الأغنية اليمنية بين النجاح الفني والانتشار

> «الأيام» مختار مقطري:

>
عوض أحمد
عوض أحمد
يوم الجمعة 8/12 حضرت حفلاً غنائياً في (مخدرة) بمدينة المنصورة أحياه عدد من الفنانين في مقدمتهم عبدالكريم توفيق، عوض أحمد، أنور مبارك وفضل كريدي بالعزف المتقن والبارع على آلة العود. كانت أمسية فنية جميلة استمتعت فيها بأغنيات يمنية خالدة بأصوات فنانين كبار وبأدائهم الراقي، فنانين لم يدخلوا مجال الغناء للارتزاق أو بوسائل انتشار لا تختلف نتائجها عن نتائج انتشار الأمراض الوبائية أو النكات الخليعة أو الجرائم المخلة بالقيم والأخلاق.

نظرت في أرجاء (المخدرة) فلفت انتباهي وجود ما لا يقل عن عشرة من الشباب لا تزيد أعمارهم عن خمسة وعشرين عاماً، ثم أسعدني كثيراً حرص هؤلاء الشبان على البقاء في (المخدرة) إلى ساعة متأخرة للاستماع لغناء هؤلاء الفنانين وفي مقدمتهم الفنان القدير عبدالكريم توفيق، وعلى وجوههم رأيت استغراقاً عميقاً في الاستماع وابتسامات حفاوة وإعجاب بما يسمعون، وسحابة صمت مرهف خيم عليهم ،بعض هؤلاء الشباب أعرفهم وأعرف أنهم مبهورون بأغاني الفيديو كليب وكاظم الساهر وأنغام وإيهاب توفيق، لكن بعضهم أكدوا لي بعد انتهاء (المخدرة) أن معظم الاغاني سمعوها من قبل بأصوات هؤلاء الفنانين وبأصوات غيرهم من الفنانين المعروفين إلا أن الاستماع المباشر لهؤلاء الفنانين وفي مقدمتهم عبدالكريم توفيق قد سيطر على حواسهم وملأ قلوبهم بنشوة طرب لم يشعروا بها من قبل، وأشار بعضهم إلى جانب شغفه بعبدالكريم توفيق وعوض أحمد إلى إعجابه الكبير والوليد بأنور مبارك معبراً عن أسفه الشديد لعدم حرصه على سماعه من قبل.

هذا النجاح الفني الذي حققه هؤلاء الفنانون له أسباب في مقدمتها أن الأغاني التي قدموها وهي أغان قديمة الا أنها مازالت رائعة ومدهشة ببسب غناها بعناصر التجديد الفني في الكلمة والمعنى والجملة الموسيقية والأداء، ولا تجتر التراث أو تعيد تقديمه بثوبه القديم وأساليبه القديمة، وإلى جانب الموهبة الفنية الكبيرة لهؤلاء الفنانين التي أدخلتهم مجال الفن هناك نشأتهم في مرحلة تاريخية وفي مناطق يمنية شهدت أزدهاراً فنياً كبيراً وتجديداً في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ، وهي مرحلة فنية رفضت أنصاف المواهب والذين بلا مواهب، وفيها كان الصغير يتربى فنياً تحت إشراف الأستاذ والمربي الكبير ، وحرصت على التجديد وإعادة صياغة التراث بقوالب فنية جديدة فخلقت لدى الجمهور ذائقة فنية راقية وثقافية فنية رفيعة.

إن الأغاني التي قدمها هؤلاء الفنانون في (المخدرة) كانت بمعظمها أغاني تجديدية لحجية وأبينية ولا أحد يستطيع إنكار ما شهدته هاتان المحافظتان من ازدهار فني وإلى جانبهما عدن وحضرموت، في المرحلة التاريخية المشار إليها.

والآن هل يستطيع مغن مثل علي عنبة أن يحقق النجاح نفسه الذي حققه عبدالكريم توفيق في (المخدرة)؟ بالطبع لا، لأن كل شيء فيه قديم، الكلمات واللحن والعزف والأداء وإمكاناته الفنية لا تمكنه من التجديد، ضف إلى ذلك أنه لم ينشأ في بيئة شهدت أو تشهد ازدهاراً فنياً، وأقصى ما يستطيع تحقيقه من انتشار لن يخرج عن مناطق معينة ، ولن يتجاوز جمهوراً معيناً، مناطق لم تزدهر فنياً وما زال الجمهور فيها يستعيد القديم ويجتره اجتراراً.

إن النجاح الفني الكبير الذي حققه عوض أحمد في عدن ولحج وأبين وغيرها من المحافظات الجنوبية وهو نجاح ارتبط بالانتشار، لا يستطيع أن يحققه مغنٍ مثل فؤاد الكبسي مثلاً، وعوض أحمد لا يستطيع اليوم تحقيق الانتشار الذي حققه الكبسي في بعض المحافظات الشمالية، لأن الذائقة والثقافة الفنية الجماهيرية في هذه المحافظات لم تتقبل التجديد في الغناء اليمني لذلك فانتشار الكبسي يرجع لقدرته على صناعة وتسويق شريط الكاسيت وما يحتويه من غناء قديم يروق لجمهوره اليوم.

أنور مبارك
أنور مبارك
وما أن تشهد المحافظات الشمالية التي يغني لجمهورها ازدهاراً فنياً حتى يسدل الستار على اسمه، لأنه لم يحرص على التجديد ليثبت مقدرته الفنية في الخلق والإبداع والابتكار وظل يجتر التراث بأساليبه القديمة، وبالتالي حقق الانتشار ولم يحقق النجاح الفني، وبقي التراث بجوهره النفيس المصنع في مرحلته التاريخية متفوقاً على أغانيه التي لن يكتب لها البقاء والخلود.

إن الاتجاه نحو التجديد في الفن والغناء تحديداً وتنمية الذائقة والثقافة الفنية لدى الجمهور من مسؤولية الفنان وجزء مهم وأساس من رسالته الفنية التي لا يؤديها باقتدار سوى ذوي المواهب الفنية الكبيرة وهذا هو النجاح الفني لكل مبدع حقيقي.

وإلى أن تشهد اليمن كلها ازدهاراً فنياً كبيراً سيبقى فنانون مبدعون مثل عبدالكريم توفيق وعوض أحمد وفضل كريدي وأنور مبارك وغيرهم بعيدين عن الانتشار في المحافظات الشمالية، ومسؤولية تحقيق هذا التطور للأغنية اليمنية تقع في المقام الأول على عاتق الصحافة وشركات الإنتاج والفضائية اليمنية تحديداً ولأن الفضائية اليمنية كما يبدو غير حريصة على تحقيق هذا الازدهار في الغناء اليمني فلم يكن من المستغرب أن أشاهد علي عنبة على شاشة الفضائية اليمنية في إحدى سهرات عيد الفطر المبارك.

ولكي تتأكدوا من ذلك شاهدوا سهراتها الفنية في عيد الأضحى المبارك القادم. إن شاء الله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى