أحلامنا .. وذكرى الاستقلال

> علي صالح محمد:

>
علي صالح محمد
علي صالح محمد
تهل علينا يوم غد الذكرى التاسعة والثلاثون للاستقلال الوطني لجنوب الوطن اليمني من الاستعمار البريطاني في 30 نوفمبر 1967م، وهو الاستقلال الذي سعى إليه الوطنيون ممن امتلكوا أحلاماً كبيرة لتحقيق السيادة الوطنية على الأرض بعد استعمار للأرض والإنسان دام نحو 139 عاماً، ولكي يبزغ هذا اليوم المجيد كان لابد أن يقدم الشعب في هذا الجزء من الوطن التضحيات الكبيرة بعد نضال طويل وانتفاضات مسلحة عديدة في عدد من المناطق الجنوبية، وآخرها كانت الثورة المسلحة التي انطلقت في الرابع عشر من أكتوبر لتستمر أربع سنوات سقط خلالها الكثير من المناضلين، أولئك الذين كانوا شعارهم يوم التحقوا بمهمة النضال وتمثلوا قوله تعالى {ومن المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً} صدق الله العظيم.

المؤكد أن هؤلاء حين عاهدوا الله يومئذ كانوا يحملون أحلاماً كثيرة هي وراء تقديم أرواحهم قرابين للانتصار ووراء إصرارهم لتحقيق التحرر والانعتاق من الاحتلال البريطاني، وقيام السلطة الوطنية التي تؤمن للناس حق العيش الكريم والمتساوي والعدالة للجميع في المدينة والريف وفي كل أرجاء الوطن بعيداً عن التمييز والتفرقة ونهب الثروات وممارسة التجهيل وسياسات فرق تسد وغيرها من السياسات التي هدفت إلى عزل مناطق الريف وحرمان أبنائها من الحياة الطبيعية وإبقائها أسيرة الثالوث المريع: الفقر والجهل والمرض.

وبعد تحقيق هذا الحلم الكبير وخلال فترة الحكم الوطني انتصرت بعض الأحلام وهزمت أحلام، انتصرت قوى وهزمت أخرى، ابتسمت فئات وحزنت أخرى، سادت توجهات وأفكار لتقصى أخرى، وباختصار أصبح الصراع عنوانا يختزل هزيمة أحلام الجميع، لينتصر الجهل كعنوان لهذا الصراع.

واعتقد الكثير من هؤلاء أنهم حين يتجهون نحو تحقيق الحلم الأكبر أي (وحدة شطري اليمن) فهم بذلك قد وجدوا البلسم الشافي الذي يداوي كل الجراح وكأنهم على يقين بأن الوحدة هي مصدر (للداء والدواء معاً) ويتحقق الحلم في 22 مايو 1990م ليستمر العناق الصوري أربع سنوات فقط، وإذا بالحلم يتحول إلى مصدر جديد للأذى والهوان ولكن هذه المرة لفئات أوسع وأشمل وتتبدد معه أحلام الكثيرين وتنتصر أحلام البعض، لتنتصر مجدداً راية الصراع وتؤسس لشجرة صراع جديدة ويصبح الحزن والبؤس والجوع أهم الرفاق على مائدة الهزيمة، والجهل أهم العناوين لانتصار رماح القبيلة. قبل أيام كنت أتحدث إلى أحد هؤلاء الذين صنعوا هذا اليوم وحمل روحه على كفيه يوما ما في سبيل تحقيق بعض من الحلم، سألته بعد أن استجر بعضاً من الذكريات وموقعه من الأحداث، لو عاد الزمان يا (فلان) هل ستقوم بنفس الدور الذي قمت به؟ أجاب بعفوية بالغة وبصوت عال متسم بالحزم والجدية والأسى يشع من عينيه: لمَن؟

بهذه الكلمة الوحيدة اختزل الإجابة لتشمل وتعني كل صنوف المرارة والأسى على عمر مضى، بعد أن وجد نفسه فجأة في بلد الاغتراب على غير ما كان يحلم به، ليبدأ ومعه أولاده الخمسة ممن أمكن تأهيلهم في فترة الحكم الوطني ومنهم الطبيب والمهندس والطيار، رحلة عمر جديدة في وطن آخر يحاولون معاً أن يحققوا فيه ما عجزوا عن تحقيقه في وطنهم الأم، كحال غيرهم ممن سبقهم إلى ذلك أو ممن سيلحق بهم، بعد أن وئدت الأحلام مجدداً وأصبحت أحلامنا الكبيرة مصدراً للأذى والآلام، أكثر منها مصدراً للفرح والمسرات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى