(العطاس) الشخصية الفذة التي خسرها الوطن

> حسن بن حسينون:

> لا يمكن الحديث عن الحركة الوطنية في الجنوب قبل الاستقلال خاصة تلك التي تميزت بالثورة و المقاومة الشعبية التي انطلقت شرارتها ضد الاحتلال البريطاني في الرابع عشر من اكتوبر عام 1963م، إلا ويتذكر الرعيل الأول الذي رفع رايتها وشارك مشاركة فعلية في عملياتها العسكرية و الوطنية حتى تحقق الانتصار والاستقلال الناجز في الثلاثين من نوفمبر 1967م. تلك الثورة الشعبية وذلك الاستقلال الناجز والكامل الذي حاول البعض مع الأسف أن يشوهه بشتى المغالطات و الأكاذيب وعقلية المؤامرة ، تارة بوصف ذلك الاستقلال بالجلاء وكأن الجنوب لم يكن مستقلاً بشعبه ودولته تاريخياً ما قبل الوجود البريطاني وما بعده، ومن المعروف أن الجلاء يتم عن قطعة صغيرة من الأرض تابعة لدولة معينة أو حتى بلد بكامله وذلك عن طريق الحوار والمحادثات الثنائية عبر منظمات دولية وعلى هذا الأساس يتم الاتفاق وتحديد موعد الجلاء. أما الاستقلال وطرد الغزاة و المحتلين فلا يتحقق إلا بالثورات الوطنية والانتفاضات الشعبية والجماهيرية و الانقلابات العسكرية التي تأخذ جميعها طابع المقاومة والعنف . وتارة أخرى يتهم المعتوهون وأصحاب القلوب المريضة ذلك الاستقلال بأنه قد تم من خلال صفقة بين الجبهة القومية و الإدارة البريطانية غير أن كل تلك الادعاءات والأكاذيب والتضليل الإعلامي لم تثبت أمام حقائق التاريخ التي تتحدث عن نفسها بمصداقية.

العطاس الشخصية الوطنية والقائد العسكري الموهوب كان أحد أفراد الرعيل الأول المشارك في الثورة حتى الاستقلال وقد لعب دوراً بارزاً ومتميزاً في توطيد دولة الاستقلال، دولة النظام و القانون حتى وفاته رحمه الله وأسكنه فسيح جناته . ومثلما خسره الوطن فقد خسر قبله العشرات والمئات من رفاق دربه منهم من مات ميتة طبيعية ومنهم نتيجة لخلافات وصراعات داخلية أو عداءات شخصية جميعها كانت لها نتائج وتداعيات خطيرة ومدمرة مادياً وبشرياً . مع العلم أن القيادات السياسية من مختلف المراحل دائماً ما تقف أمامها لتشخيصها وتحليل أسبابها والتأكيد على تجاوزها. إلا أن التخلف الثقافي والاقتصادي والاجتماعي وقوة تأثير ثقافة الماضي إضافة إلى الأيادي الخبيثة التي كانت دائماً تلعب من الخلف في تأجيج الخلافات والصراعات ، كل ذلك كان السبب لما تعرضت له التجربة في الجنوب، والتي من بينها تلك التي دائماً ما يتحدث عنها علي سالم البيض بالقول «بأننا قد بدأنا في الخطأ كقيادة سياسية من اللحظة الأولى للاستقلال الوطني عندما تم الاستغناء عن الجهاز الإداري لما قبل الاستقلال وتحل محله قيادات ومسؤولون شبه أميين كان لهم دور سلبي وخطير في كل المراحل اللاحقة» . وأضاف قائلاً:«لقد استلمنا السلطة والدولة بكل مؤسساتها ونحن لازلنا جميعنا بدون تجربة وصغاراً في السن وأغلبنا لا يعرف كيف يلبس ربطة العنق (الكرفتة)». وأعتقد أن كل تلك التراكمات والأخطاء التي رافقت تلك التجربة كانت السبب في دفعه إلى الأمام بقوة إلى الوحدة والتوقيع على اتفاقياتها، انطلاقاً من اعتقاده بأن مشاكل اليمن وحلها يكمن في الوحدة ، وذلك ما أفصح عنه جهاراً الرئيس علي عبدالله صالح، بالقول بأنه لولا على البيض لما قامت الوحدة.

وكلمة حق تقال في الفقيد عمر علي العطاس كأحد القيادات السياسية والعسكرية في الجنوب كان دمث الأخلاق وصادقا بعيدا عن التعالي على الآخرين، وعطوفا وأبا حنونا ومحبا للناس يشاركهم همومهم ومعاناتهم والعمل على حل مشاكلهم. عرفته منذ بداية ستينات القرن الماضي يتصف بتلك الصفات الحميدة حتى ملاقاة ربه نهاية الشهر الماضي رحمه الله رحمة الأبرار.

أما آخر كلمة أقولها لمن يضيق صدره لبعض الأمور بقصد أو دون قصد إن الجنوب الأرض والإنسان لا يقارن بجزيرة حنيش ولا أرخبيل بكامله الذي احتله الأريتريون والذي كان تابعاً لليمن وللدولة اليمنية بالقوة العسكرية ومن ثم الجلاء عن الجزيرة وحدها بالتفاوض عبر التحكيم الدولي وتدويل الأرخبيل والعديد من الجزر التابعة له.

فذلك هو الفهم والتعريف للجلاء الذي يختلف عن الاستقلال. ولا داعي للادعاء بأن الفرع عاد إلى الأصل وبأن الطفل الضال قد عاد إلى حضن أمه لأن تلك الادعاءات والأكاذيب هي التي تفرق بين الناس ولا توحدهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى