صمت الأصابع: شعر عمر الجاوي

> «الأيام» د. مبارك حسن الخليفة:

>
عمر الجاوي
عمر الجاوي
عمر الجاوي شاعراً .. كتب الشاعر عمر محمد عمر مقدمة لمجموعة عمر الجاوي الشعرية:«صمت الأصابع»، وجاءت مقدمته تحت عنوان:«عمر الجاوي شاعراً»، سجل فيها انطباعات أولية - حسب قوله. والحقيقة أن الشاعر عمر محمد عمر أشار إلى معالم وصُوىً يهتدي بها القارئ المبحر بين دفتي «صمت مضموناً وشكلاً، وعن أثر البيئة الريفية فيه.

وأنا -في هذه العجالة-أالتقط واحداً من هذه المعالم ليكون محور حديثي، وهو الهم السياسي والوطني، وإن كنت أحبذ أن نقول: الهم الوطني والسياسي، تقديماً للوطن على السياسة.

الهمُّ الوطنيُّ والسياسيُّ

عمر الجاوي ا الجاوي لا يحتاج شهادة من أحد على وطنيته وحبه لشعبه وإيمانه بوحدته.

فلا عجب إذاً أن يكون مهموماً بحب الوطن وبالسياسة التي هي وسيلة إلى تحرر الوطن وتوحيده ورفاهية الشعب اليمني. ولا عجب أيضاً أن يسيطر الهم الوطني -حسب قول عمر محمد عمر -على المساحة الأكبر من موضوعات شعره.

أريد أن أتناول شعر عمر الجاوي في محورين:

الأول: حضور الوطن في وجدان عمر الجاوي ومن ثم في شعره.

الثاني: عمر الجاوي الحالم.

حضور الوطن في وجدان عمر الجاوي ومن ثم في شعره

قمت بعملية إحصاء كشفت لي أن عمر الجاوي أكثر من ذكر الوطن اليمني، وذكر صنعاء وعدن ومدناً ومناطق كثيرة، وأسماء ذات دلالات تاريخية ووطنية. ونتيجة الإحصاء كانت على النحو الآتي:

1- ذكر الوطن واليمن السعيد، وبالنداء احياناً: «ياوطني» 37 (سبعا وثلاثين مرة).

2- ذكر صنعاء وعدن 19 (تسع عشرة مرة).

3- ذكر البيضاء والحجرية وصرواح وتبن وحقات وشمسان وحضرموت وسبأ وحمير وغمدان ومأرب والحديدة وباجل ونجران 30 (ثلاثين مرة).

4- ذكر ذونواس وذويزن وبلقيس وأروى 5 (خمس مرات).

ليست المسألة مجرد ذكر أسماء وحشد لهذه الأسماء، وإنما هذه الأسماء لها دلالاتها وتجلياتها كما سنعرف من بعض النماذج:

النماذج الشعرية:

1- في قصيدة:«أغنية»، ص 52، التي كتبها إثر محاولة اغتيال الإمام أحمد في عام 1961م، ذكر «وطني» ست مرات؛ يقول في أولها:

وطني حقلُ سنابلَ دون حصادْ

غابات تزرعُ شوكاً في قدم الصيادْ

أذْرعُ شعب يهزأ بالسجن وبالأصفادْ

وفيها يقول:

وطني الفردوس

الإنسان

الأمجاد

وطني حقل سنابل دون حصاد

ينتظر الأذرع في شوق

ترفع عن معصمها الطوق

تحصد هذا الجلاد الممحوق

إلى أن يقول:

وطني الأذرع تكسرها الأصفاد

تسحق أنف الأوغاد

وطني لن ينبحَه كلبٌ بعد اليوم

ولن تنبشَ تربتَه قدمُ الصياد

وطني الليلة عاد

هذا هو الوطن اليمني بأمجاده وإنسانه وشاعره المتفائل بأن الحقل سيمتلئ بالسنابل وأن القيود ستنكسر وأن الجلاد سيهزم. ولم يقل الشاعر إن وطني «سيعود»، وإنما قال «وطني الليلة عاد»، ليؤكد حضور الوطن المنتصر على أعدائه.

2- ويقول في قصيدة «قميص عثمان» ص 89:

والتين

وهذا البلد

وذي يزن

سيفيض الحرف

ونحيا كالأصص المدفونة

في قاع الزمن

اليمن التاريخ، اليمن الحاضر، اليمن المشطر، واستراف الوحدة بحنين صنعاء إلى عدن، إنه عمر الجاوي الوحدي حتى النخاع.

3- ومولد الجمهورية يوحي له بالفرحة والسعادة فيكتب قصيدته: «مولد الجمهورية» ص 66، يقول:

صنعاء ثارت حطمت عبء الليالي والدهور صنعاء كفّنت عارها جثتا معفنة لأسراب النسورü

فلتسألوا قصرَ البشائر

عن مباذلهم

وفرشهمُ الحرير

ويقول:

حصدوا القرون فكان حصدُ رؤوسهم للشعب عيد

فلتنظروا شعبي

يدوس لحاهمُ الصفر العنيده

ونشيده الداوي

يزمجر عبر صنعاء الوليده

سنعيدها اليمن السعيدة

أقسمت يابلقيس بالبانين مارب صاعدين

أقسمت بالفلاح يقطر كفُّه غبنا وطين

بمنار غمدانَ الرفيعِ

بشمسنا

بالسلم ، بالإنسان، بالقيم الجديده

سنعيدها اليمن السعيدة

إنها فرحة المناضل حين يجني ثمار نضاله وتضحياته نصراً يزلزل عرش الطغاة. وعمر الجاوي الوحدوي الصادق يمد فرحته لتكسو أرجاء الوطن اليمني. استمع إليه وهو يقول:

من حضرموتَ إلى الحديده

سنعيدها اليمن السعيده

صنعاء ثارت حطمت ثقل القيود

صنعاء لن تستبدل الجلاد

بالذئب الحقود

سجان حجة لن يُعيدَ القيد

من خلف الحدود

لا رجعة بعد النصر المؤزر الذي تحقق بعد اندلاع ثورة السادس والعشرين من سبتمبر

4- بقي أن تثور عدن وتطرد المستعمرين. وعمر بحسه الوطني يرصد إرهاصات الثورة من وقت مبكر؛ فقد كتب قصيدته (مرفأ النجمات) ص 38، بمناسبة الانتفاضة الطلابية في عدن وظهور الاتحاد الشعبي الديمقراطي. يقول في أولها:

تتكاثف النجمات في عينيك يا حبي

فيغمرني ضياها

ويذوب ملءَ دمي

ويملأ أعظمي حلما رؤاها

في منتهاها

إني أعيش

إني أموت

في ظل مرفئها النجوم

والثلج في قدمي

وفي قلبي

قناديل الهموم

النجوم في مرفئها، والقناديل في قلبه، كلها ستتجمع لتضيء درب الثوار، فينتصرون على المستعمرين بعد نضال مرير، فجروا جذوته في الرابع عشر من أكتوبر.

5- استوقفتني، كما استوقفت عمر محمد عمر، قصيدة متمردة هي (خواطر عكفة) ص 13، وهي أولى قصائد مجموعة عمر الجاوي الشعرية. لقد انطبعت صورة العكفة في وجدان الناس معبرة عن الظلم ، وعن أن العكفة هو اليد التي كان يبطش بها الإمام. ولكن عمر الجاوي ينظر إلى هذا العك شخصية العكفي وتناولها بأسلوب مغاير».

يرى العكفة صورته في وجوه الناس فيقول:

ألسنة الناس الناريه

تزرع دربي شوكاً فوق الشوك

تدمي وجداني المنهوك

الأعين ترمقني في سخريّه

من أقصى قريه

في وطني من أقصى قريه

ويحاول أن يعبر عما يعتمل في نفسه موضحا موقفه الحقيقي:

يحزني أن تبكي يا طفلا

أن تسمع اسمي

أن تشهد رسمي

لست المقلق نومك

لم أشرب دمع أبيك

والعكفي، الإنسان، يحن إلى قريته؛ وفي المقطع الثاني الذي سماه عمر الجاوي (تذكر القرية) يقول:

مرت نسمه

باردة عطريه

تحمل أنفاس ليالي (الحجرية)

ويتذكر العيد وهو بعيد:

أذكرك الليلة والعوْدُ بعيد

يا أملأ يشرق

يا يوم العيد

مرت نسمه

باردة عطريه

تحمل أنفاس ليالي صنعاء

وأشجان الحجريه

ويستقظ الإنسان في نفسه، ويأبى أن يشبع جوع الطاغية باللحم البشرية، وأن يجوع أطفال ذمار والحجرية وأطفال زبيد: يحزنني

يا سارق نومي أن أهديك دمي

أن أشبع جوعك من لحمي

من لحم البشريه

أن تطفر دمعاً

أطفال ذمار

أطفال الحجريه

وفي مقطع اسمه (مجازفة)، يقول العكفي: سأغني الليلة أغنيهْ

خضراء شجيه

فليسمعني النخل

وفئران القريه

وسأغني أغنيةً ثوريه

أعرفها كانت حلماً للثوار

تخنق أنفاس القصر

يحملها الزهر شذىً

والغصن ثمارْ

يحضنها الحائط

ألف شعار

تشمل في صنعاء النار

ويفرح العكفي حين يبتسم الطفل، بعد أن رأى وجهه الآخر:

يفرحني أن تبسُمَ

يا طفلا

أن تسمع اسمي

أن تشهد رسمي

آه لا تعرف

من يشرب دمع أبيك

هذي بعض نماذج من شعر عمر الجاي تعبر عن صدق إحساسه بالوطن وبالشعب وعن إيمانه بالوحدة اليمنية إيماناً لا تشوبه شائبة.

خلل موسيقي في: صنعاء كفّنتْ (يتبع)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى