وتلك الأيــام .. المعارضة والسلطة في التاريخ الإسلامي

> عبدالفتاح قاسم الشعيبي:

> تمتد جذور حركات المعارضة إلى فترة مبكرة من تاريخ الإسلام، واستهدفت الثورة على القيادة القائمة وتولي زمام السلطة ومعظمها كان يملك برامج عمل ذات خلفية عقيدية أو سياسية على أقل تقدير، وجل حركات المعارضة التي قارعت السلطة وسعت إلى تولي مركز القيادة كانت ترفع شعاراتها الإسلامية الخالصة، وتبحث لها عن متكآت وأصول في صميم المصادر الإسلامية النظرية والتاريخية، فهل يستطيع المرء أن يحكم بإسلامية حركات المعارضة في التاريخ الإسلامي؟

يصعب الجزم بذلك الأمر، ولكن أقل تقدير يمكن القول إنه بالنسبة لبعض الحركات لم تكن سوى اعتماد الإسلام وسيلة لتحقيق الكسب الجماهيري في مجتمعات تدين بالإسلام أولا وأخيرا، ولتبرير مشروعية تحركها لمجابهة السلطة أو القيادة الحاكمة وإزاحتها والجلوس في مراكزها، ولكن سرعان ما تتكشف الدوافع الحقيقية لعدد من تلك الحركات التي قامت في التاريخ الإسلامي، بحيث تسقط الحجة ويختفي المبرر، وتضيع الحركة في تيار صاخب يطوي في جناحيه كل من يسعى إلى ركوبه لتحقيق كسب محدود خصوصا الحركات التي استمدت جانباً من معطياتها من مصادر غير إسلامية: فارسية أو يهودية أو نصرانية أو يونانية والتي تفلتت من القيم الأخلاقية الإسلامية.

ومن ثم فإن جل تلك الحركات ما كانت لتجد أيما رادع أو ضير في مد يديها إلى الخصوم التاريخيين للإسلام والأمة الإسلامية، بحثا عن إسناد عسكري أو مادي يعينها على تحقيق أهدافها، اعتمد بعضها على مناهج فوضوية أو تخريبية أو حتى بدوية تقف على النقيض من قيم الإبداع والبناء والتحضر.

ولكن هذا لا يمنع من أن يكون تيار المعارضة الأوسع والأرحب والأكثر ثقلا تيارا إسلاميا صادقا، وهذا يتوجب علينا ألا نقع في الوهم الخادع الذي يصور السلطة أو القيادة الإسلامية (التاريخية) كما لو كانت أمرا مقدسا أو تفويضا إلهيا، فإن أية قيادة في مدى عالم الإسلام، ما أن تنحرف بهذه الدرجة أو تلك، وما أن ترفض النقد والتقويم والرجوع إلى الطريق السوي، حتى يغدو على المسلمين أن يثوروا لتحقيق ما عجزت الكلمة والحوار عن تحقيقه.

إن المسلمين كانوا مدعوين دائما لأن يرفضوا طاعة السلطة لحظة اعوجاجها وخروجها عن الطريق، وليس العكس أبدا كما يتوهم الكثيرون لهذا السبب أو ذاك، وأن طاعة أولي الأمر تتحقق يوم يكون أولو الأمر مسلمين حقا، وإلا فإن الرفض والمجابهة والثورة تغدو واجبة كوجوب الصلاة والزكاة والصيام من أجل تسليم الزمام لمن يعرف كيف يتعامل مع السلطة بما يريد الله ورسوله.

ولهذا فإن حركات المعارضة التي قارعت القيادات والسلطات، ليست شرا كلها كما يتصور التقليديون ومبررو سياسات الحكام والطواغيت، ولكنها محاولات جادة لإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي، رغم ما انتابها من أخطاء، وما لابس معطياتها من شوائب وأكدار، فإن الدافع في أحيان كثيرة هو التحقق بالإسلام على مستوى القيادة باعتبارها مفتاح الحركة العقيدية والتاريخية على السواء.

باحث متخصص في التاريخ الإسلامي/ كلية الآداب - جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى