) دامت الشركة في المخا وسجل التجار الهولنديون كل ما كان مهماً لهم في كتبهم ورسائلهم ودفاترهم عن الحياة الاقتصادية التجارية وعن أنواع المنتجات والأسعار الجمركية وكل ما يتعلق بالاقتصاد والتجارة، إضافة الى تاريخ الحياة الإدارية، فمثلا كان مدير المخا مهماً للتجار الأجانب لهذا تم تسجيل كل ما يعرفه عن الأشخاص وحكومة المدينة، كما وصف المدينة بتفاصيل كاملة (كم عدد البيوت والمدافع والسفن والمراسي ومن أين تأتي السفن ونوع البضائع) وكل هذه الوثائق موجودة الآن كوثائق في الارشيف الهولندي بمعلومات تفصيلية دقيقة وخاصة في الارشيف القومي في لاهاي، وهي معلومات قيمة عن التاريخ اليمني ويمكن أن يدرسها ويتعلمها العديد من الطلاب اليمنيين عن التاريخ الاقتصادى اليمني خلال قرن ونصف، ولكن عليهم أولاً أن يدرسوا اللغة الهولندية القديمة.. وهذا سهل لليمني لو يجيد إحدى اللغات التالية الإنجليزية أو الألمانية أو السويدية أو النرويجية لأن هذه اللغات أخوات للغة الهولندية وليس من الضرورة ان تتعلم اللغة المكتوبة في الوثائق، فأحياناً تختلف اللغة الهولندية المكتوبة بالوثائق عن اللغة المعاصرة ولكن سهل أن يتعلم الطلاب الراغبون في البحث .

اللغة الهولندية مهمة جدا للباحثين اليمنيين لمعرفة التاريخ الاقتصادي اليمني فكل شيء مدون في هذه الوثائق بكل التفاصيل. وأنا كتبت المقالات وألفت الكتاب على أساس هذه الوثائق» .

ويقول عن سبب دراسته الاقتصاد اليمني: «درست الأدب واللغة العربية في هولندا وسكنت في القاهرة فترة طويلة مع زوجتي وأولادي، وبعدها تخصصت في مواضيع كثيرة في البحث والتاريخ واخترت التاريخ الاقتصادي لليمن» .

و عن اليمن يقول: «اليمن بلاد جميلة والتجارة الدولية مهمة لأن بحثي عن تاريخ المخا واليمن داخل بحوث عن المحيط الهندي وهي شبكة عامة، والشركة الهندية الشرقية الهولندية هي واحدة فقط من عدد من الشركات داخل المحيط الهندي، وتاريخ اليمن جزء من الاتصال بين اليمن والبلدان الأخرى ليس فقط بالنسبة للمنتجات والحياة الاقتصادية فقط بل الحياة الثقافية والدينية، فالسفن ليست محملة بالبضائع بل بالثقافة أيضاً فمثلا الحضارم هاجروا إلى أندونيسيا فلم يحملوا التجارة فقط بل حملوا معهم ثقافتهم والدعوة الإسلامية والعلوم الإسلامية والعربية إلى داخل الجزر الأندونيسية، وهذا مهم جدا، ولكن أنا لم أتخصص بكل هذا وكان تخصصي في الاقتصاد اليمني فقط» .

ويواصل حديثه: «زرت اليمن في عام 1976 ورأيت العديد من المناطق والقرى في اليمن حتى صعدة وتهامة وكل قرية فيها».

وعن زيارته هذه يقول: «جئت بدعوة خاصة من رئيس جامعة عدن بمناسبة إصدار كتابي الجديد عن التاريخ الاقتصادي التجاري للمخا الذي نشر قبل ثلاثة أسابيع، وحالياً ألقي محاضرات في كل من كليتي الآداب والتربية، وسوف أزور تعز وألقي محاضرات عن نشاطات شركة الهند الشرقية أو عن تلك الوثائق الهولندية أو الاقتصاد اليمني في الماضي في مؤسسة السعيد بدعوة خاصة من قبل السيد فيصل السعيد، وبعدها أحل ضيفاً على السيد خالد تميم، رئيس جامعة صنعاء، وسألقي هناك أيضا محاضرات، وهناك في دار الضيافة أصدقاء مهمون منهم السيد حسين العمري والسيد مصطفى سالم والسيد شاكر».

كان ذلك قبساً من تاريخ شامل لمدينة المخا استعرض فيه البروفيسور العديد من المحطات المهمة والتاريخية في تاريخ مدينة المخأ ومينائها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى