الخيانة الوطنية المقنّعة

> د.عبده يحيى الدباني:

>
د.عبده يحيى الدباني
د.عبده يحيى الدباني
عددناها (مقنّعة) وهي ليست كذلك إلا لأن مرتكبيها قد اعتادوا عليها واستمرأوها، ولم يعودوا يشعرون بها بعد أن زينها الشيطان في عيونهم وقلوبهم..أجل إنها الخيانة الوطنية المقنعة هذا الوباء الذي استفحل في زمننا وبلدنا هذا ومجتمعنا هذا، الا من رحم ربي وقليلٌ ما هم.

فما من مواطن يلحق بوطنه الضرر والأذى مصراً مترصداً أو متهاوناً مهملاً إلا يكون قد وقع في هذا الفعل المشين الذي سميناه مجازاً بالخيانة الوطنية (المقنعة) . إن الذين يتعصبون لمناطقهم على حساب الوطن كله ومصلحته، ويقدمون أبناء عشائرهم وقراهم أو مدنهم على سائر الناس ويبوأونهم مواقع مهمة في أجهزة الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية وهم لا يستحقونها إنما يمارسون خيانة وطنية قد تصل في كثير من حالاتها إلى الخيانة الوطنية العظمى لأن هذا يعني فيما يعني حرمان الكفاءات الحقيقية من حقها في تبوء هذه المواقع، من جهة، ومن جهة أخرى حرمان الوطن من هذه الكفاءات من خيرها وعلمها وإبداعها وإخلاصها، ثم ما ذنب الوطن ومواطنيه حين نضعهم تحت رحمة هؤلاء العاجزين المتسلقين المتنفذين الذين لم يكونوا قط مؤهلين إلا لممارسة الفساد والإفساد؟! وقس على هذا الكثير من المحسوبية في التوظيف والتعيين والترقية والابتعاث، فماذا يعني مثلاً أن يعين في هذه الجامعة أو تلك من كان تقديره (مقبول) أو (جيد) بينما الحاصل على(الامتياز) يتسكع في الشارع مدحوراً مقهوراً بحيث يمكن أن يتحول إلى قنبلة موقوتة، ثم ماذا سيجني الوطن من وبال حينما تسند إلى كادر ضعيف مهمة بناء الأجيال والعقول والمستقبل، في حين جرى طرد العلماء الشيوخ من الجامعات شر طردة بحجة التقاعد مع أن الكثير منهم ما يزال في أوج عطائه وأنضجه وأحصفه وفي ذروة تراكم العلم والخبرة والطريقة في حين أن قدماء العسكر لم يحالوا إلى التقاعد بينما قد بلغوا الآجال كلها، وابتلعوا الأجيال كافة. أليس في هذه المحسوبية و سوء التقدير وعدم العدل خيانة وطنية؟! بلى والله العلي القدير!!

وذلك المسؤول، أو ذلك الموظف عندما يتعامل بالرشوة مقياساً لقضاء الحاجات وإنجاز المعاملات صغيرها وكبيرها، ويجعل القانون الذي يحمي الوطن وأبناءه تحت قدميه إذ يخون أمانته ويبيع وطنه وشعبه وواجبه بريالات مدنسة، قلت أم كثرت، فما نسمي هذا إذن؟

إن الفاسدين هم الخائنون خيانة مقنعة، بل سافرة مسفرة، كل ألوان الفساد المتفشية تقع في دائرة الخيانة الوطنية، بيد أن كلمة (فساد) نفسها استهلكت ولم يعد لها وقع مؤثر- رغم بشاعتها- لقد أفسد الفاسدون (أثر) الكلمة لكثرة دورانها، بينما ظل فسادهم سكيناً يستريح في جسد الوطن.

أما السلب والنهب وسرقة المال العام فحدث ولا حرج.. إنها واقعة في قلب ظاهرة (الخيانة الوطنية المقنعة) وتتجاوزها إلى الخيانة الوطنية القصوى، فماذا نسمي وكيف نصنف نهب الأراضي بالكيلومتر على حساب الشركاء في الوطن والمواطنة، وعلى حساب الأولى في الحق والفقراء والمعدمين، وعلى حساب الأجيال القادمة والتنمية والاستثمار، لقد أضحى هؤلاء لا يفرقون بين الاستثمار والاستئثار والاستحمار، أليس في هذا كله تكمن الخيانة بشحمها ولحمها؟؟ وقس على هذا استهلاك الثروة الوطنية بما لا يخدم البلاد والعباد وعدم إيجاد البدائل لها، وعدم التخطيط العلمي المستشرف، وإغراق البلد في الديون، واستجداء الآخرين، والجمع بين مراكز المال والسلطة والقوة العسكرية.. ولنا وقفة أخرى مع أشكال وألوان الخيانة الوطنية المقنعة.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى