عاشوراء غداً... أم سنة جديدة بسلام؟

> غسان تويني:

>
غسان تويني
غسان تويني
العائد الى لبنان من باريس يلملم انطباعات تفاؤلية وتطلّعات نيّرة كثيرة، لكن باله يظل "مشغولاً" على لبنان... رغم ان الاسبوع المقبل هنا في باريس هو الاسبوع اللبناني كما ولا مرة من قبل، وكما لا اسبوع لأية دولة مثله حتى الآن!

لعل ما يشغل البال - مع شيء من الابتسامة الساخرة - ان دول القرار الاقليمية والأكبر منها لم تعد فقط تتصارع في لبنان وتمزّقه وتعطّل تقدّمه. صار لبنان يتسبب لهذه الدول بأزمات "داخلية". والمثال صارخ: هل تذهب باريس (أي هل يليق ذلك؟) الى طهران تحاورها في شأن لبنان، وأية نتائج يمكن ان تنالها باريس وبأي ثمن؟ ثم ماذا لو طلبت ايران من حوارها هذا ثمناً ليس في مقدور فرنسا ان تدفعه (مثلاً: شيء من التنازلات في الملف النووي؟...) وهل تكون فرنسا قد نالت، أو هي يمكن ان تنال في لبنان ومنه "ثمناً" يوازي ذلك، بما فيه من احراج لفرنسا في علاقاتها مع اميركا؟... وبالذات في الوقت الذي أبلغت واشنطن الى باريس انها وكل "جوقتها" الدولية ستشترك في مؤتمر "باريس 3"، وتضع رصيدها - ولا مركّبات ولا تحفّظات - في الميزان الفرنسي لإنجاح المؤتمر وانقاذ البقية الباقية من الديمقراطية اللبنانية، ولو عاد الفضل في ذلك الى باريس وشركائها العرب.

أين "المشكل" الذي تسببنا به في باريس؟

ما ان تسرّب (ربما عمداً) نبأ تهيئة الرسول المحاور الى طهران، ومعرفة اسمه وصفته وماضيه "الايراني - السوري"، حتى قامت القيامة، فأمر الرئيس شيراك بطي المبادرة، على الأقل في الصيغة التي كانت الخارجية الفرنسية هيّأتها، على ان يستمر الحوار عبر الابواب التقليدية التي كانت منفتحة من دون كثير ضجة. وتنتظر باريس النتائج العملية لتقرر ماذا تذيع عنها ومنها.

وهكذا هبط الوحي على الإعلام، فتوقفت التسريبات والتسريبات المضادة، وتوقفت السباقات الى الاسرار وتعزيز هذا الطرح أو تسخيف ذاك، والتشجيع، بل الطبل والزمر من هنا، والاحباط من هناك، بمقادير متفاوتة من الواقعية!!!

هل طوي الأمر كلياً اذاً؟

لا، كلا. بل على العكس: المحاولات، والإعدادات تأخذ مجراها في الكواليس، مجلببة بالسرية الديبلوماسية التامة. وبعض المحللين من كاتمي الاسرار لا يكتمون اللبنانيين (في باريس وربما في بيروت ايضاً) ان الأمر ربما سار على مستويين: المستوى الفرنسي - الاوروبي (ويزيد في الاضطرار الى اوروبيته كون المانيا تضطلع الآن بالرئاسة الاوروبية الدورية وهي الضالعة في الوساطات العربية مع الآخرين!)، والمستوى الاميركي - الاوروبي كذلك. وهكذا تكون كل الاحتياطات ممكنة كي لا يعطّل مسارٌ المسار الآخر.

ومن يدري، فقد تكون زيارة لاريجاني لدمشق، الآن بالذات وجهاً من وجوه التركيبة الدبلوماسية. وطلائعها لا تبدو فاشلة، حتى فلسطينياً.

أي "بالعربي الفصيح"... كي لا تتمكن طهران من تقديم تنازلات لبنانية تعزز بها موقفها، لاكتساب تأييد فرنسي له، في وجه المسعى الاميركي الذي تتزايد سرعته ويتسع اطاره من أجل ازالة العقبات في طريق كوندوليزا رايس التي قررت، وباشرت سلوك "خريطة الطريق".

اذاً، مرة اخرى: "اعتزوا يا لبنانيي" مفتاح السلام الأوسع، أي مفتاح قضية الشرق الأوسط، يرجع لبنانياً...

لكن المطلوب هذه المرة ان يساهم اللبنانيون كلهم في عملية السلام بدءاً بشوارع بيروت وساحاتها والطرقات المؤدية اليها، تماماً كما هو مطلوب منهم لإنجاح "باريس 3" ان يقوموا هم، ومجتمعين، بالاصلاحات وباقي الالتزامات التي من دونها تذهب الاموال ومعها كل القروض، المقبلة والموروثة، هدراً.

من هنا أهمية المفاجأة "البرّية" عندما أبلغ رئيس مجلس النواب الى سفير فرنسا علناً ورسمياً تأييده لمؤتمر باريس، الأمر الذي عكس صداه كلام السيد حسن نصر الله عن المؤتمر - ولو معتدلاً "نسبياً" ومتحفظاً ومشروطاً، كالعادة! -.

ويعود مفتاح حل الأزمة الى الرئيس بري، فهل يمضي في دور الحل الى نهايته الحاسمة؟

لا الدور الذي لم يقم به عندما تلكأ في فتح ابواب المجلس امام الحوار، بل دور أكبر وأفعل اذا تحرر وأراد: اقفال ابواب التصعيد الذي قد يقفل أمام طهران اذذاك ابواب التجاوب الكتوم مع مبادرة باريس وما قد تستتبع من واشنطن.

"قولوا انشا الله"!... مفهوم؟

الرئيس البري خير من يفهم، وينقل فهمه لا الى "حزب الله" (والجنرال عون) فحسب، بل كذلك الى "الاكثرية" التي تهون لديها التنازلات اذذاك، لتصير (هذه التنازلات) المساهمة الايجابية العملية في العودة الى طريق المصالحة الحقيقية التي من دونها قد لا يكون ثمة نجاح ممكن لا من باريس 3، ولا حتى من المحكمة الدولية التي سبق للرئيس بري ان قال ان لا خلاف عليها في الاصل.

فهل يدعونا رئيس السلطة التشريعية، كلنا، لأن "نصلّي على النبي" نحن و"حزب الله"... في مطلع هذه السنة الهجرية الجديدة؟ أم يترك الحزب "يعيّد" عاشوراء كبرى تعذب لبنان كله وتدمي الرؤوس - فضلاً عن القلوب - فلا تعود تقوى على فكر نيّر ومبتهج بالسلام وبالعودة الى حب الحياة على نسق واحد ومعاً؟

عن «النهار» اللبنانية 22 يناير 2007

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى