حال الحريات الصحفية في العالم العربي في مقدمة التقرير السنوي الخامس 2005/ 2006 ...حمل العام 2006 معه الكثير من عوامل القلق والخوف على مستقبل حرية التعبير و الرأي

> «الأيام» إبراهيم نوار:

> مقدمة:يصدر بعد أيام التقرير السنوي الخامس للمنظمة العربية لحرية الصحافة الذي يتناول بالعرض التحليلي والتوثيقي حال الحريات الصحفية في العالم العربي خلال الفترة من مايو 2005 وحتى ديسمبر 2006. ونظرا لاعتبارات عملية فإن هناك بعض الاستثناءات حيث تقتصر فترة التغطية بالنسبة لبعض البلدان على العام 2005 فقط أو تمتد إلى الأشهر الأولى من العام 2006.

ويظهر التقرير أن الصراع بين القوى التي تسعى لتحرير الصحافة من القيود والقوى التي تعمل جاهدة على استمرار تكبيل الصحافة في العالم العربي وصل أوجه وبلغ أعلى مستوياته منذ العام 2000 وحتى الآن. فالقوى الساعية إلى تحرير الصحافة من القيود ازدادت اتساعا وزادت بأسا. أما القوى التي تعمل على استمرار تكبيل الصحافة بالقيود فإنها زادت استبدادا واتسع ميلها لاستخدام العنف في مواجهة الصحفيين والقوى الحليفة لهم الذين يدافعون عن حرية الرأي والتعبير. وتتمثل المواجهة في أجلى صورها في الصراع حول عقوبة الحبس في قضايا النشر، وهو الصراع الذي قد تمتد نيرانه إلى مجالات وقطاعات أخرى بما يتجاوز نطاق الصحافة والصحفيين.

ويعتبر العراق حالة خاصة في هذا التقرير، فعدد القتلى من الصحفيين يرتفع كل يوم منذ الاحتلال الأمريكي للعراق حتى الآن حتى تجاوز المئة والسبعين صحفيا ووصل في بعض الإحصاءات إلى ما يقرب من مئتي صحفي قتلوا بنيران الحرب في العراق. ولا تبدو هناك بادرة في الأفق لوقف نزيف الدم من الصحفيين في العراق سواء تعلق الأمر بالصحفيين الأجانب أو بالصحفيين العراقيين. وحتى فيما يتعلق بقرار مجلس الأمن رقم 1738 الصادر في 23 ديسمبر 2006 بخصوص حماية الصحفيين في مناطق النزاع والصراعات المسلحة فإنه أعاد التأكيد على قرارات وبروتوكولات دولية سابقة ابتداء من معاهدات جنيف عام 1949 والبروتوكولات الإضافية المكملة لها خصوصا المادة 79 من البروتوكول الإضافي رقم 1 (8 يونيو 1977) المتعلقة بحماية الصحفيين العاملين في مناطق النزاعات. كذلك أعاد القرار 1738 التأكيد على قرارات سابقة أصدرها مجلس الأمن الدولي في ذات الخصوص ومواثيق الأمم المتحدة التي تنص على حماية المدنيين في زمن الحرب ومسؤولية قوات الاحتلال عن ضمان سلامة المدنيين. ولم يتضمن القرار آليات محددة تضمن نظاما دوليا لحماية أرواح الصحفيين والمؤسسات الصحفية في زمن الحرب وفي مناطق النزاع مما يفقد القرار الكثير من أهميته ويحوله إلى مجرد وثيقة دولية فاقدة الروح ترقد جنبا إلى جنب مع وثائق كثيرة غيرها صدرت في خصوص حماية الصحفيين والمدنيين الموجودين في مناطق الحرب ولم تسفر عن تغيير السلوك الدولي فيما يتعلق بالاعتداءات المتكررة على الصحفيين والمؤسسات الإعلامية. ومن أخطر النقاط التي لم يتطرق إليها القرار 1738 ما يتعلق بسلطة التحقيق وسلطة الادعاء والمحاكمة فيما يتعلق بالمتهمين بشن الاعتداءات على الصحفيين. وقد لمسنا في المنظمة العربية لحرية الصحافة من خلال تعاملنا مع حالات بعينها اتهم فيها جنود أمريكيون أو بريطانيون باستهداف الصحفيين أن القيادة العسكرية لقوات الاحتلال في العراق هي التي تولت التحقيق ولم يتم السماح لجهات مستقلة بإجراء التحقيقات. وقد أسفرت التحقيقات العسكرية عن أن الاعتداءات على الصحفيين لم تكن "متعمدة" ومن ثم تمت تبرئة المسؤولين عنها.

ومن الضروري أن نقرر أنه بسبب زيادة العنف والاعتداءات التي يتعرض لها الصحفيون في العراق وقعت النتائج التالية:

1- ازداد لجوء المؤسسات الإعلامية العالمية مثل وكالات الأنباء ومحطات التليفزيون والصحف والمجلات إلى استخدام الصحفيين والمصورين المحليين كمصادر للأخبار عن الأحداث في العراق إلى جانب المصادر الرسمية المتاحة في المنطقة الخضراء أو في قيادة قوات التحالف.

2- تمركز المراسلين الأجانب في فندق "الحمراء" في وسط بغداد في ظل حراسة مشددة أو في أماكن الإقامة الحصينة المتوفرة لهم بعيدا عن مواقع الأحداث. وأدى هذا إلى عزلة ملموسة للمراسلين واقتصار ما يحصلون عليه من أخبار ووجهات نظر على ما يصلهم من مساعديهم المحليين والمصادر الرسمية العراقية والأمريكية.

3- العودة بصورة متزايدة إلى استخدام الصحفيين المرافقين للقوات الأجنبية لأغراض إعداد تقارير أقل ما توصف به هو أنها تقارير "علاقات عامة" تهدف إلى تحسين صورة الدور الذي تقوم به قوات الاحتلال وتسويق هذه الصورة في الولايات المتحدة من أجل كبح جماح القوى المناهضة للحرب في العراق والمعسكر المنادي بعودة الجنود الأمريكيين إلى ديارهم.

4- فرض قيود شديدة على حرية تداول المعلومات العسكرية في العراق خصوصا تلك المتعلقة بالانتهاكات التي يرتكبها جنود القوات المتعددة الجنسيات ضد المواطنين العراقيين. وهذا يفسر أن كل الفضائح التي تكشفت عن الممارسات السلبية للجنود جاءت عن طريق الصحف الأمريكية ولم تستطع صحيفة عراقية واحدة أن تكشف تفاصيل أي من هذه الفضائح وآخرها فضيحة اغتصاب فتاة عراقية ثم قتلها هي وأسرتها. وما حرية الصحافة في العراق إلا كذبة كبيرة، لأن الحرية لا تتحقق لصحفيين يقتلون على مرأى ومسمع من قوات الاحتلال وصحف مهددة ليل نهار بالتفجير والنسف.

ومن المهانة أن نكشف في هذا التقرير عن أن هؤلاء الذين قضوا وهم يؤدون واجبهم المهني لمصلحة محطات تليفزيونية دولية مثل محطة "الحرة" ووكالات أنباء عالمية ذات سمعة مدوية مثل "رويترز" لم تحصل أسر أي منهم على التعويض المناسب بحجة أن الصحفيين القتلى مثل عبد الحسين خزعل (الحرة) ومازن دعنا (رويترز) لم يكونا متعاقدين مع هاتين الجهتين! وفي هذا السياق فإنه لابد من الإشادة بموقف قناة "العربية" التي دفعت تعويضات عادلة لأسر الضحايا (أطوار بهجت وزميليها) وتولت علاج المصابين الذين وقعت إصاباتهم وهم يؤدون عملهم كما هو الحال في مثال الزميل جواد كاظم.

إن المجتمع الدولي بأكمله يتحمل مسؤولية نزيف الدم الذي يعاني منه الصحفيون في العراق. ولا تقف المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية بعيدا عن نطاق هذه المسؤولية، فهذه المؤسسات مسؤولة بالدرجة الأولى عن أمن وسلامة مراسليها الذين يصنعون لها السبق الصحفي في معركة المنافسة على الحصول على الأخبار أولا وكسب المزيد من القراء أو المشاهدين. وهي أيضا مسؤولة عن رعايتهم في حال تعرضهم للاعتداء ومسؤولة عن تعويض أسرهم ورعايتها في حال موتهم في ميدان العمل.

التفاوت الكبير في حال الحريات الصحفية بين البلدان العربية

تظهر متابعة حال الحريات الصحفية في العالم العربي تفاوتا كبيرا في مساحة الحرية المتاحة للصحفيين والإعلام وحرية التعبير والرأي بشكل عام. فهناك الدول التي توجد فيها أنظمة إعلامية مفتوحة نسبيا، مثل مصر والمغرب ولبنان والأردن وفلسطين، بينما هناك دول ذات أنظمة إعلامية مغلقة نسبيا مثل ليبيا وسورية والسودان وتونس وسلطنة عمان. وبين هاتين المجموعتين توجد دول عربية ذات أنظمة إعلامية بين مفتوحة وبين مغلقة مثل معظم دول الخليج واليمن وموريتانيا والجزائر. وهناك دول ذات أنظمة إعلامية ممزقة تعكس الحال السياسي في بلدها مثلما هو الحال في العراق وفي الصومال حيث وقعت الصحافة ووسائل الإعلام أسيرة لقوى طائفية وقبلية تفرض سيطرتها بالقوة. وتعاني الصحافة العربية بشكل عام من التدخل السياسي للأحزاب المحلية والجماعات الدينية ومن حكومات دولها وكذلك من حكومات دول عربية أخرى. فالإساءة إلى دولة صديقة مثلا تعتبر جريمة في قوانين الصحافة في معظم الدول العربية بما فيها قانون جرائم النشر الذي صدر أخيرا في مصر. وقد تم رصد حالات انتهاكات في بلدان عربية تم فيها حبس صحفيين أو منعهم من الاشتغال بمهنة الصحافة أو وقف الصحف والمحطات التليفزيونية منها اليمن ولبنان. ومن الضروري العمل على فصل الإعلام عن السياسة في العالم العربي حتى يكتسب الإعلام مصداقيته المطلوبة لدى الرأي العام. وتسجل الموجة الأخيرة من تعديلات قوانين الصحافة في العالم العربي مقاومة حتى النفس الأخير من جانب الدولة والحكام العرب لأي تغيير جذري في طبيعة النظام الإعلامي بما يسمح بحرية حقيقية للتعبير والرأي وللصحافة ووسائل الإعلام وذلك خشية أن يؤدي هذا التغيير إلى هز أنظمة الحكم القائمة في العالم العربي.

الصحافة المستقلة تسقط "المحرمات" وتتجاوز الخطوط الحمراء

وسجلت تقارير المنظمة العربية لحرية الصحافة زيادة كبيرة في معدل نمو حالات انتهاك حرية الصحافة في العالم العربي خصوصا في سورية ومصر والسعودية وتونس والجزائر. ولا تعني هذه الزيادة التي بلغت في بعض الأحوال ما يقرب من 100% مقارنة بالعام السابق أن هذه الدول هي الأسوأ أو أن حرية الصحافة في بلدان عربية أخرى هي أفضل و أن الانتهاكات فيها أقل. إن حال الحريات الصحفية في دول مثل السودان وليبيا هي الأسوأ في العالم العربي غير أن حركة الدفاع عن حرية التعبير والرأي في هذه الدول لا تزال غير قادرة على النزال مثلما هو الحال في مصر والسعودية والمغرب والجزائر. كما أن استبداد الأنظمة في عدد من الدول العربية التي لم تتوفر عنها معلومات كافية يمثل رادعا ضد قوى حرية الصحافة التي لا تزال أضعف من أن تواجهه. إن الزيادة الكبيرة في انتهاكات حرية التعبير والرأي في بعض الدول تعني زيادة حدة المواجهة بين تيار الحرية وبين تيار التقييد وتظهر أن تيار التقييد والكبت لم يعد أمامه إلا الكشف عن وجهه القبيح وممارسة القهر في مواجهة دعاة الحرية.

وفي دول مثل مصر والسعودية فإن الصحافة استطاعت أن تنتزع نطاقا أوسع من الحرية عن ذي قبل. ففي مصر على سبيل المثال ازداد عدد الصحف المستقلة وزاد نطاق توزيعها حتى أن صحيفة "المصري اليوم" أصبحت تنافس صحفا مصرية عريقة مثل الأهرام والأخبار فيما يخص المصداقية وأرقام التوزيع. واستطاعت صحف مثل "الدستور" و"الأسبوع" و "صوت الأمة" و "الفجر" أن ترفع سقف حرية التعبير إلى نطاق غير مسبوق. وخلال العام 2005/ 2006 أسقطت الصحافة المصرية المستقلة الكثير من "المحرمات" وتخطت الكثير مما كان يعرف سابقا في الوسط الصحفي بـ "الخطوط الحمراء" وهي مؤسسة الرئاسة والمؤسسة الدينية والمؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية.

ومن الممكن القول بأنه لم تعد هناك خطوط حمراء تتوقف عندها الصحافة المستقلة في مصر. فالرئيس أصبح عرضة للانتقاد مثله في ذلك مثل رئيس الحكومة والوزراء والنواب وغيرهم من المسؤولين العموميين. كما أن الانتقادات الموجهة إلى مؤسسات الدولة الأخرى وعلى رأسها المؤسسة الأمنية تشهد بأن حرية التعبير في مصر تسير في الاتجاه الصحيح بفضل قوة الدفع النضالية والتضحيات التي تقدمها الجماعة الصحفية المؤمنة بمبادئ حرية الرأي والتعبير.

وبينما توسع الصحافة المستقلة نطاق حريتها في مصر على حساب الدولة المركزية والصحافة التابعة لها وضد المحرمات التي كانت مفروضة سابقا فإن الصحافة السعودية سواء المقيمة أو القائمة في خارج البلاد راحت هي الأخرى توسع نطاق حريتها على حساب القوى السلفية الوهابية المتشددة. فاللمرة الأولى تظهر المرأة السعودية على شاشة التليفزيون قارئة لنشرات الأخبار "قناة الإخبارية" وللمرة الأولى تتحدى صحيفة شابة هي صحيفة "شمس" الطابع المغلق للنظام الاجتماعي التقليدي في السعودية وتقدم على صدر صفحاتها الوجه الآخر من الحياة الحقيقية التي يعيشها الشباب السعودي فتيانا وفتيات بعيدا عن النفاق الاجتماعي والتطرف الديني.

وفي الوقت الذي أظهرت فيه الدولة والملك عبد الله على وجه الخصوص تسامحا وانفتاحا تجاه الروح الجديدة للصحافة السعودية فإن قيادات التيار السلفي الوهابي المتشدد أظهرت على الدوام عداء مستميتا ضد القوى المتحررة في المجتمع السعودي ومنها أنصار حرية الصحافة واستقلالها.

غير أن هذه الجسارة التي تظهرها الصحافة في بعض أنحاء العالم العربي من أجل توسيع نطاق الحريات الصحفية والحريات العامة لا تتقدم إلى أهدافها ولا تحرز تقدمها بدون تضحيات. وقد أظهرت إحصاءات المتابعة التي أجرتها المنظمة العربية لحرية الصحافة أن هذه التضحيات تزيد مع زيادة قوة تيار حرية الصحافة ومن ثم فإن ردود الفعل سواء من جانب الحكومات أو من جانب القوى المتطرفة المتشددة تكون عصبية وعنيفة.

ويثير هذا النجاح الذي حققته الصحافة العربية المستقلة قضية العلاقة الجدلية بين تعديل قوانين الصحافة والإعلام للسماح بحريات أوسع وإسقاط القيود على حرية التعبير والرأي وبين الكفاح الفعلي المتواصل لاكتساب مساحات حرية أكبر بقوة الأمر الواقع. فالصحفيون الذين يناضلون من أجل إسقاط القيود على حرية التعبير والرأي لا يمكن لهم أن ينتظروا حتى تنجح جهودهم وإنما يتعين عليهم وهم في مواقع عملهم دفع الحواجز إلى السقوط وتوسيع هامش الحرية.

زيادة الانتهاكات غير الحكومية

وعندما نشير إلى انتهاكات حرية الصحافة وحرية التعبير والرأي فإننا لا نعني بها فقط الانتهاكات التي ترتكبها الحكومات وإنما هناك انتهاكات لا تقل خطورة ترتكبها قيادات حزبية في المعارضة ضد صحفها وصحفييها (مثال صحيفة الوفد في مصر وصحيفة الثوري في اليمن). كما أن هناك انتهاكات ترتكبها قيادات صحف "مستقلة" ضد صحفييها كما هو الحال في معظم الصحف "المستقلة" في مصر التي تتوسع في استغلال الصحفيين العاملين لديها إلى أقصى الحدود وفي صور مختلفة أهمها عدم توقيع عقود عمل لمعظم هؤلاء الصحفيين.

غير أن ما يلفت النظر في هذا التقرير على وجه الخصوص هو زيادة قوة وعدد الإنتهاكات ضد حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير من جانب قوى التيار الديني السلفي المتشدد في العالم العربي الذي يقوده المتشددون الوهابيون. وبسبب الضغوط التي يمارسها هذا التيار فإن عددا من الصحف تعرض للإغلاق مثل صحيفة "شمس" السعودية و صحيفة "يمن أوبزرفر" اليمنية وصحف أخرى في الأردن والجزائر. إن هناك قطاعات من الرأي العام في العالم العربي تضيق بحرية التعبير والرأي ولا تطيق التعددية الإعلامية وتتبنى خطابا سياسيا شموليا لا يقبل الرأي المخالف أو التغطية الإعلامية الموضوعية. إن هذه القطاعات تمارس ضغوطا على حرية الصحافة لا تقل في خطورتها عن الضغوط التي تمارسها الدولة. وتصل هذه الضغوط من جانب من يتسترون بالدين إلى حد القتل وإزهاق الأرواح مثلما حدث في حال الصحفي محمد طه محمد أحمد في السودان.

وكانت أزمة الرسوم الكاريكاتورية الدانماركية مثالا قويا على اتجاه التيار الديني السلفي المتشدد إلى "تسييس" هذه الأزمة ومحاولة تحقيق أقصى المكاسب منها خصوصا في ظل دعم دول مثل إيران وسورية اللتين عملتا على استخدام هذه الأزمة كمسار يتم منه توجيه طاقات الغضب والإحباط الكامنة في العالمين العربي والإسلامي (بسبب البطالة والفقر والاستبداد) إلى عدو خارجي هو الغرب بشكل عام، خصوصا في ظل الضغوط التي كانت تمارسها أوروبا الغربية والولايات المتحدة على هاتين الدولتين، إيران بسبب برنامجها العسكري النووي، وسورية بسبب تورطها في لبنان والاتهامات الموجهة إليها في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

زيادة الإقبال على مواقع الإنترنت المستقلة

الظاهرة الأخيرة التي نود الإشارة إليها والتي كشف عنها هذا التقرير هي زيادة لجوء القارئ العربي إلى مواقع الإنترنت للحصول على الأخبار والمعلومات والاطلاع على وجهات النظر غير الحكومية. وهذا الاتجاه هو رد فعل طبيعي في مواجهة القيود التي تفرضها الحكومات على حرية تدفق المعلومات وحرية الرأي والتعبير. وقد استطاعت مواقع إليكترونية مستقلة تطوير مصداقيتها وقدرتها على إقناع زائريها إلى الحد الذي أصبحت فيه مصدرا من مصادر المعلومات الرئيسية في بلدانها مثل موقع "أخبار ليبيا" وموقع "أخبار تونس" وكذلك المواقع الإليكترونية السورية والسعودية والمدونات الشخصية في مصر. ومن الملاحظ أن درجة الإقبال على تصفح مواقع الإنترنت المعارضة تزداد كلما زادت القيود على حرية تدفق المعلومات وحرية الرأي والتعبير. ولذلك فإنه ليس من المستغرب أن يكون نفوذ المواقع الإليكترونية الإخبارية الخاصة بتونس وليبيا هو أقوى من نفوذ الصحافة الحكومية وأن الإقبال على هذه المواقع يمثل مصدر إزعاج مستمر للسلطات في البلدان العربية ذات النظم الإعلامية المغلقة أو شبه المغلقة.

إن العام 2006 قد حمل معه الكثير من عوامل القلق والخوف على مستقبل حرية التعبير والرأي. غير أنه في الوقت نفسه حمل معه أيضا الكثير من دوافع الأمل والتفاؤل التي تؤكد أن قوة الحركة المساندة لحرية التعبير والرأي لا تتقهقر بل إنها تكسب الكثير من المواقع الجديدة كل يوم. ومع ذلك فإن القلق على أرواح الصحفيين وعلى أمنهم وسلامتهم يتزايد خصوصا في الأماكن التي تزايدت فيها النزاعات الطائفية والعرقية والسياسية إلى حد حمل السلاح لتصفية الخلافات بين الفرقاء بدلا من مقارعة الحجة بالحجة واللجوء إلى الحوار بدلا من العنف. إننا في المنظمة العربية لحرية الصحافة نعتقد أن المخاطرة بالحياة هي ضريبة يدفعها العاملون في مهنة الموت في العالم العربي بسبب تردي الأحوال السياسية وانتشار مواقع النزاعات المسلحة في العراق وفلسطين والسودان والصومال وبسبب انتشار تيارات تضيق بالرأي الآخر وبسبب استبداد معظمم الحكومات في البلدان العربية. إن هذا هو قدرنا وسوف نواجهه بالشجاعة الكافية.

ولا يسعني وأنا أقدم هذا التقرير إلا أن أعبر عن شكري وتقديري لكل الزملاء الذين تعاونوا من أجل إصدار هذا التقرير بالصورة التي هي عليه على الرغم من المشاق التي تحملوها من أجل تدقيق الوقائع وإكمال الصورة في تقارير البلدان المختلفة. وأرجو أن يكون تقرير السنة المقبلة أفضل شكلا وأحسن مضمونا، فنحن دائما في المنظمة العربية لحرية الصحافة نطمح إلى الأفضل.

رئيس المنظمة العربية لحرية الصحافة .. لندن - ديسمبر 2006

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى