الوردة الحمراء..

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
خليل محمد خليل، حتى وإن جار الزمن عليه، يظل بين ألمع النجوم في سماء عدن، رجلاً (ملء هدومه)، يعيش في داره الحجرية المنقوشة ببقايا أيام العز في الشارع الصاعد من الأسواق المركزية للخضار واللحوم في كريتر «الطويلة» وصولاً إلى «الصهاريج» المحفورة في الصخر كما هو خليل في ذاكرة الزمن، ومن شابه بيئته فما ظلم، فما من أرض خلقها الله إلا وجعل ناسها أشد منها، إن شدّت، وألطف منها إن لطفت.

لقد نيّف على الثمانين من عمره المديد بإذن الله ولزم داره لا يريم منه حراكاً، وقد تناقص زواره لأن مجايليه قد اخترم أكثرهم الأجل، ومن تبقى منهم ينتظر، وما بدلوا تبديلاً. أين «المزاهر» يا صاحب «الندوة العدنية» وشادي الألحان الشجية، وخليل الأقمار الندية؟ أين الإبداع وقد كنت فناره، والتجديد وقد كنت مناره، والتقاط نبض عدن الجديد وقد كنت «رادار» استقباله؟.. قل للزمان ارجع يا زمان.

«عدنك» يا خليل، المدينة العاشقة المحتفية بالحب، المزروعة جبالها البركانية بالأشواق، والمغسولة بدموع الأحباب، عدن الحالمة بصباحاتها الندية، وأماسيها البلورية، وشواطئها الساحرة، وأمواجها الساهرة، ونجومها الحالمة، ونسائها الفاتنات يصرعن ذا اللبّ حتى لا حراك به. عدنك أيها الشيخ تلك التي تحلق بجسارة نسر وترقّ بقلب عصفور. عدن محمد مرشد ناجي، سالم أحمد بامدهف، محمد عبده غانم، محمد سعد عبدالله، صباح منصر، رجاء باسودان، محمد عبده زيدي، جميل غانم، أحمد بن أحمد قاسم، لطفي جعفر أمان، أحمد شريف الرفاعي، إسكندر ثابت، محمد محسن عطروش، عدن الشيخ علي أبوبكر باشراحيل، أحمد عوض الجراش، أحمد عبيد القعطبي، المدينة التي جمعت اليمن فأوعت وإليها ترحل الأغاني من كل فج عميق.. هل تتذكر أيها الشيخ الجليل؟! أصغ إليّ قليلا فإن قلبي كقلبك:

كأنّ قطاة عُلّقت بجناحها

على كبدي من شدّة الخفقان

حين غنّيتَ «الوردة الحمراء.. على صدر السمراء» غارت كل الورود، واحتفت كل النهود، وزهت كل سمراء على كل بيضاء، ولا تزال تلك الأغنية البسيطة التركيب، الخارجة عن التقليد، معلماً في التأليف الجديد، والحساسية المدنية التي شردت إلى أغاني الأفلام قبل أن تعيدها بـ «ضربة معلم» إلى مرعاها ومجراها في بيئتها، ولا تزال تلك الأغنية وأخواتها يُرقصن ويُطربن، وإن قالوا وأعادوا في ذلك، لأنه في الأخير «لا يصح إلا الصحيح»، فليس كل ما يلمع ذهباً.

العام الماضي زرتُ خليل محمد خليل بصحبة صديقيّ علي صالح محمد، وعبده يسلم بن مساوى، وكلاهما مملوءان بالشجن ونزيف الأغاني «ومن قصد البحر استقل السواقيا» كما يقول أبو الطيب، فوجدنا ابنته الكبرى جالسة على كرسي خارج الدار تتأمل العابرين غير آبهة بأغبرة السيارات الذاهبة والآيبة بين شارع «السيلة» وبستان الصهاريج الذي يطل عليه من علٍ بقايا معبد الفرس من عبدة النار. سلّمنا وسألنا.. قالت: تفضلوا. وربما تعجبت لهذه الأوجه الغريبة تسأل عن أبيها، بدا ذلك في عينيها ولم ينطق به لسانها. صعدنا درجاً فسيحاً بمقاييس العمارة العدنية حتى وصلنا إلى الحضرة الخليلية حيث رائحة العزلة لا يخطئها الشمُّ. رعاك الله يا عم خليل، كيف أنت والزمن الذي يعطي بيد ويأخذ بعشر؟ بالكاد عرفني، وبالكاد يسمعني، وقد أخذ متحف الصور على جدران غرفة الاستقبال يحدثنا عن ماض غبر «تتذكر زمانك عبر، حيا الله ذاك الزمان». شكا من ضعف الذاكرة، بينما اشتكى كل شيء حوله من ضيق ذات اليد وإهمال الإنسان للإنسان. ودّعته بعد أداء الواجب وحرصت أن لا يرى الدمعة في عيني. وقد علمت للتو قبل أن أنهي المقال أنه منوّم في مستشفى صابر. فلتكن قلوبنا جميعاً معه حتى وإن كنا من جماعة «لا خيل عندك تهديها ولا مال..» محبتنا يا عم خليل وتمنيات بالشفاء العاجل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى